المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحية طيبة طبتم وطابت أوقاتكم جميعًا بكل خير، وأهلا وسهلًا بكم معنا في بداية هذه الحلقة لبرنامج الدين والحياة عبر أثيرإذاعة"نداء الإسلام" من مكة المكرمة، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى، في بداية هذه الحلقة مستمعينا الكرام تقبلوا تحياتي محدثكم "وائل حمدان الصبحي"، ومن الشئون الهندسية "علي مدباغي" ومن الماستر "حسام المالكي"، ومن استديو الهواء "مصطفي الصحفي"، ومن الإخراج "مصطفي مستنطق"، مستمعينا الكرام سيكون حديثنا بمشيئة الله تعالى في هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة" حول علامات الساعة.
في الدين والحياة نناقش موضوعات تهم المسلم في أمور دينه ودنياه، ويَسعَد بها بمشيئة الله تعالى في دنياه وآخرته، من هذه الموضوعات التي نطرحها موضوع (علامات الساعة) في هذه الحلقة مستمعينا الكرام سنناقش هذه الموضوعات مع فضيلة الشيخ الدكتور "خالد المصلح" أستاذ الفقه بـ"جامعة القصيم"، فضيلة الشيخ: السلام عليكم، وأهلا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبا بك أخي وائل حياك الله ، وحيا الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:- أهلا وسهلًا فضيلة الشيخ، بمشيئة الله تعالى مثل ما ذكرت سيكون حديثنا فضيلة الشيخ في هذه الحلقة حول موضوع "علامات الساعة"، سنتحدث عنها وعن ما ذكره الله –تبارك وتعالى- من هذه العلامات في كتاب الله –عز وجل-، وأيضًا ما ورد في سنة المصطفي عليه أفضل السلام وأتم التسليم، وأيضًا سنتذاكر مجموعة من هذه النقاط فيما يتعلق بهذا الموضوع.
نبدأ حديثنا فضيلة الشيخ عن علامات الساعة وما جاء منها في كتاب الله –عز وجل- وفي سنة المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين أما بعد..
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة للجميع من الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله تعالى أن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا هداةً مهتدين، غير ضالين ولا مضلين اللهم آمين.
حديثنا مما يتعلق بالساعة، وحديثنا عن نبأ عظيم وقضية كبرى، فالله تعالى قد ذكر الساعة والآخرة في كتابه الحكيم في مواضع عديدة، وقد اجتمعت كلمات الرسل على دعوة الخلق إلى الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر، ولذلك يقرن الله تعالى في كتابه الحكيم بين الإيمان به والإيمان باليوم الآخر؛ ذاك أن الإيمان باليوم الآخر هو اليوم الذي يلتقي فيه الناس برب العالمين، وكما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾الانشقاق: 6، وهذا الأمر أمر جلل وكبير، وحدث بشريٌّ وكونيٌّ ليس بالهامشي ولا بالموضوع غير المهم، بل هو مما ينبغي أن يكون في رأس اهتمامات الإنسان؛ لأن حضور الآخرة في ذهن الإنسان فيكون من أحوالها وشأنها به تصلح دنياه، وبه يستعد للقاء ربه وقد أخبر الله تعالى عن حال المشركين قال: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾نبأ: 1- 3.
والنبأ العظيم هو لقاء رب العالمين، والله تعالى قد ذكر في محكم كتابه من صفات أهل الإيمان وخصال المتقين الإيمانَ باليوم الآخر، وأخبر -جل في علاه- عن اليوم الآخر بأخبار عديدة كثيرة في بيان ما يكون في اليوم الآخر من الجزاء والثواب لأهل الإيمان، والعقاب لأهل العصيان ما يكون بين يدي الساعة من أحوال وأهوال، ذكر ذلك في محكم التنزيل -جل في علاه-.
وأهل الإيمان يقرؤون ما ذكره الله في كتابه، وما ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم- في سنته قراءةَ المؤمن المصدِّق الذي يوقن بخبر الله وخبر رسوله، وهو يوقن في قلبه خشيةً وإشفاقًا من ذلك اليوم الذي يكون فيه الحساب، كما قال الله تعالى في محكم كتابه، قال- جل في علاه-: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾الأنبياء: 48- 49 ثم يذكر من صفاتهم فيقول: ﴿وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾الأنبياء: 49، فهم من هذه القضية في غاية التهيؤ والوَجَل الذي يحمل على الاستعداد، وقد قال الله تعالى عن حال أهل العناد والجحود: ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾الشورى: 17.
