نقل الإمام النووي –رحمه الله- تعالى في كتابه رياض الصالحين في باب التعاون على البر والتقوى:
180-وعن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قَالَ: «الخَازِنُ المُسْلِمُ الأمِينُ الَّذِي يُنفِذُ مَا أُمِرَ بِهِ فيُعْطيهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ، أحَدُ المُتَصَدِّقين». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فهذا الحديث حديث عبد الله بن قيس أبي موسي الأشعري رضي الله تعالى عنه قال فيه: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: الخازن المسلم الأمين.
ثلاثة أوصاف للخازن.
الخازن وهو من وكل أو أوكل إليه حفظ مال سواء كانت الوكالة بأجر أو كانت الوكالة بتبرع.
المسلم هذا الوصف الثاني، الأمين وهو من حفظ ما أؤتمن عليه ما أعطيه ما وكل في حفظه ما أسند إليه من مهمة فأداه على النحو الذي أمر به أو وكل فيه الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به، وهذا فيه بيان للأمانة وأنها فعل ما أمر به فيعطيه كاملًا موفورًا طيبة به نفسه أي يخرج ما طلب منه أن يعطيه لغيره أو وكل في إيصاله لغيره على هذا النحو كاملًا من غير نقص.
موفورًا أي وافيًا لا نقص فيه بوجه من الوجوه، طيبة به نفسه أي غير حاسد ولا ضائق بإخراج ما أوكل في إخراجه بل نفسه طيبة بهذا العطاء.
هذه أوصاف ذكرها النبي –صلى الله عليه وسلم- وأكد هذا بقوله: فيعطيه إلى الذي أمر به وهذا هو الوصف الأخير وهو ألا يتصرف من قبل نفسه فيما إذا وكل إلى إيصال المال إلى أحد أن يعطيه لمن أمر أن يعطيه له لا أن يجتهد في إيصاله لغيره والتحديد نوعان؛ إما تحديد شخص بأن يقول لك هذا المال أعطه زيدًا أو تحديد وصف بأن يقول هذا المال أعطيه الفقير فلا تذهب إلى مثلا إلى ابن سبيل أو إلى غيره من الأوصاف أو يتيم أو غير ذلك من الأوصاف الأخرى التي لم ينص عليها.
المتعاون على البر له مثل وصف وأجر فاعليه:
فقوله: فيعطيه الذي أمر به أي أمر أن يعطيه وهو إما بالوصف أو بالعين، قال –صلى الله عليه وسلم- في بيان أجر من توافرت فيه هذه الأوصاف في أداء الأمانة التي أؤتمن عليها قال: فهو «أحَدُ المُتَصَدِّقين» في الأجر والثواب، وإن كان لم يخرج من ماله شيئًا، لكنه أخرج من جهده على نحو توافرت فيه هذه الأوصاف التي ذكرها –صلى الله عليه وسلم- فكان أجره وثوابه على نحو أجر وثواب المتصدق، فهما كلاهما مأجور.
ذاك مأجور بالبذل، وهذا الذي أعطى المال وهو صاحبه، وهذا مأجور بالإيصال وأداء الأمانة على الوجه الذي أؤتمن عليه أو أؤتمن به دون نقص أو إخلال في ذلك، فكان مأجورًا.
أما ما يتعلق بقدر الأجر فالله أعلم به، فقد جاء في بعض الأحاديث أنه له نصف الأجر، ومعنى نصف الأجر أنه مشارك لأن الأجر في الإخراج مرتب على البذل والإيصال، أنت لما تريد أن تتصدق فالصدقة أجرها من جهتين؛ الإخراج وهو أن تخرج المال عن يديك وملكك، والثاني أن توصلها إلى المستحق فهذا لما اكتفى بالإخراج دون الإيصال، كان أجر الإيصال إلى الخازن.
الوكيل في إيصال المال له أجر على وكالته بقدر ما يحقق من الأوصاف المذكورة:
ولذلك قال: والأجر بينهما في بعض الروايات قال: «أحد المتصدقين»، وفي بعض الروايات قال: «وله نصف الأجر» والحديث يدل على أن الوكيل في إيصال المال له أجر على وكالته وعلى عمله بقدر ما يحقق من الأوصاف التي ذكرها –صلى الله عليه وسلم- وفيه أيضًا الإنسان لا يتصرف في المال إلا على نحو ما وكل وأن تصرفه في المال على غير الوجه الذي وكل فيه تعدي يخرجه عن الأمانة، فلا يثبت له الأجر.
ليس للإنسان أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه:
الأمر الثالث الذي يفيد الحديث أنه ليس للإنسان أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه لأنه جعله خازنًا ثم ذكر أنه نفذ الإخراج على نحو ما أمر به فدل ذلك على أن الإنسان لا يتصرف في مال غيره إلا بإذنه.
لكن ثمة استثناء في حالين؛ الحالة الأولى فيما إذا كانت المرأة في بيت زوجها، فإن المرأة في بيت زوجها إذا أخرجت في طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجر الإنفاق، ولزوجها أجر الكسب والخازن مثل ذلك لا ينقص أجر أحدهم من الآخر شيئًا، فهذا استثناء لكن هذا بالقدر الذي ذكره –صلى الله عليه وسلم[صحيح البخاري (1425) ومسلم (1024)] وهو أن تكون غير مفسدة وأن تعلم رضا زوجها بذلك، فإن قد قال لا تخرجي شيئًا فليس لها أن تتصرف، ومثله أيضًا الخادم والوكيل على حفظ المال، فإنه إن تصدق بشيء جرت العادة بمثله وليس فيه إفساد فإنه مأجور على ذلك.
ولهذا لما سأل رجل النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: إني أخرج من مال موالي فقال له النبي –صلى الله عليه وسلم-: لك نصف الأجر من مال مواليه يعني من مال أسياده الذين يملكونه.
وفي حديث آخر أن رقيقًا كان قد أمر بتقطيع اللحم، فجاءه مسكين فدفع إليه شيئًا من هذا اللحم، فلما جاء مالكه سيده وعلم بذلك ضربه، فذهب الرقيق يشكو إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: «لم ضربته؟» فقال: فعل في مالي ما لم أمره به فقال: «الأجر بينكما»[صحيح مسلم (1025)] فأقر النبي –صلى الله عليه وسلم- الرجل على الصدقة بالشيء اليسير ووجه العتب للذي ضربه بإثبات الأجر له.
والمقصود أن الإنسان لا ينبغي له ولا يجوز له أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه إلا في الحدود التي جرى العرف بالإذن فيها كالزوجة والخادم ونحو ذلك بالقدر اليسير الذي ليس فيه إفساد وما زاد فهو مضمون يعني إن أخرج أكثر من ذلك فإنه يضمنه ولا يكون بذلك مأجورًا.
اللهم علمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا عليم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.