×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح
مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

قوله - رحمه الله -: «والجنة والنار مخلوقتان» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله تعالى قد أوجد الجنة والنار وأعدهما. والجنة مأخوذة من جن، بمعنى ستر، وتطلق في اللغة على البستان كثير الأشجار؛ لأنه يستر ما بداخله، والمقصود بها هنا دار النعيم الكامل، التي أعدها الله - جل وعلا - لعباده المتقين، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وسميت بذلك لكثرة ما فيها من الأشجار ولأنها ثواب مستور عن أهله في الدنيا. وأما النار فأصلها نور، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وهذه المادة تدل على الإضاءة والاضطراب وقلة الثبات، والمقصود بها هنا دار العذاب التي أعدها الله - جل وعلا - للكفار والمشركين والعصاة +++ (رواه الإمام أحمد (3/ 79)--- . ومما يدل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: في ضعفاء الناس ومساكينهم، قال: فقضى بينهما، إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها». وقوله: «مخلوقتان» أي: إن الجنة دار النعيم، والنار دار العذاب موجودتان الآن مكونتان، وعلى هذا دل الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة. فمن أدلة الكتاب قول الله عن الجنة: {أعدت للمتقين} +++ (سورة آل عمران: 133.)--- ، وقوله عن النار: {أعدت للكافرين} +++ (سورة البقرة: 24.)--- ، والإعداد يتضمن الإيجاد والتكوين. ومما يستدل به أيضا قوله تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما} سورة البقرة: 35، فجمهور أهل العلم على أن الجنة التي أدخلها آدم وزوجه هي جنة الخلد، واستدلوا أيضا بقوله تعالى: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} +++ (سورة غافر: 46.)--- ، فهذا العرض على النار في الحياة البرزخية، وهو يدل على أن النار موجودة. أما الأدلة من السنة الدالة على وجود الجنة والنار فهي مستفيضة، من ذلك ما في «الصحيحين» من حديث عمران بن حصين، عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» +++ ("صحيح البخاري" (3241)، ومسلم (2737)--- . ومن ذلك أيضا حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «إذا مات أحدكم فإنه يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار» +++ ("صحيح البخاري" (3240)، ومسلم (2866)--- . ومن الأدلة أيضا ما في «الصحيحين» من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك» فقال عمر: بأمي وأبي يا رسول الله، أعليك أغار؟! +++ ("صحيح البخاري" (3679)، ومسلم (2394)--- ، ومن ذلك أيضا ما فيهما من حديث ابن عباس قال: قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن» قيل: أيكفرن بالله؟! قال: «يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط» +++ ("صحيح البخاري" (29)، ومسلم (907)--- . وقد أري النبي صلى الله عليه وسلم  الجنة والنار في صلاة الكسوف، كما في «الصحيحين» من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فصلى، قالوا: يا رسول الله، رأيناك تناول شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت قال: «إني أريت الجنة فتناولت منها عنقودا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا» +++ ("صحيح البخاري" (748)، ومسلم (907)--- . ولا يمكن أن يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لا وجود له، وما قيل: من أنه رأى خيالا ومثالا، فقول باطل، حقيقته رد خبر النبي  صلى الله عليه وسلم ، وتكذيبه وهو يتضمن الكفر برسالته إذ يمكن طرده في كل أخبار النبي  صلى الله عليه وسلم ، فالواجب اعتقاد أن كل ما أخبر به النبي  صلى الله عليه وسلم  حق على حقيقته، يجب الإيمان به وقبوله. وقوله: «والجنة والنار مخلوقتان» لا يلزم منه أن يكون قد تم خلقهما من كل وجه، فإن الله يحدث فيهما ما يشاء. ويشهد لذلك قوله تعالى عن امرأة فرعون، حيث قالت: {رب ابن لي عندك بيتا في الجنة} +++ سورة التحريم:11 --- ، وقد تواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عدة من الصحابة، في الصحاح والسنن والمسانيد، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «من بنى مسجدا لله تعالى بنى الله له بيتا فى الجنة» +++ (أخرجه مسلم (533)--- . وروى الترمذي من حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» +++ (أخرجه الترمذي (3462) وقال:" حسن غريب"، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 91): «فيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الكوفي وهو ضعيف».)