ثم بعد ذلك ذكر انقسام الناس في هذه الساعة التي أخبر بقربها قال: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا ﴾الشورى: 18 يقول: أين الساعة؟ متى الساعة؟ لو كانت حقًّا لوقعت، أما الذين أيقنوا بصدق خبر الله، وخبر رسوله قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾الشورى: 18.
الله تعالى أخبر عن الساعة في كتابه وهي القيامة، وأخبر -جل في علاه- عن أنها آتية لا ريب فيها: ﴿السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا﴾الحج: 7 فلا شك في مجيئها، ولاشك في حصولها، لكن من حكمة الله تعالى أن الساعة لا تأتي إلا بغتة، لا تأتي على حين علم بها، وعلى حين معرفة بزمن وقوعها، بل الساعة كما قال تعالى: ﴿لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾الأعراف: 187 يقول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾الأعراف: 187 متى تقع؟ ومتى تكون؟ ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾الأعراف: 187 هذا شأن الساعة أنها لا تأتي إلا بغتة، وقد قال الله تعالى: ﴿أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾يوسف: 107، وقال -جل في علاه-: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾محمد: 18، وهذا يشير ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾الزخرف: 66 ويقول -جل في علاه-: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾محمد: 18.
وأشراطها هي علاماتها التي تكون بين يديها، تكون مقدمة حصولها، تكون مؤشِّرا إلى قرب وقوعها، وإذا نظرت إلى القرآن الكريم وجدتَ أن الله تعالى ذكر في محكم الكتاب جملة من الآيات التي تكون بين يدي الساعة، بين قيام القيامة فذكر -جل في علاه- يأجوجَ ومأجوج في محكم كتابه، وأخبر بخروجهم كما قال جل في علاه: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾الأنبياء: 95- 97 هذا الفتح لهؤلاء القوم يأجوج ومأجوج ومجيؤهم على هذا النحو وهم من كل حَدَب يَنسِلون ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾الأنبياء: 97.
وأخبر -جل في علاه- عن مجيء الشمس من مغربها كما قال –جل وعلا- في محكم آياته في أية سورة الأنعام ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾البقرة: 210 أو تأتيهم الساعة ثم قال تعالى: ﴿أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾الأنعام: 158 قد فسَّرها أهل العلم بكون الشمس تخرج من مغربها، يعني أنها تخرج على خلاف المعتاد، فهي في العادة تخرج من جهة المشرق، ولكن يقضي الله تعالى أن تأتي من جهة المغرب، وهذا بعض آياته المشار إليها في هذه الآية الكريمة.
وقد ذكر الله –جل وعلا- في اقتراب الساعة ما يدل على حصولها بمبعث النبي –صلى الله عليه وسلم- في قوله: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾القمر:1، وقال تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾الأنبياء: 1 فقوله: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾الأنعام: 158.
هذه هي الآية التي ذكر الله تعالى فيها مجيء الشمس من مغربها على خلاف المعتاد، هذه آيات ذكرها الله تعالى في مُحكم كتابه مما يكون بين يدي الساعة، وجاء في خبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من تفصيل ذلك وبيانه ما لم يأت في سنن المتقدمين من النبيين، فقد أنذر النبي –صلى الله عليه وسلم- أُمَّته وأخبرها بحوادث عظيمة ووقائع كبيرة تقع بين يدي الساعة، لم يسبق أن حدَّث بها مَن قبله من الأنبياء.
فما من نبي كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم- إلا أنذر قومه الدجَّال، فالنذارة، نذارة الأمة من الدجال سابقة في النبيين السابقين، إلا أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أخبر في شأنه ما لم يخبر به نبيٌّ قبله جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قام في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر –صلى الله عليه وسلم- الدجَّال فقال: «إنِّي أُنذِرُكمُوه» يعني أحذركم من شأنه ومن فتنته ومن مجيئه ثم قال: «وما مِن نبيٍّ إلّا وقد أنذرَ بهِ قومَه، لقد أنذر نوحٌ قومَه، ولكن سأقولُ لكُم فيهِ قولًا لَم يَقُلْه نَبيٌّ لِقَومِه: تعلَمون أنَّهُ أعوَرُ، وإنَّ اللهَ ليسَ بأعوَرَ»صحيح البخاري (3057)، وصحيح مسلم (169).
فأخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بشأن الدجال بما لم يأت في خبر النبيين قبله، وعلامات الساعة إخبار النبي –صلى الله عليه وسلم- عنها هو مما يزداد به الإيمان بوقوع هذا الخبر العظيم، وهو بعث الناس لرب العالمين وقيام الساعة، كما أنه يزداد به المؤمن إيمانًا بالنبي –صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه يخبر بأمر لم يشهده، ولا يعلم به إلا من هو قد كشف الله تعالى له من أمور المستقبل ما يعرف به الوقائع والحوادث، ولذلك كان في إخباره –صلى الله عليه وسلم- عن علامات الساعة من دلائل نبوَّتِه وصدق رسالته ما يعرفه أهل البصائر وأهل العلم والمعرفة الذين يدركون دلائل صدقه –صلى الله عليه وسلم- من أخباره، فقد جاء في أخباره ما يدل على صدق رسالته صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والمقصود أن الخبر عن اليوم الآخر، وعن أشراط الساعة على وجه التحديد مما يزداد به الإيمان، ومما يُقبِل به الإنسان على الآخرة، ومما يوقِن به الإنسان صدق رسالة النبي –صلى الله عليه وسلم-، فللخبر والحديث عن علامات الساعة فوائد جَمَّة وكثيرة هذه بعضها، وقد قرر الله –عز وجل- في كتابه الخبر عن اقتراب الساعة ليزداد الناس يقينًا، ويزداد المؤمن إيمانًا واستعدادًا وتهيؤًا، وقد جاء في السنة من الخبر عن علامات الساعة الشيء الكبير وهي على نوعين:
النوع الأول:- علامات صغرى، وهذه كثيرة لا حصر لها يصعب حصرها وعدُّها على وجه الاستيعاب في كلام النبي –صلى الله عليه وسلم- وهي مما يتكرر زمانًا، فتكرر هذه العلامات الصغرى من زمان لزمان، ولكنها كلما تقدم الزمان واقتربت الآخرة زادت، فتقع في الزمن الماضي وتكرر وقوعها بنسب متفاوتة لكن مع مرور الزمان تزداد هذه العلامات ظهورًا وجلاء، ومن ذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما سأله جبريل عن علامات الساعة قال: «فأخبرني عن علاماتها؟»، ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- علامتان في هذا الحديث «أنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَها، وأَنْ تَرى الحُفاةَ العُراةَ العالَةَ رِعاءَ الشّاءِ يَتَطاوَلُونَ في البُنْيانِ»صحيح مسلم (8)، فذكر علامتين هما قد وجدا في سابق الزمان، وتكرَّر حدوثُهما على مر العصور الماضية، وقد يكون حدوثُهما في زمان أكثر منه في آخر، ولكن في الجملة كلما تقدم الزمن كثُر وظهر علامات هذه الأخبار التي ذكرها –صلى الله عليه وسلم- مما يكون بين يدي الساعة.
العلامات الصغرى كما ذُكَرتُ كثيرة، أولها ظهورًا هو بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم- فإنه قد جاء في الصحيح أنه قال: «بُعِثْتُ أَنا والسّاعَةُ كَهاتَيْنِ»صحيح البخاري (5301)، وصحيح مسلم (2950) وجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- من علامات الساعة موتَه، وجعل من علامات الساعة فتح بيت المقدس وقد جرى كل هذا، ففتح بيت المقدس خبر من النبي –صلى الله عليه وسلم- قبل وقوعه، وجعله من علامات الساعة كما قال –صلى الله عليه وسلم- كما جاء في البخاري: «اعدُدْ سِتَّ خِصالٍ بَيْنَ يدَيِ السّاعةِ»صحيح البخاري (3176) ذكر منها –صلى الله عليه وسلم- موته، ثم فتح بيت المقدس.
من العلامات الصغرى التي جاء عنها خبر النبي –صلى الله عليه وسلم-، وهي مما تزداد مع الوقت كثرة وظهورًا خروج الدجَّالِين، وقد حصل هذا في زمانه –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حتّى يُبْعَثَ دَجّالُونَ كَذّابُونَ قَرِيبٌ مِن ثَلاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أنَّه رَسولُ اللَّهِ»صحيح البخاري (3609)، وصحيح مسلم (357) وقد كان قد ادَّعى النبوة في زمانه –صلى الله عليه وسلم- مُسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وظهر بعد ذلك أقوام ادعَوا النبوة، ولازال هناك من يدعي النبوة بين فترة وأخرى.
من علامات الساعة التي أخبر بها النبي –صلى الله عليه وسلم- قبل وقوعها وحدثت: النار التي أخبر بخروجها تُضيء لها أعناق الإبل ببصرى أي بصرى الشام، وهي محلة قريبة من حوران التي في أرض الشام، وهذا الخبر عن هذه الواقعة جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة قال –صلى الله عليه وسلم-: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حتّى تَخْرُجَ نارٌ مِن أرْضِ الحِجازِ تُضِيءُ أعْناقَ الإبِلِ ببُصْرى»صحيح البخاري (7118)، وصحيح مسلم (2902).
