نقل الإمام النووي –رحمه الله- تعالى في كتابه رياض الصالحين في باب النصيحة 183-عن أنس رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحبُّ لِنَفْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فهذا الحديث الشريف حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لا يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحبُّ لِنَفْسِهِ» لا يؤمن أحدكم نفي للإيمان الواجب الذي يجب أن يتحلى به كل أحد بلغته الشريعة.
ما الأخوة المقصودة هنا؟
لا يؤمن أحدكم من ذكر أو أنثى حتى يحب لأخيه أي المسلم من ذكر أو أنثى، فالأخوة هنا هي أخوة الدين والإيمان التي قال الله تعالى فيها: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾[الحجرات: 10] والمعنى لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأهل الإسلام لكل مسلم ذكر أو أنثى ما يحب لنفسه يعني الذي يحبه لنفسه من الخير وذلك أن المؤمن يمن الله تعالى عليه بسلامة القلب وصحته.
سلامة القلب إرادة الخير للنفس وللغير:
وسلامة القلب وصحته تقتضي أن يسعى الإنسان وأن يريد لغيره كل خير، أن يسعى لغيره في كل خير وأن يريد له كل خير، وذلك بأن يتمنه وأن يأمل وأن يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه، فلا يكون شحيحًا ولا يكون حسودًا ولا يكون حقودًا ولا يكون كارهًا لما يفيض الله تعالى به من الخير على غيره من إخوانه، بل قلبه ممتلئ محبة للخير وأن يسوق الله تعالى لغيره ما ساق له من الخير.
فيحب أن يجلب الله تعالى له كل صالحة وكل حسنة، وأن يدفع الله تعالى عنه كل سيئة ومكروه وقد جاء بعض معنى هذا الحديث في بيان أدنى درجاته فيما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه في الصحيح أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «فمَن أحبَّ منكم أن يُزَحْزَحَ عن النارِ، ويُدْخَلَ الجنةَ فلتُدْرِكْه موتَتُه، وهو مؤمنٌ باللهِ واليومِ الآخرِ، وليَأْتِ إلى الناسِ ما يُحِبُّ أن يُؤْتَى إليه، ومَن بايع إمامًا فأعطاه صفقةَ يدِه، وثمرةَ قلبِه، فلْيُطِعْه ما استطاع، فإن جاء أحدٌ يُنازِعُه فاضربوا رقبةَ الآخرِ» أي فليمت وهو يؤمن بالله واليوم الآخر هذه الخصلة الأولى التي يتحقق بها النجاة من النار والفوز بالجنة، فلتأتيه منيته أي ليمت وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ثم قال: «وليَأْتِ إلى الناسِ ما يُحِبُّ أن يُؤْتَى إليه»[مسند أحمد (6503) وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم] هذا في العمل والفعل، أي وليعامل غيره بكل ما يحب أن يعامل به، فكلما كرهت أن تعامل به فلا تعامل به غيرك سواء كان ذلك فيما يتعلق بالقلب محبة وود ونية وقصدًا أو كان ذلك بالقول لفظًا وكلامًا أو كان ذلك بالعمل معاملة وفعلًا.
سلامة القلب للإخوة:
فينبغي للإنسان أن يسلم قلبه لإخوانه، وهذا أقل ما يكون من صور السلامة أن يكون الإنسان سليم القلب لإخوانه بأن لا يكون في قلبه غل ولا حقد ولا كره ولا محبة وقوع الشر لهم، ثم يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير فلا يحسدهم على ما آتاهم الله من فضله، ولا يبغي عليهم ولا يحقد عليهم وهذا معنى جليل عظيم دليل على عظيم ما يحصل بالإيمان من صلاح القلب وسلامته، وقد قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾[الشعراء: 88- 89].
وسلامته في أدنى صوره أن تكره لغيرك الشر، وأن تحب له الخير فإذا أفاض الله عليك وترحل هذا من قلبك إلى لسانك وعملك، فكان قولك لغيرك خيرًا وفعلك لغيرك خيرًا، تسعى لهم بكل خير وتدفع عنهم كل شر قولًا وعملًا، فيكون ذلك من كمال الإيمان وتمامه الموجب لعطاء الرحمن الفضل والإحسان.
فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإيمان الصادق، وأن يعيننا على أن نعمر قلوبنا بمحبة الخير، وتذكر أن عدم محبتك الخير لغيرك نقص في إيمانك، فعالج نفسك وأحب لغيرك الخير واعلم إنما تحب لغيرك من الخير لن ينقص الخير الذي يصل إليك، فخزائن الله ملئه وخيره عميم وهو يعطي الجزيل جل في علاه، فإذا أحببت لغيرك الخير لم يكن هذا نقصًا للخير الذي عندك، بل هذا موجب لعطاء الله –عز وجل- لك الخير والزيادة فيه.
فنسأل الله التوفيق والسداد وأن يرزقنا قلوبًا سليمة صالحة، وأن يعيذنا من الحسد والحقد والعجب والكبر والرياء، وسائر الآفات وصلى الله وسلم على نبينا محمد.