--- ، فدل ذلك على أنها تهيأ، وينشئ فيها الله - جل وعلا - ما يشاء. وقد أنكر المعتزلة أن تكون الجنة والنار قد خلقتا، وقالوا: إنه ليس من الحكمة خلق الجنة والنار؛ لأنه ليس في خلقهما الآن مصلحة، بل هو عبث ينزه الله عنه، وبنوا على قاعدتهم الفاسدة إيجاب فعل الأصلح على الله بعقولهم، وهذا كذب وضلال؛ فالله لا يفعل شيئا إلا لحكمة، لكن لا يلزم أن تدركها عقول الخلق، فالله تعالى لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته ورحمته وعدله، ووضعه الأشياء مواضعها، وأنه ليس في أفعاله خلل ولا عبث ولا فساد يسأل عنه كما يسأل المخلوق، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين؛ ويقال أيضا: إنه وإن كان دخول المؤمنين الجنة ودخول الكافرين النار، لا يكون إلا في الدار الآخرة، إلا أن أرواح المؤمنين تسرح في الجنة وتتنعم، وكذلك أرواح الكافرين تعذب في سجين، وقد ينال البدن من ذلك شيء تبعا كما تقدم تقريره. قوله –رحمه الله-: «لا تفنيان أبدا ولا تبيدان» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الجنة والنار باقيتان بقاء دائما لا انقطاع له ولا انتهاء، ولا يتطرق إليهما هلاك، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وأجمع علماء الأمة على أن الجنة باقية، فإن الله - جل وعلا -ذكر تأبيد النعيم في آيات كثيرة؛ منها قوله: {خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} +++ التوبة: 100 --- ، وقال تعالى في أهل الجنة: {لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين} +++ الحجر: 48 --- ، وقال عن نعيمها: {عطاء غير مجذوذ} +++ هود: 108 --- ، وقال: {إن هذا لرزقنا ما له من نفاد} ... +++ ص: 54 --- ، وقال: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} +++ الدخان: 51 ---. قال خارجة بن مصعب:"كفرت الجهمية بآيات من كتاب الله - عز وجل -، في غير موضع بأربع آيات من كتاب الله: بقوله تعالى: {أكلها دائم}، وهم يقولون: لا يدوم، ويقول الله تعالى: {إن هذا لرزقنا ما له من نفاد}، وهم يقولون: ينفد، وبقوله تعالى: {لا مقطوعة ولا ممنوعة} فمن- قال: إنها تنقطع، فقد كفر" +++ (أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» ص (32)، وعبد الله بن أحمد في كتاب «السنة» ص (20)--- . وأما النار فقد ذهب جماعة من السلف من الصحابة ومن بعدهم إلى أنها تفنى، ولكن الذي عليه جمهور السلف أن النار باقية لا تفنى ولا تبيد، كما دل عليه الكتاب المجيد. وما ورد مما ظاهره عدم تأبيد، كقوله تعالى: {لابثين فيها أحقابا} +++ سورة النبأ: 23 --- ، أي: مددا طويلة. وقد قدر الحقب بعدد من السنوات، كما جاء عن جماعة من الصحابة والتابعين +++ (ينظر: ينظر: «النكت والعيون» (6/ 186)--- . وكذلك قوله تعالى في أهل النار: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد} +++ سورة هود: 107 --- ، ولم يذكر دوامها، كما قال في الجنة: {إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ} +++ سورة هود: 108 --- ، أي: غير مقطوع، فهاذا من المتشابه المحتمل الذي يفسره المحكم البين، فقد جاء ذكر تأبيد النار في ثلاثة مواضع من القرآن: في سورة النساء؛ حيث قال الله - جل وعلا -: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا * إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا} +++ آية: 168 - 169.--- ، وفي سورة الأحزاب في قوله تعالى: {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا * خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا} +++ آية: 64 - 65 --- ، وفي سورة الجن في قوله تعالى: { صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم  صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم } +++آية 23 ---. فهذه ثلاث آيات في القرآن الحكيم تدل على أن النار مؤبدة، فهاذا التوضيح والتبيين يقضي على ما قد يوهمه قوله تعالى: {وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ} +++ سورة هود: 107 --- ، من أن عذاب النار منقطع، وأما قوله: {لابثين فيها أحقابا} +++ (سورة النبأ: 23.) --- ، فإن الله تعالى لم يحدد عددا من الأحقاب، بل أطلقها فمهما كانت مدة الحقب، فإنها أحقاب متوالية لم تقيد بعدد ليقال إنها تفنى، بل هذه أحقاب مؤبدة دائمة، كما دلت على ذلك النصوص، ولذلك كان جمهور أهل السنة والجماعة على أن النار لا تفنى ولا تبيد، بل أهلها فيها إلى أبد الآباد +++ (وقد صنف شيخ الإسلام ابن تيمية رسالة بعنوان: «الرد على من قال بفناء الجنة والنار وبيان الأقوال في ذلك»، وقد طبعت في عام 1415 بالرياض في بضع وثمانين ورقة.)