وقد وقعت هذه النار كما ذكر ذلك العلماء، يقول النووي: قد خرجت النار في زماننا يتحدث عن زمانه –رحمه الله-، وكانت نارًا عظيمة تواتر العلم بخروجها، يعني تناقل الناس ذلك تناقلًا ظاهرًا، وذلك كان في عام أربعة وخمسين وستمائة من الهجرة يعني في القرن السابع، ودامت هذه النار يشهدها الناس كما ذكروا ما بين نصف شهر إلى شهر كامل، وحوادُثها وأخبارها قد ذكرها العلماء ووصفوها وصفًا بيِّنًا يطابق ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما ثبت عنه في قوله: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حتّى تَخْرُجَ نارٌ مِن أرْضِ الحِجازِ تُضِيءُ أعْناقَ الإبِلِ ببُصْرى».
من علامات الساعة التي أخبر بها –صلى الله عليه وسلم- وهي معدودة من العلامات الصغرى قوله –صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أصحابه في السنن من حديث أبي هريرة «سَيأتي على الناسِ سَنَواتٌ خَدَّاعات» وهذا غريب مما أخبر به –صلى الله عليه وسلم- من كثرة الكذب وفشوِّ الدَّجَل وظهوره، في الحديث السابق وصفها بأنها خَدَّاعات أي أنها تظهر على خلاف الحقيقة، تخبر بمظهرها خلاف باطنها «يُصَدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصّادِقُ، ويُؤْتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويُخَوَّنُ فيها الأَمِينُ، ويَنْطِقُ فيها الرُّوَيْبِضَةُ. قيل: وما الرُّوَيْبِضَةُ؟ قال: الرجلُ التّافِهُ، يتكلَّمُ في أَمْرِ العامَّةِ»مسند أحمد (7912)، وابن ماجه (4036)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3650) أي الرجل الذي لا علم له، فالتفاهة هنا ليست لنسب ولا لحسب ولا لجاه، إنما لما يتعلق بالعلم الذي به يدرك الإنسان ما يتكلم به على وجه الصواب، ويوفَّق إلى القول السديد فقوله: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة» يعني الرجل الذي لا علم عنده ولا معرفة، لا علمًا بالشرع، ولا علمًا بحال الناس، ولا تجربة ويتصدر في الحديث عما يحتاجه الناس حاجة عامة، وأيضًا أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- مما يكون بين يدي الساعة من ظهور الفُحش والتفَحُّش، وقطيعة الرحم قال –صلى الله عليه وسلم- كما جاء في المسند في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه «مِن أشراطِ الساعةِ أنْ يَظهَرَ الفُحشُ والشُّحُّ»شرح المشكل للطحاوي (3933)، والأوسط للطبراني (748)، وصححه الألباني في الصحيحة (3211) والتفحش يعني الزيادة في الوقوع في ما يكون من سيء الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة قال: وقطيعة الرحم أي أن يتقاطع الناس ولا يتواصلون وتخوين الأَمين وائتمان الخائن، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما ذكره مما يكون من علامات الساعة الصغرى «إنَّ من أشراطِ الساعةِ إذا كانت التَّحِيَّةُ على المعرفَةِ»مسند أحمد (3664)، وحسنه محققو المسند يعني لا يكون تحية بين الناس وتسليم إلا على وجه الخصوص فيمن يعرف، فينتفي بينهم ما يكون من أسباب الودِّ والمحبة حيث قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتّى تَحابُّوا أوَلا أدُلُّكُمْ على شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ»صحيح مسلم (54).
وإفشاؤه: إظهاره، وبذله على من عرفت وعلى من لم تعرف، وإذا كان الإنسان لا يُسلِّم إلا على من عرف دون غيره كان هذا من دلائل قلَّة الخير في الناس، وضعف أواصر الوُدِّ والمحبة بينهم، ولهذا كان من علامات الساعة ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ بين يَدَيِ الساعةِ تسليمَ الخاصةِ»، والتسليم لا يكون إلا لمن يعرفه الإنسان ويخصه بالسلام «وفُشُوَّ التجارةِ حتى تُعِينَ المرأةُ زوجَها على التجارةِ» أي ظهور التجارة وانتشار اشتغال الناس بالدنيا عن الآخرة، «وقَطْعَ الأرحامِ وشهادةَ الزُّورِ وكِتمانَ شهادةِ الحقِّ وظهورَ القلمِ»مسند أحمد (3870)، والحاكم (7043)، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد يعني: فشو الكتابة بين الناس لظهور كثرة الكتابة على خلاف ما يكون كان عليه حال الناس.
