يقول المصنف –رحمه الله- تعالى: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ». رواه مسلم.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين أما بعد..
يشترط للإنكار العلم المحقق:
هذا الحديث قال فيه النبي –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ» والمقصود بالرؤية هنا: العلم الذي لا شك فيه أي العلم المطابق للواقع سواء كان ذلك عن طريق الإدراك بالبصر أو عن طريق العلم بغير ذلك من طرق العلم والمعرفة، كما لو سمع منكرًا فإنه كما لو رآه، إذا سمع كلامًا ولو لم يرى المنكر لكنه سمع شيئًا منكرًا، فإنه في حكم من رأى فقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا» أي من علم به علمًا محققًا.
ما المنكر؟
والمنكر هو كل ما خالف أمر الله ورسوله في العقائد والأقوال والأعمال.
«فليغيره» هذا أمر بالتغيير، ثم بعد ذلك بين النبي –صلى الله عليه وسلم- مراتب التغيير، وقوله: فليغيره أي ليزيله أي ليلغي هذا المنكر الذي رآه.
التغيير منوط بالاستطاعة:
والتغيير هنا أمر يندرج في عموم قول الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن: 16] وتحت قوله –صلى الله عليه وسلم-: «إذا أمرتُكم بأمرٍ فأْتُوا منه ما استطَعْتم».
ولهذا ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- مراتب الاستطاعة ليشمل جميع منازلها، فقال –صلى الله عليه وسلم-: فليغيره بيده وهذا في حق من له القدرة والصلاحية للتغيير باليد، كالجهات ذات الاختصاص على اختلاف مسؤوليتها وكذلك كولي الأمر في بيته الأب، أو الأم، أو الأخ الأكبر أو نحو ذلك ممن له ولاية على من دونه في بيته فإنه يغيره بيده بما يحقق المصلحة وإزالة المنكر.
متى يغير بيده ومتى يغير بلسانه؟
لكن من لم يكن له ولاية ولا صلاحية، فإنه لا يلزمه التغيير باليد لأن ذلك غير مستطاع بالنسبة له، فينتقل إلى المرتبة الثانية «فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» أي بقوله وذلك بتوجيه الأمر والنهي إلى من تلبس بالمنكر ويسعى بالوعظ والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة أن يغير ما شاهده من المنكر، فإن كان لا يستطيع أن يغير بلسانه فإنه يغيره بتبليغ من له القدرة على التغيير فإذا اتصل بمن له ولاية وقدرة على التغيير، يكون بذلك قد غيره بلسانه.
فباللسان هنا يشمل التغيير المباشر بالقول، ويشمل التغيير بالواسطة أي التسبب في التغيير أن يبلغ الجهات ذات الاختصاص في إزالة المنكر، ومحو ما خالف أمر الله وأمر رسوله –صلى الله عليه وسلم- ثم بعد ذلك فإن لم يستطع بأن عجز عن هذه المرتبة وهي التغيير باللسان فليغيره بقلبه، ومعنى التغيير بالقلب أن يكره ما حرم الله ورسوله، أن يكره هذا المنكر وأن يجد في نفسه ألمًا لوقوعه.
والثاني المرتبة الثانية التي لابد منها في التغيير بالقلب، أنه إذا كان في المكان الذي فيه المنكر أن يغادر المكان لا يبقى فيه مادام يستطيع المغادرة لقول الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾[النساء: 140] فإذا شهد الإنسان منكرًا في مكان إذا لم يستطع أن يغيره بيده لعدم ملك الصلاحية ولا بلسانه لما يمكن أن يترتب على ذلك من المفاسد، فلم يبق إلا المرتبة الأخيرة التي ليس دونها مرتبة وهي التغيير بالقلب، وهي تتحقق بأمرين؛
الأمر الأول:- كره هذا المنكر الذي حرمه الله ورسوله وبغضه والتألم لحصوله.
الثاني:- عدم البقاء في المكان الذي فيه المنكر إن استطاع المفارقة لقول الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾[النساء: 140] أي تشاركونهم في الإثم وذلك أضعف الإيمان يعني هذه المرتبة وهي مرتبة التغيير بالقلب أضعف خصال الإيمان وذاك أن من لم يغير المنكر بقلبه بكرهه ومفارقته إن أمكن فإنه في هذه الحال قد بلغ في إيمانه من الضعف ما خالف أمر الله وأمر رسوله.
فنسأل أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يستعملنا فيما يحب ويرضى، وأن يجعلنا دعاة هدى أن يزيننا بالإيمان وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.