--- ، وأما الجهمية فإنهم قالوا بفناء الجنة والنار، وهذا ضلال مبين، وتكذيب لقول رب العالمين، وما جاء به النبي الأمين  صلى الله عليه وسلم ، فهؤلاء لا خلاف في ضلالهم ومروقهم عن مذهب أهل السنة والجماعة. قوله - رحمه الله -: «وأن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله تعالى أوجد الجنة والنار قبل أن يخلق الجن والإنس، فخلقهما سابق لكل أهلهما، يدل على ذلك قول الله تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} +++ سورة البقرة: 35 --- ، وهذا جار على قول أكثر المفسرين من أن الجنة التي أسكنها الله تعالى أبانا آدم هي جنة الخلد، وهذا ظاهر في سبق خلق الجنة لبني آدم، ويدل لذلك أيضا ما وراه مسلم في صحيحه من حديث عائشة - رضي الله عنها -: أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «أولا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلا، ولهذه أهلا» فالفاء تقتضي الترتيب والتعقيب. قوله - رحمه الله -: «وخلق لهما أهلا» أي: إن الله تعالى خلق للجنة والنار من يسكنهما ويقيم فيهما، كما قال تعالى: {ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والإنس} +++ (سورة الأعراف: 179.)--- ، وقال تعالى: {فريق في الجنة وفريق في السعير} +++ الشورى: 7--- ، ويدل لهذا ما جاء في «صحيح مسلم» من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي  صلى الله عليه وسلم  دعي إلى جنازة صبي من الأنصار فقلت: يا رسول الله، طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: «أوغير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم فى أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم فى أصلاب آبائهم» +++ ("صحيح مسلم" (2662)--- . وكذلك ما في «الصحيحين» من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتب شقية، أو سعيدة» +++ ("صحيح البخاري" (1362)، ومسلم (2647)--- . قوله - رحمه الله -: «فمن شاء منهم أدخله الجنة فضلا منه» أي: إن الخلق في مشيئة الله وإرادته، فمن أراد أدخله الجنة تفضلا منه وإحسانا، فعمل الإنسان مهما صلح وحسن فإنه يقصر عن أن يدخله الجنة استقلالا، ويدل لذلك ما جاء في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «لن يدخل أحدا عمله الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا» +++ (أخرجه البخاري (5673)، و (6463)، ومسلم (2816)--- . فالعمل مهما صلح لا يستقل بإدخال أحد الجنة، وإنما دخولها فضل الله السابق واللاحق، ولإظهار ذلك فإن الله تعالى ينشئ يوم القيامة خلقا يدخلهم الجنة، ويسكنهم فضلها كما في الصحيحين، من حديث أنس، أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: ((ولا تزال الجنة تفضل حتى ينشئ الله لها خلقا، فيسكنهم فضل الجنة» +++ ("صحيح البخاري" (7384)، ومسلم (2848)--- ، كما أنه تعالى يدخل الجنة أقواما لم يعملوا خيرا قط. قوله - رحمه الله -: «ومن شاء منهم إلى النار عدلا منه» أي: إن من شاء الله تعالى أن يدخله النار فإنه يدخلها بعدله، فالله لا يظلم الناس شيئا، فلا يدخل النار أحد إلا وهو مستحق لها، ويرى أن الله لم يظلمه شيئا، ولذلك أدلة كثيرة؛ منها قوله تعالى: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم ياتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير * وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} +++ (سورة الملك: 8.)--- ،وقوله تعالى: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب* قالوا أو لم تك تاتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى ... } +++ (سورة غافر: 49.)--- . وكذلك قوله في محاجة أهل النار بعضهم بعضا: {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون} +++ (سورة الأعراف: 39.)