من أشراط الساعة أن يظهر التباهي بين الناس والمفاخرة في المساجد، يتفاخرون بتشييدها وتزيينها على وجه يخرج عما يكون من إتقان بنائها على الوجه الذي يحفظ هذه البقاع ويجعلها محلًّا لأداء العبادة على وجه مطمئن آمن سالم؛ فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أنس رضي الله عنه «إنَّ من أشراطِ السّاعةِ أن يتباهى النّاسُ في المساجِدِ»سنن أبي داود (449)، وسنن ابن ماجه (739)، وصححه الألباني وقال –صلى الله عليه وسلم-: «ما أُمِرتُ بتشييدِ المساجدِ»سنن أبي داود (448)، وصححه الألباني والتشييد المقصود المبالغة في بنيانها على وجه يصل إلى حد الإسراف.
وقد قال ابن عباس: "لتزخرفُنَّها كما زخرف أهل الكتاب"البخاري تعليقا (1/97)، وأبو داود (448)، وصحح الألباني إسناده، وهذا يبين أن من علامات الساعة أن يهتمَّ بعض الناس بالعمارة الحسية، ويغفلون عن العمارة المعنوية التي هي المقصود الأول والأكبر في عمارة المساجد، من علامات الساعة أيضًا الصغرى التي حدَّث بها النبي –صلى الله عليه وسلم- كثرةُ القتل والاستهانة بالدماء قال –صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة «لا تَقُومُ السّاعَةُ حتّى يَكْثُرَ الهَرْجُ قالوا: وما الهَرْجُ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: القَتْلُ القَتْلُ»صحيح البخاري (1036)، وصحيح مسلم (157) فكثرة القتل وفشوُّه حتى لا يدرى القاتل فيما قَتَل، ولا المقتولُ فيما قُتِل من علامات الساعة.
ولهذا حذر النبي –صلى الله عليه وسلم- من الفتن؛ لأنها مظِنَّة وقوع الشرور والفساد في دين الناس ودنياهم، وظهور الشرور بينهم بالاعتداء على الدماء، بالاعتداء على الأموال، بالاعتداء على الأعراض، وذلك كله مما يكون ظاهرًا فاشيًا كثيرًا في آخر الزمان، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما يكون من الفتن بين الناس والترغيب في اعتزال ذلك، والنأي بالنفس عنها فقال في الفتنة قال: «سلامةُ الرجُلِ في الفِتنةِ أنْ يَلزمَ بيتَهُ»الديلمي في مسند الفردوس (3507)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3649) أي يبعد عما يستدفع إليه الناس من الفوضى أو الشرور أو النزاع أو السير تحت عصبيات، أو ما أشبه ذلك مما يتعصَّب له الناس، ويتحزبون فيخرجون عما أُمروا به من الاعتصام بحبل الله جميعًا، وألا يتفرقوا أن يجتمعوا على ولاة أمرهم، وأن يسعَوا لإقامة الحق قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «يُوشِكَ أنْ يَكونَ خَيْرَ مالِ الرَّجُلِ غَنَمٌ، يَتْبَعُ بها شَعَفَ الجِبالِ ومَواقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ»صحيح البخاري (19).
من أعظم الآيات الصغرى والعلامات الصغرى والأشراط الصغرى التي تكون بين يدي علامات الساعة الكبرى ما يكون من خروج المَهديِّ وهذا آخرها ظهورًا وذلك ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- في قوله: «لا تَذْهَبُ الدنيا، ولا تَنْقَضِي، حتى يَمْلِكَ رجلٌ من أهل بيتي، يُواطِئُ اسمُه اسْمِي يملأُ الأرضَ قِسطًا وعدلًا، كما مُلئت ظُلمًا وجَورًا»سنن أبي داود (4282)، وسنن الترمذي (2230)، وقال: هذا حديث حسن صحيح وقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه يمكث فيها سبعًا أو ثمان فإن أكثر فتسع، وجاءت أحاديث عديدة في ذلك.
ومن العلامات التي ترافق خروج المهدي ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- من نزول عيسى ابن مريم في آخر الزمان، وهو أذان بحصول وقرب أشراط الساعة الكبرى.
