نقل الإمام النووي –رحمه الله- تعالى في كتابه رياض الصالحين في باب النصيحة حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: بَايَعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى إقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم أجمعين أما بعد..
علام كانت البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هذا الحديث الشريف حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه في إخباره عما بايع عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- هو ومن معه حيث قال: بايعنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.
المبايعة هي عهد وميثاق بين شخصين أو بين شخص وآخرين، ومبايعة النبي –صلى الله عليه وسلم- هي معاهدته ومواثقته على ما وثق عليه أصحابه من أمور الدين وشرائعه في أصوله وفروعه، ولذلك كانت بيعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحابه على أنحاء مختلفة حسب ما تقتضيه الحال، فبايع على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وبايع أصحابه على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وبايعهم على طاعة ولاة الأمر وألا ينازعوا الأمر أهله إلا أن يروا كفرًا بواحًا وبايع جملة من أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئًا.
وكلك هذه البيعات هي توثقة ومعاهدة بين النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه على شيء من أمور الدين إما في أصوله، وإما في أركانه وواجباته وفرائضه، وإما فيما ينبغي أن يكون عليه الإنسان من خصال وخلال.
المبايعة كانت بين النبي والصحابة لكنها ملزمة لمن بعدهم:
فالمبايعة بين النبي –صلى الله عليه وسلم- جرت وهي بيعة لأصحابه وكذلك يلتزم بها من يؤمن به صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ لم يبايع النبي –صلى الله عليه وسلم- أحد من أصحابه على شيء يخصه دون غيره بل كانت بيعته على أمور دينه تعمه وغيره تعم من بايعهم وغيرهم من المسلمين، وقد يكون ثمة تخصيص لمصلحة أو لحاجة أو لأمر معين أو لنازلة فهذه على حسب ما تقتضيه الأحوال إلا أن المبايعات التي تمت بين النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في مثل هذه الأصول هي مما يعم جميع أهل الإسلام، فكلهم يجب أن يلتزموا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم وهلم جر مما ذكره الله تعالى في كتابه كما قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ﴾[الممتحنة: 12] وهذه البيعة ذكر فيها النساء وهي بيعة للرجال أيضًا وهي توثقة لكل من آمن بالله واليوم الآخر، كل من صدق النبي –صلى الله عليه وسلم- يلتزم بهذه الأمور.
ما هو إقامة الصلاة؟
المذكور في هذا الحديث حديث جرير رضي الله تعالى عنه، إقام الصلاة والمقصود بالصلاة الصلوات المفروضات أن يقيمها الإنسان وإقامتها بأن يأتي بها على الوجه الذي أمر به في شروطها وأركانها وفرائضها وواجباتها ومستحباتها.
وذلك هو إقامتها الذي أمر الله تعالى به في كتابه وعاهد النبي –صلى الله عليه وسلم- عليه أصحابه، وإيتاء الزكاة هو بذل الحق الواجب في المال، وقد بين ذلك الله –عز وجل- في كتابه وبينه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في سنته.
النصح لكل مسلم:
وأما النصح لكل مسلم فهذا مما يبين عظيم مرتبة النصيحة، فالنصح لكل مسلم هي السعي له بكل خير في قلبه وفي قوله وفي عمله وفي رأيه، كل هذه مما يندرج في النصح لكل مسلم، فبالقلب أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وبالقول أن تذكره بالجميل وأن تدله على كل خير وأن تذب عن عرضه في غيبته، وفي الفعل أن تسعى له بكل مصلحة ونفع وأن تدرأ عنه كل ما تستطيع أن تدرأه عنه من الشرور والمفاسد والأذى، والرأي فيما إذا سألك عن شيء أو استنصحك فالواجب عليك أن تبذل له ما تستطيع.
النصح لكل مسلم على مرتبتين:
المرتبة الأولى:- حق ثابت لكل أحد من أهل الإسلام وهو ما يكون في القلب من محبة الخير، وما يكون في اللسان من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذب عن الأعراض والذكر بالجميل وما يكون بالفعل بالسعي في الخير حسب الطاقة والإمكان والدرء للشر عن إخوانك المسلمين.
وأما النوع الثاني لكل مسلم وهو إذا استنصحك وهذا حق خاص إذا استنصحك أي طلب نصحك ورأيك وأن تدله على ما تعلم من خير أو تبين له ما يخشاه ويخافه من شر، فالنصح لكل مسلم في هذه الحال هي من الحقوق الواجبة التي يجب على كل مؤمن ألا يتأخر عنها.
وبهذا يتبين أن النصح للمسلم على مرتبتين؛ مرتبة تعم كل أحد، ومرتبة تتحقق في شأن من جاء يطلب النصيحة ويسترشد إلى الخير، والمؤمن ينبغي أن يكون نصوحًا لكل أحد ما استطاع إلى ذلك سبيلًا فالدين النصيحة كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على كل خير وأن يصرف عنا كل شر، وأن يسددنا في الأقوال والأعمال، وأن يجعلنا نصحه لعباده وأن يعيذنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا النصيحة له ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وأن يثبتنا على ذلك وصلى الله وسلم على نبينا محمد.