--- ، وكما قال تعالى: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} +++ (سورة النحل: 118.)--- ، وكما قال تعالى: {وما ربك بظلام للعبيد} +++ (سورة فصلت: 46.)--- . وقال أيضا: {إن الله لا يظلم الناس شيئا} +++ (سورة يونس: 44.)--- ، وغير ذلك من النصوص الدالة على نفي ظلم الله تعالى للعباد. قوله - رحمه الله -: «وكل يعمل لما قد فرغ منه، وصائر إلى ما خلق له» أي: إن جميع الخلق جارون فيما يصدر عنهم من العقائد والأقوال والأعمال على ما سبق به علم الله تعالى وقدره، فهم يعملون وفق ما قدر لهم، فالخلق كلهم ميسرون لما خلقوا له، وقد ذكر الله - جل وعلا - تيسير الناس إلى ما قدر لهم في قوله: {إن سعيكم لشتى} +++ سورة الليل: 4 --- ، أي: مختلف متنوع: {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى} +++ الليل: 5 - 10 --- ، وفي هذا الخبر الإلهي عن تيسير الخلق لما خلقوا له حث لهم على العمل بالصالحات، وعدم الاتكال والاعتماد على سابق الكتابة والعلم، فإنه لا علم لأحد بما كتب له، أهو من أهل الجنة أم من أهل النار؟ قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتب شقية أو سعيدة، فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال  صلى الله عليه وسلم : أما أهل السعادة فييسرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل الشقاوة، ثم قرأ {فأما من أعطى واتقى} الآية +++ ("صحيح البخاري" (1362)، ومسلم (2647)، واللفظ للبخاري.) --- ، وفي رواية قال  صلى الله عليه وسلم : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» +++ ("صحيح البخاري" (4949)، ومسلم (2647)--- ، ومثله حديث جابر في سؤال سراقة بن مالك النبي  صلى الله عليه وسلم : ففيم العمل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اعملوا فكل ميسر» +++ ("صحيح مسلم" (2648)--- ، فالحجة لله - عز وجل - على خلقه، حيث أمرهم ونهاهم، وسهل لهم ومكنهم من الاختيار والعمل.

المشاهدات:6856
قوله - رحمه الله -: «والجنة والنار مخلوقتان» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله تعالى قد أوجد الجنة والنار وأعدهما. والجنة مأخوذة من جن، بمعنى ستر، وتطلق في اللغة على البستان كثير الأشجار؛ لأنه يستر ما بداخله، والمقصود بها هنا دار النعيم الكامل، التي أعدها الله - جل وعلا - لعباده المتقين، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وسميت بذلك لكثرة ما فيها من الأشجار ولأنها ثواب مستور عن أهله في الدنيا. وأما النار فأصلها نور، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وهذه المادة تدل على الإضاءة والاضطراب وقلة الثبات، والمقصود بها هنا دار العذاب التي أعدها الله - جل وعلا - للكفار والمشركين والعصاة (رواه الإمام أحمد (3/ 79) . ومما يدل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: في ضعفاء الناس ومساكينهم، قال: فقضى بينهما، إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها».
وقوله: «مخلوقتان» أي: إن الجنة دار النعيم، والنار دار العذاب موجودتان الآن مكونتان، وعلى هذا دل الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة. فمن أدلة الكتاب قول الله عن الجنة: {أعدت للمتقين} (سورة آل عمران: 133.) ، وقوله عن النار: {أعدت للكافرين} (سورة البقرة: 24.) ، والإعداد يتضمن الإيجاد والتكوين. ومما يستدل به أيضا قوله تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما} سورة البقرة: 35، فجمهور أهل العلم على أن الجنة التي أدخلها آدم وزوجه هي جنة الخلد، واستدلوا أيضا بقوله تعالى: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} (سورة غافر: 46.) ، فهذا العرض على النار في الحياة البرزخية، وهو يدل على أن النار موجودة. أما الأدلة من السنة الدالة على وجود الجنة والنار فهي مستفيضة، من ذلك ما في «الصحيحين» من حديث عمران بن حصين، عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» ("صحيح البخاري" (3241)، ومسلم (2737) . ومن ذلك أيضا حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «إذا مات أحدكم فإنه يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار» ("صحيح البخاري" (3240)، ومسلم (2866) .