وأول أشراط الساعة الكبرى فيما يظهر- والله أعلم-: خروج الدجال أعاذنا الله وإياكم من فتنته، هذه مجموعة من الآثار والأخبار المتعلقة بأشراط الساعة الصغرى، وكما ذكرت هي تتكرر عبر الزمان، وقد تزداد ومنها ما لا يقع إلا مرة واحدة كخروج المهدي، لكن غالب الأشراط التي جاء الخبر عنها مما يكون من علامات الساعة الصغرى تتكرر، وتزيد، وتنقص وتختفي في مكان وتظهر في مكان آخر، لكن لا تنعدم في حياة الناس، ولذلك أخبر عنها –صلى الله عليه وسلم- وحذر منها.
أما عن علامات الساعة الكبرى فهي عديدة، ذكرتُ أن الله تعالى ذكر في القرآن منها آيتين؛ الآية التي ذكرها الله –عز وجل- في كتابه وتشير إلى خروج الشمس من مغربها في سورة الأنعام ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾الأنعام: 158، والآية الأخرى التي ذكر الله تعالى فيها خروج يأجوج ومأجوج في قوله تعالى: ﴿مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾الأنبياء: 96، والآيات في هذا عديدة التي ذكرت في العموم اقتراب الساعة، ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾الأنبياء: 95- 97.
المقدم:- فيما تبقى من الوقت فضيلة الشيخ بودِّي أن نتحدث عن أشراط الساعة الكبرى، ومن ثم عن أخطاء التعامل مع أشراط الساعة من إسقاط الأحاديث على واقع الناس وغيرها.
الشيخ:- إي نعم، أشراط الساعة الكبرى حصرها النبي –صلى الله عليه وسلم- ذكرًا فيما جاء من صحيح الإمام مسلم من حديث حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: «اطَّلَعَ النبيُّ ﷺ عَلَيْنا وَنَحْنُ نَتَذاكَرُ، فَقالَ: ما تَذاكَرُونَ؟ قالوا: نَذْكُرُ السّاعَةَ، قالَ: إنَّها لَنْ تَقُومَ حتّى تَرَوْنَ قَبْلَها عَشْرَ آياتٍ» أي عشر علامات، وهذه جميعها من العلامات الكبرى التي تكون في زمن قريب من الساعة وقيام القيامة، «فَذَكَرَ، الدُّخانَ، والدَّجّالَ، والدّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، وَنُزُولَ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ ﷺ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بجَزِيرَةِ العَرَبِ، وَآخِرُ ذلكَ نارٌ تَخْرُجُ مِنَ اليَمَنِ، تَطْرُدُ النّاسَ إلى مَحْشَرِهِمْ»صحيح مسلم (2901).
وبخصوص ترتيب هذه الآيات العظيمة التي أخبر بها النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن أولها ظهورًا هو خروج الدجال أعاذنا الله وإياكم من فتنته، فقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن خروجه في زمن يكون الناس فيه مشتغلون بما هم مشتغلين فيه، فيخرج الدجَّال ثم تكون فتنته في الأرض فيظهر الفساد فيها، ثم يُنزل الله تعالى عيسى ابن مريم عليه السلام فيكون على يديه -عليه الصلاة والسلام- إخماد هذه الفتنة فتنة الدجال، حيث يقتله ويخلِّص الناس من شرِّه.
ثم يكون بعد ذلك خروجُ يأجوج ومأجوج، وهم فئة من خلق الله –عز وجل- أولو بأسٍ شديد، يظهرون في الأرض، ويفسدون فيها، وذلك في زمن عيسى ابن مريم، ثم بعد ذلك تكون الآيات تباعًا على حسب ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم-، وهذه ثلاث آيات عظيمة كبيرة من العلامات التي تكون بين يدي الساعة، وهي من العلامات الكبرى.
الخسف الذي أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- أيضًا من العلامات الكبرى، وقد أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «يكونُ في هذه الأمَّةِ خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ»مسند أحمد (6520)، وسنن ابن ماجه (4062)، وصححه الألباني وهذا غير الخبر الآخر الذي فيه خبره –صلى الله عليه وسلم- عن الخسف الذي سيكون في ثلاثة أماكن: المشرق، والمغرب، وفي جزيرة العرب.
من الآيات الكبرى أيضًا الدخان وهو ما أشار إليه الله تعالى في قوله: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾الدخان: 10، ومن آياته التي ذكرها الله تعالى في القرآن، ومن العلامات الكبرى قال –صلى الله عليه وسلم-: «إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات» فذكر الدخان صلوات الله وسلامه عليه، وهذا الدخان يكون فيه عذاب لمن عادى الله تعالى وأولياءه، وقيل: يكون فيه أيضًا قبض لأرواح المؤمنين، فيعذب به الكفار، ويقبض الله تعالى به أرواح أهل الإيمان.
