قال المصنف –رحمه الله- تعالى: 181 - عن أَبي رُقَيَّةَ تَمِيم بن أوس الداريِّ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحةُ» قلنا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ». رواه مسلم.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
حديث جامع:
فهذا الحديث حديث تميم بن أوس الداري هو من الأحاديث الجامعة لشعائر الدين وفرائض الإسلام وما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم- من الهدى ودين الحق، فإن هذا الحديث جامع لكل ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن في تعبده لربه جل في علاه.
فقول النبي –صلى الله عليه وسلم- الدين النصيحة أي أن ما يكون من التقرب إلى الله –عز وجل- بالاعتقاد أو بالقول أو بالعمل جميعه مبني على النصيحة، والنصيحة كلمة جامعة للإخلاص وتمام السعي في التكميل للعمل على أكمل ما يستطيعه الإنسان من إخلاص ومتابعة.
النصيحة في الدين تقوم على أصلين:
فإن النصيحة لا تكون في الدين إلا بتحقيق هذين الأصلين، أن يكون العمل لله وأن يكون على وفق ما جاء به سيد الورى صلوات الله وسلامه عليه كرر النبي –صلى الله عليه وسلم- هذه الجملة الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة أي أن الدين هو بناء كل ما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم- في كل الأقوال والأعمال على الإخلاص وتمام النصح ولما كرر النبي –صلى الله عليه وسلم- على أصحابه هذه المقالة ورأوا عنايته –صلى الله عليه وسلم- بها سألوه قالوا: لمن يا رسول الله؟ لأن النصيحة فعل يتعلق بمفعول ولهذا سألوا لمن تكون النصيحة؟
فقال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، هذه خمسة أمور جعل النبي –صلى الله عليه وسلم- بناء الدين على تكميل النصح فيها.
النصيحة لله:
أما النصيحة لله فهي بمعرفته والعلم به جل في علاه وإثبات الكمالات له –سبحانه وبحمده- واعتقاد أنه رب السموات والأرض وأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى وأنه الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، فإن هذا هو الإخلاص لله بأن تخلص إيمانك به من كل ما لا يليق به جل في علاه، في إلهيته، في ربوبيته، في أسمائه وصفاته.
ومن الإخلاص لله طاعته فيما أمر وترك ما نهى عنه وزجر، ومن الإخلاص لله أن تحب ما يحب وأن تبغض ما يبغض، فكل هذه المعاني مندرجة في النصيحة لله –عز وجل-، وأما النصيحة لكتابه فالمقصود بالكتاب هنا هو القرآن العظيم والنصيحة له أن تؤمن أنه كلامه جل في علاه، وأن الله تعالى أنزله على محمد –صلى الله عليه وسلم- وأوحاه إليه من طريق جبريل وأن كل هداية فيه فلم يترك خيرًا إلا دلنا عليه ولا شر إلا حذرنا منه وتوقن بما فيه من العقائد وتقبل ما فيه من أحكام وتجتهد في العمل بذلك، هذه النصيحة لله –عز وجل-.
النصيحة لرسول الله:
وأما النصيحة لرسوله –صلى الله عليه وسلم- فالمقصود بالرسول محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، ورأس ذلك الشهادة له بالرسالة ومقتضي الشهادة للنبي –صلى الله عليه وسلم- بالرسالة أن تقبل ما جاء به من خبر وتذعن لما جاء به من حكم، فلا تخرج عما جاء به صلوات الله وسلامه عليه من الأحكام، ولا ترد شيء مما جاء به بعقلك أو ذوقك أو ألفتك وعادتك، بل تنقاد لكل ما جاء به وأن تحبه وأن تعذره وتوقره صلوات الله وسلامه عليه على الوجه الذي شرع في حقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هذا من النصيحة للنبي –صلى الله عليه وسلم.
النصيحة لأئمة المسلمين:
النصيحة لأئمة المسلمين بطاعتهم للمعروف وعدم الخروج عليهم والنصح لهم في بيان مواطن الهدى والتحذير من مواطن الرداء بما تقتضيه المصلحة من غير إعلان أو إضرار أو فوضى أو تشويش، فيسعى المؤمن في نصيحته لولاة الأمر أن يجمع الناس عليهم وألا ينفرهم منهم وألا يظهر مساوئهم بل ينصح لهم بجمع الكلمة عليهم، ودلالاتهم على الخير والتحذير من الخروج عليهم وما أشبه ذلك من الحقوق التي لولاة الأمر.
النصيحة لعامة المسلمين مرتبتان:
نصيحة عامة:
وأما النصيحة لعامة المسلمين، فالنصيحة على مرتبتين في النصيحة لعامة المسلمين، النصيحة العامة لكل أحد وهي تكون بالقلب والقول والعمل، بالقلب أن تحب لهم ما تحب لنفسك، والعمل أن تسعى لهم بكل خير تعلمه وتستطيعهن والقول أن تدلهم على ما فيه خيرهم وأن تحذرهم مما فيه الشر وفيه السوء لهم مجتهد في ذلك محتسب للأجر عند الله تعالى فيه.
نصيحة من استنصحك:
وأما النوع الثاني من النصيحة لعامة المسلمين فهو نصيحة من استنصحك فإن من حق المسلم إذا نصحك أن تنصح له بما تعلم من الخير، وأن تحذره عما تعلم من الشر والنصيحة للمسلمين كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يبايع عليها جماعة من أصحابه كما في الصحيح من حديث جرير أن النبي –صلى الله عليه وسلم- بايعه على النصح لكل مسلم.
فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم القيام بأمره والعمل بشرعه والثبات على الهدى ودين الحق وأن يختم لنا بخير وأن يعيذنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا النصيحة له ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وأن يثبتنا على ذلك وصلى الله وسلم على نبينا محمد.