ومن الأدلة أيضا ما في «الصحيحين» من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك» فقال عمر: بأمي وأبي يا رسول الله، أعليك أغار؟! ("صحيح البخاري" (3679)، ومسلم (2394) ، ومن ذلك أيضا ما فيهما من حديث ابن عباس قال: قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن» قيل: أيكفرن بالله؟! قال: «يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى
إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط» ("صحيح البخاري" (29)، ومسلم (907) . وقد أري النبي صلى الله عليه وسلم  الجنة والنار في صلاة الكسوف، كما في «الصحيحين» من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فصلى، قالوا: يا رسول الله، رأيناك تناول شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت قال: «إني أريت الجنة فتناولت منها عنقودا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا» ("صحيح البخاري" (748)، ومسلم (907) . ولا يمكن أن يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لا وجود له، وما قيل: من أنه رأى خيالا ومثالا، فقول باطل، حقيقته رد خبر النبي  صلى الله عليه وسلم ، وتكذيبه وهو يتضمن الكفر برسالته إذ يمكن طرده في كل أخبار النبي  صلى الله عليه وسلم ، فالواجب اعتقاد أن كل ما أخبر به النبي  صلى الله عليه وسلم  حق على حقيقته، يجب الإيمان به وقبوله.
وقوله: «والجنة والنار مخلوقتان» لا يلزم منه أن يكون قد تم خلقهما من كل وجه، فإن الله يحدث فيهما ما يشاء. ويشهد لذلك قوله تعالى عن امرأة فرعون، حيث قالت: {رب ابن لي عندك بيتا في الجنة} سورة التحريم:11 ، وقد تواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عدة من الصحابة، في الصحاح والسنن والمسانيد، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «من بنى مسجدا لله تعالى بنى الله له بيتا فى الجنة» (أخرجه مسلم (533) . وروى الترمذي من حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» (أخرجه الترمذي (3462) وقال:" حسن غريب"، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 91): «فيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الكوفي وهو ضعيف».) ، فدل ذلك على أنها تهيأ، وينشئ فيها الله - جل وعلا - ما يشاء.
وقد أنكر المعتزلة أن تكون الجنة والنار قد خلقتا، وقالوا: إنه ليس من الحكمة خلق الجنة والنار؛ لأنه ليس في خلقهما الآن مصلحة، بل هو عبث ينزه الله عنه، وبنوا على قاعدتهم الفاسدة إيجاب فعل الأصلح على الله بعقولهم، وهذا كذب وضلال؛ فالله لا يفعل شيئا إلا لحكمة، لكن لا يلزم أن تدركها عقول الخلق، فالله تعالى لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته ورحمته وعدله، ووضعه الأشياء مواضعها، وأنه ليس في أفعاله خلل ولا عبث ولا فساد يسأل عنه كما يسأل المخلوق، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين؛ ويقال أيضا: إنه وإن كان دخول المؤمنين الجنة ودخول الكافرين النار، لا يكون إلا في الدار الآخرة، إلا أن أرواح المؤمنين تسرح في الجنة وتتنعم، وكذلك أرواح الكافرين تعذب في سجين، وقد ينال البدن من ذلك شيء تبعا كما تقدم تقريره.