من العلامات الكبرى التي تكون بين يدي الساعة، خروج الدابة حيث تخرج، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾النمل: 82، وهذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تخرجُ الدابَّةُ، فتَسِمُ الناسَ على خراطيمِهم، ثم يُعمِّرون فيكم، حتى يشتريَ الرجلُ الدابَّةَ، فيُقالُ: ممَّنِ اشتريتَ؟ فيقولُ: من الرجلِ المُخَطَّمِ»مسند أحمد (22308)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2729).
يعني هذه الدابة تسم الناس المؤمن بإيمانه، والكافر بكفره، ويعمرون هؤلاء لا يموتون بل يبقى فيهم ويمارسون حياتهم الطبيعية إلى أن يشاء الله تعالى، ولذلك أخبر النبي أنه اشترى بعد خروجها يشتري الرجل البعير فيقول: ممن اشتريته؟ فيقول: اشتريته من أحد المُخطَّمين يعني الذين وسمتهم الدابة.
من العلامات الكبرى طلوع الشمس من مغربها، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا تَقومُ السّاعةُ حتى تَطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغرِبِها، فيُؤمِنَ النّاسُ أجمعون، فيَومَئذٍ لا يَنفَعُ نَفْسًا إيمانُها لم تَكنْ آمنَتْ مِن قَبْلُ، أو كسَبَتْ في إيمانِها خَيرًا»صحيح البخاري (7121)، وصحيح مسلم (157) مما يكون في آخر الزمان من حوادث العظام.
وقد أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه يسرى على القرآن في ليلة فلا يبقى منه في الصدور شيء ولا في المصاحف منه شيء.[عبد الرزاقي في مصنفه5980، وابن أبي شيبة في مصنفه:37585. وصححه ابن حجر في الفتح13/16, والهيثمي في المجمع:12465]
هذه أخبار كثيرة وعديدة مما يكون في مستقبل الزمان، وقد جمع العلماء في ذلك الآثار والأحاديث، وبيَّنوا ذلك في كتب مختصة ببيان أشراط الساعة، فمطالعتها وقراءتها مما يفيد المؤمن، ويزيده بصيرة فيما يستقبل ويعينه على التهيؤ والاستعداد للقاء ربه جل في علاه.
المقدم:- فضيلة الشيخ هل خروج الشمس من مغربها هو من آخر علامات الساعة الكبرى؟
الشيخ:- نعم هو من علامات الساعة الكبرى، ولذلك أعده النبي –صلى الله عليه وسلم- في حديث حذيفة ضمن علامات الساعة الكبرى التي تكون بين يدي الساعة، وأخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- به، وأشارت إليه الآية الكريمة ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾الأنعام: 158.
المقدم:- فضيلة الشيخ أيضًا في نقطة أخيرة نريد أن نتحدث عنها في الجزء الأخير من هذه الحلقة، وهي عن أخطاء التعامل مع هذه العلامات، ولعل أبرز نقطة فيما نتحدث به عن هذه الأخطاء هي إسقاط هذه الأحاديث التي وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام على بعض الأحداث التي تحدث على مر الأزمان فيسقطون هذه العلامات على هذه الأحداث التي وقعت.
الشيخ:- هو يا أخي الكريم إسقاط هذه الأحداث على الوقائع الناس فيه بين طرفين ووسط؛ فمن الناس من يسقط هذه الأخبار على الوقائع والأحداث دون بصيرة ولا علم، لا بالنصوص الشرعية، ولا بالواقع فيكون ذلك مَزلَّة قدم وخطأ في تنزيل هذه الآيات على الوقائع، وفي المقابل هناك من يُعرض عن هذه العلامات وكأنها لم يقع منها شيء، وهذا في مقابل الطرف الأول، والوسط هو أنها تنزيل هذه الحوادث على الوقائع والأحداث لابد فيه من علم راسخ، والعلم الراسخ هو معرفة ما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في ذلك على وجه يوقِن بصحته أو يغلب على الظن ثبوته عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم بعد ذلك العلم بمواطن تنزيل هذه النصوص على الوقائع.
وهذا لا يستطيعه إلا من فتح الله بصيرته من أهل العلم الذين أدركوا معرفة ما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- وحصل لهم إدراكٌ ووعي بوقائع الزمان وحوادثه على وجه يستطيعون أن يعرفوا ويتبينوا هل هذا ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- أو لا؟، وقد جرى هذا في زمن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- فإنه لما أخبرهم –صلى الله عليه وسلم- عن الدجال وخفض في شأنه ورفع، قام بعض الصحابة فظنوا أنه في طائفة النخل، حتى ظنوا أنه شخص معين فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- لما رأى الصحابة على هذه الحال من التشوف لتنزيل ما أخبر به على الواقع قال: «إنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فأنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وإنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ»صحيح مسلم (2937).
فينبغي للإنسان أن يكون على غاية العلم والمعرفة بما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الشأن، وأيضًا على تمام العلم والمعرفة بمواطن تنزيل هذه النصوص حتى لا يوقعَها أو ينزِّلَها في غير موضعها فيكون نوعا من تحريف الكلم عن موضعه.
ولهذا ينبغي في مثل هذه الأمور أن يراجع أهل العلم، والله تعالى يقول: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾النحل: 43.
والعجيب أن كثيرًا ممن يتحدث عن أشراط الساعة وما يكون من أحوالها، وعلاماتها يغلب على حديثه الجانب العاطفي البعيد عن معرفة صحة هذه النصوص، وثانيًا البعيد عن معرفة صحة تنزيلها في الوقائع والحوادث، وثالثًا البعيد عن تحقيق المقاصد والغايات التي من أجلها أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- من هذه العلامات، فينبغي أن يعلم أن العلم بوقوع الساعة وقرب حصولها ثابت في القرآن ما يحتاج إلى ظهور علامات يشاهدها الإنسان، الله تعالى يقول: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾القمر: 1 ويقول: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾الشورى: 17، وقال تعالى: ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾الأنبياء: 97 فالنصوص واضحة في قرب الساعة، وهذا يحمل المؤمن على التهيؤ والاستعداد لهذه الساعة، لا يحتاج أن يقف على أعيان حوادث ووقائع حتى يقول: إن الساعة قريب، بل هو موقن بهذا، لكن هذا الخبر من أخبار النبي –صلى الله عليه وسلم- يفيده التذكير، يفيد التنشيط على العمل الصالح وما أشبه ذلك من الفوائد التي تقدم ذكرها.
ولذلك ينبغي للإنسان أن يبادر العمل الصالح.
أمر آخر أنه هذه العلامات وظهور هذه العلامات لا يدعو للإنسان إلى قلق، بمعنى إلى قلق لا يفيده في العمل الصالح أو إلى الانشغال عن الدنيا، وعن المصالح والخيرات التي كُلِّف بها لينبغي له أن يجِدَّ ويجتهد فيما ينفعه في دينه ودنياه، وألا يكون اشتغاله بمعرفة العلامات علامات الساعة مُقعِدًا له عما يكون من العمل الصالح فيما يتعلق بعمارة دينه وبعمارة دنياه، ولهذا جاء في الحديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- «إنْ قامَتِ السّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةٌ فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتّى يغرِسَها فلْيغرِسْها»مسند أحمد (19902)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1424) هذا الحديث يبين عظيم دعوة هذا الدين للجمع بين صلاح الدين وصلاح الدنيا، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- يؤكد هذا المعنى، وإن علمك بوقوع الساعة لا يسوغ لك الانقطاع عما فيه مصالح دينك ومصالح ديناك، بل ينبغي أن يكون حريصًا على العمل حاملًا على ما فيه خير المعاش والمعاد «إنْ قامَتِ السّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةً فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتّى يغرِسَها فلْيغرِسْها».
وهذا يختصر لنا خطأ أو يكشف لنا خطأ كثير ممن يتعاملون مع أحاديث أشراط الساعة، وأنها آخر الزمان وهذا اترك ما يكون من مصالح دينك ودنياك لا، آخر الزمان حاصل ببعثة النبي –صلى الله عليه وسلم- «بُعِثْتُ أَنا والسّاعَةُ كَهاتَيْنِ»[تقدم]، ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾القمر: 1 ولكن هذا لم يمنع النبي –صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه ولا خيار الأمة في القرون المفضلة ومن بعدهم ومن اتبع سبيلهم بإحسان، أن يبذلوا ما يكون فيه عمارة دنياهم، وما يكون فيه صلاح دينهم، فينبغي أن تفهم هذه النصوص على وجهها، وألا تخرج عن سياقها الذي أريدت منه، أو أريد منها وقصدت لأجلها، اللهم ألهمنا رشدنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا عليم.
المقدم: شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ على ما أجدت به وأفدت في هذه الحلقة.
الشيخ: بارك الله فيكم وأساأل الله تعالى لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح، والبصيرة في ديننا وصلاح معاشنا ومعادنا، فأسأله –جل وعلا- أن يوفق ولاة أمرنا إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وأن يسدد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى كل خير، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، ويجعل لهم من لدنه سلطنًا نصيرًا، وأن يعم الخير على البشر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.