قوله –رحمه الله-: «لا تفنيان أبدا ولا تبيدان» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الجنة والنار باقيتان بقاء دائما لا انقطاع له ولا انتهاء، ولا يتطرق إليهما هلاك، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وأجمع علماء الأمة على أن الجنة باقية، فإن الله - جل وعلا -ذكر تأبيد النعيم في آيات كثيرة؛ منها قوله: {خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} التوبة: 100 ، وقال تعالى في أهل الجنة: {لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين} الحجر: 48 ، وقال عن نعيمها: {عطاء غير مجذوذ} هود: 108 ، وقال: {إن هذا لرزقنا ما له من نفاد} ... ص: 54 ، وقال: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} الدخان: 51 . قال خارجة بن مصعب:"كفرت الجهمية بآيات من كتاب الله - عز وجل -، في غير موضع بأربع آيات من كتاب الله: بقوله تعالى: {أكلها دائم}، وهم يقولون: لا يدوم، ويقول الله تعالى: {إن هذا لرزقنا ما له من نفاد}، وهم يقولون: ينفد، وبقوله تعالى: {لا مقطوعة ولا ممنوعة} فمن- قال: إنها تنقطع، فقد كفر" (أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» ص (32)، وعبد الله بن أحمد في كتاب «السنة» ص (20) . وأما النار فقد ذهب جماعة من السلف من الصحابة ومن بعدهم إلى أنها تفنى، ولكن الذي عليه جمهور السلف أن النار باقية لا تفنى ولا تبيد، كما دل عليه الكتاب المجيد. وما ورد مما ظاهره عدم تأبيد، كقوله تعالى: {لابثين فيها أحقابا} سورة النبأ: 23 ، أي: مددا طويلة.
وقد قدر الحقب بعدد من السنوات، كما جاء عن جماعة من الصحابة والتابعين (ينظر: ينظر: «النكت والعيون» (6/ 186) . وكذلك قوله تعالى في أهل النار: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد} سورة هود: 107 ، ولم يذكر دوامها، كما قال في الجنة: {إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ} سورة هود: 108 ، أي: غير مقطوع، فهاذا من المتشابه المحتمل الذي يفسره المحكم البين، فقد جاء ذكر تأبيد النار في ثلاثة مواضع من القرآن: في سورة النساء؛ حيث قال الله - جل وعلا -: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا * إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا} آية: 168 - 169. ، وفي سورة الأحزاب في قوله تعالى: {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا * خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا} آية: 64 - 65 ، وفي سورة الجن في قوله تعالى: { صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم  صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم   صلى الله عليه وسلم } آية 23 . فهذه ثلاث آيات في القرآن الحكيم تدل على أن النار مؤبدة، فهاذا التوضيح والتبيين يقضي على ما قد يوهمه قوله تعالى: {وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ} سورة هود: 107 ، من أن عذاب النار منقطع، وأما قوله: {لابثين فيها أحقابا} (سورة النبأ: 23.)
، فإن الله تعالى لم يحدد عددا من الأحقاب، بل أطلقها فمهما كانت مدة الحقب، فإنها أحقاب متوالية لم تقيد بعدد ليقال إنها تفنى، بل هذه أحقاب مؤبدة دائمة، كما دلت على ذلك النصوص، ولذلك كان جمهور أهل السنة والجماعة على أن النار لا تفنى ولا تبيد، بل أهلها فيها إلى أبد الآباد (وقد صنف شيخ الإسلام ابن تيمية رسالة بعنوان: «الرد على من قال بفناء الجنة والنار وبيان الأقوال في ذلك»، وقد طبعت في عام 1415 بالرياض في بضع وثمانين ورقة.) ، وأما الجهمية فإنهم قالوا بفناء الجنة والنار، وهذا ضلال مبين، وتكذيب لقول رب العالمين، وما جاء به النبي الأمين  صلى الله عليه وسلم ، فهؤلاء لا خلاف في ضلالهم ومروقهم عن مذهب أهل السنة والجماعة.
قوله - رحمه الله -: «وأن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق» أي: إن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله تعالى أوجد الجنة والنار قبل أن يخلق الجن والإنس، فخلقهما سابق لكل أهلهما، يدل على ذلك قول الله تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} سورة البقرة: 35 ، وهذا جار على قول أكثر المفسرين من أن الجنة التي أسكنها الله تعالى أبانا آدم هي جنة الخلد، وهذا ظاهر في سبق خلق الجنة لبني آدم، ويدل لذلك أيضا ما وراه مسلم في صحيحه من حديث عائشة - رضي الله عنها -: أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «أولا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلا، ولهذه أهلا» فالفاء تقتضي الترتيب والتعقيب.
قوله - رحمه الله -: «وخلق لهما أهلا» أي: إن الله تعالى خلق للجنة والنار من يسكنهما ويقيم فيهما، كما قال تعالى: {ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والإنس} (سورة الأعراف: 179.) ، وقال تعالى: {فريق في الجنة وفريق في السعير} الشورى: 7 ، ويدل لهذا ما جاء في «صحيح مسلم» من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي  صلى الله عليه وسلم  دعي إلى جنازة صبي من الأنصار فقلت: يا رسول الله، طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: «أوغير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم فى أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم فى أصلاب آبائهم» ("صحيح مسلم" (2662) . وكذلك ما في «الصحيحين» من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتب شقية، أو سعيدة» ("صحيح البخاري" (1362)، ومسلم (2647) .
قوله - رحمه الله -: «فمن شاء منهم أدخله الجنة فضلا منه» أي: إن الخلق في مشيئة الله وإرادته، فمن أراد أدخله الجنة تفضلا منه وإحسانا، فعمل الإنسان مهما صلح وحسن فإنه يقصر عن أن يدخله الجنة استقلالا، ويدل لذلك ما جاء في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «لن يدخل أحدا عمله الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا» (أخرجه البخاري (5673)، و (6463)، ومسلم (2816) . فالعمل مهما صلح لا يستقل بإدخال أحد الجنة، وإنما دخولها فضل الله السابق واللاحق، ولإظهار ذلك فإن الله تعالى ينشئ يوم القيامة خلقا يدخلهم الجنة، ويسكنهم فضلها كما في الصحيحين، من حديث أنس، أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: ((ولا تزال الجنة تفضل حتى ينشئ الله لها خلقا، فيسكنهم فضل الجنة» ("صحيح البخاري" (7384)، ومسلم (2848) ، كما أنه تعالى يدخل الجنة أقواما لم يعملوا خيرا قط.
قوله - رحمه الله -: «ومن شاء منهم إلى النار عدلا منه» أي: إن من شاء الله تعالى أن يدخله النار فإنه يدخلها بعدله، فالله لا يظلم الناس شيئا، فلا يدخل النار أحد إلا وهو مستحق لها، ويرى أن الله لم يظلمه شيئا، ولذلك أدلة كثيرة؛ منها قوله تعالى: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم ياتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير * وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} (سورة الملك: 8.) ،وقوله تعالى: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب* قالوا أو لم تك تاتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى ... } (سورة غافر: 49.) . وكذلك قوله في محاجة أهل النار بعضهم بعضا: {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون} (سورة الأعراف: 39.) ، وكما قال تعالى: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (سورة النحل: 118.) ، وكما قال تعالى: {وما ربك بظلام للعبيد} (سورة فصلت: 46.) . وقال أيضا: {إن الله لا يظلم الناس شيئا} (سورة يونس: 44.) ، وغير ذلك من النصوص الدالة على نفي ظلم الله تعالى للعباد.
قوله - رحمه الله -: «وكل يعمل لما قد فرغ منه، وصائر إلى ما خلق له» أي: إن جميع الخلق جارون فيما يصدر عنهم من العقائد والأقوال والأعمال على ما سبق به علم الله تعالى وقدره، فهم يعملون وفق ما قدر لهم، فالخلق كلهم ميسرون لما خلقوا له، وقد ذكر الله - جل وعلا - تيسير الناس إلى ما قدر لهم في قوله: {إن سعيكم لشتى} سورة الليل: 4 ، أي: مختلف متنوع: {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى} الليل: 5 - 10 ، وفي هذا الخبر الإلهي عن تيسير الخلق لما خلقوا له حث لهم على العمل بالصالحات، وعدم الاتكال والاعتماد على سابق الكتابة والعلم، فإنه لا علم لأحد بما كتب له، أهو من أهل الجنة أم من أهل النار؟ قال النبي  صلى الله عليه وسلم : «ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتب شقية أو سعيدة، فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال  صلى الله عليه وسلم : أما أهل السعادة فييسرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل الشقاوة، ثم قرأ {فأما من أعطى واتقى} الآية ("صحيح البخاري" (1362)، ومسلم (2647)، واللفظ للبخاري.)
، وفي رواية قال  صلى الله عليه وسلم : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» ("صحيح البخاري" (4949)، ومسلم (2647) ، ومثله حديث جابر في سؤال سراقة بن مالك النبي  صلى الله عليه وسلم : ففيم العمل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اعملوا فكل ميسر» ("صحيح مسلم" (2648) ، فالحجة لله - عز وجل - على خلقه، حيث أمرهم ونهاهم، وسهل لهم ومكنهم من الاختيار والعمل.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91584 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87271 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف