×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / تجريد التوحيد المفيد / الدرس (11) من شرح كتاب تجريد التوحيد المفيد للمقريزي

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:257

الدرس (11) من شرح كتاب تجريد التوحيد المفيد للمقريزي

 [المتن]

وإذا كان المصور الذي يصنع الصور بيده من أشد الناس عذاباً يوم القيامة لتشبهه بالله في مجرد الصنعة، فما الظن بالمتشبه بالله في الربوبية والإلهية؟ كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون، يقال لهم أحيوا ما خلقتم)).[البخاري: كتاب للباس، باب عذاب المصورين يوم القيامة، حديث رقم (5950).مسلم: كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنةى بالفرش.. حديث رقم (2109).]

وفي الصحيح[ البخاري: كتاب اللباس، باب نقض الصور، حديث رقم (5952).مسلم: كتاب اللباس والزينة، باب باب تحريم تصوير صرة الحيوان...، حديث رقم (2111).] عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ((يقول الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة))فنبّه بالذرة والشعيرة على ما هو أعظم منهما.

وكذلك من تشبه به تعالى في الاسم الذي لا ينبغي إلا له كملك الملوك وحاكم الحكام وقاضي القضاة ونحوه..

وقد ثبت في الصحيح[البخاري: كتاب الأدب، باب أبغض الأسماء إلى الله ، حديث رقم (6206).مسلم: كتاب الآداب، باب تحريم التسمي بملاك االأملاك وملك الملوك، حديث رقم (2143)] عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ((إن أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بشاهان شاه (ملك الملوك) لا مالك إلا الله))، وفي لفظ: ((أغيظ رجل عند الله رجل تسمى ملك الأملاك)).[مسلم: كتاب الآداب، باب تحريم التسمي بملاك االأملاك وملك الملوك، حديث رقم (2143).]

[الشرح]

المؤلف –رحمه الله– ذكر في هـٰذا المقطع من كلامه صلة ما تقدم فيما يتعلق بتشبه المخلوق بالخالق، وهو القسم الثاني من الشرك، فالشرك دائر على معنيين:

المعنى الأول تشبيه الخالق بالمخلوق.

والمعنى الثاني تشبه المخلوق بالخالق، وهـٰذا هو المعني الثاني الذي قال فيه: (وأما جانب التشبه فمن تعاظم وتكبر..) إلى آخر ما ذكر مما تكلمنا عليه.

يقول –رحمه الله–: (وإذا كان المصور الذي يصنع الصور بيده) أي يرسمها بيده (من أشد) سواء  كانت صورة خطا أو صورة لها ظل في قول جماهير العلماء، سواء كانت صورة لها خط وليس لها ظل؛ الصورة التي تكون على القماش أو على الورق، أو صورة لها ظل في قول جماهير العلماء.

يقول –رحمه الله-: (من أشد الناس عذابا يوم القيامة لتشبهه بالله في مجرد الصنعة) يعني التشبه الواقع من المصور سواء إن كان تصويره لذات روح على وجه تجسيم والتمثيل؛ يعني تمثال ومجسم، أو كان ذلك على وجه الرسم باليد، فيما كان على الحائط أو على الورق أو ما أشبه ذلك، إذا كان التشبه في الصنعة هـٰذا حاله، وهو أن الله تعالى جعلهم من أشد الناس عذابا يوم القيامة، لتشبهه في مجرد الصنعة، (فما الظن بالمتشبه بالله في الربوبية والإلهية؟)؛ ممن يدعو الناس إلى عبادته! أو ينسب إلى نفسه ما هو من خصائص الربوبية، وما لا يصلح إلا لله –جل وعلا- أو إلا لرب العالمين؟! لا شك أنه أعظم جرما وأكبر إثما وأشد عذابا، قال الله تعالى: ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى[سورة: النازعات، الآية (24-25).] ،وقد قال –جل وعلا- في آل فرعون: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ[سورة: غافر، الآية (46).] فالمتشبه بالله –جل وعلا- في إلهيته وفي ربوبيته لا شك أنه أعظم والتشبه بالإلهية والربوبية لا يلزم التشبه به من كل وجه بأن يكون مألوها في كل الأمور؛ بل من طلب الناس بأن يعبدوه ولو في جانب من العبادة فإنه قد تشبه بالله تعالى، من أثبت لنفسه معنى من معاني الربوبية التي لا تكون إلا لله تعالى ولو في شيء من الأشياء فإنه متشبه بالله تعالى، فالذي يقول أنا أقدر على إغاثة الملهوفين، وأقدر على إيصال النفع ومنع الضر من دون الله تعالى، فهـٰذا تشبه بالله تعالى في بعض معاني الربوبية، وهو بهـٰذا مستحق لأشد العقوبة وأعظمها فكيف بالذي تشبه بالربوبية من كل وجه؟! لا شك أنه أشد إثما وأعظم جرما.

يقول المؤلف –رحمه الله-: (كما قال) يستشهد بما تقدم من أن التشبه بالصنعة التي منع الله تعالى من التشبه به فيها سبب للعقوبة الشديدة يقول: (كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما خلقتم)).) الحقيقة أن هـٰذا الحديث ساقه المؤلف رحمه الله على أنه حديث واحد، وهو حديثان، ليس حديثا واحدا:

الحديث الأول من حديث القاسم محمد عن عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها-: ((أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون))، كذلك ورد من حديث عبد الله ابن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

والأخير أيضا جاء من حديث عائشة ومن حديث ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- وفيه الشاهد الذي ذكره المؤلف –رحمه الله- أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ((أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون))والمصورون هنا هم الذين يضاهئون الله تعالى في خلقه، متشبهين به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في التصوير والتخليق، أما من كان يعكس خلق الله تعالى دون تدخّل منه في التصوير والتخليق، فإنه لا يدخل في هـٰذه النصوص، فما كان إظهارا للصورة كالمرآة أو كانعكاس الصورة في الماء فإن هـٰذا لا يسمى تصويرا، لا شك أنها صورة ولكن لا يسمى تصويرا ولا يدخل في ما حرمه الله ورسوله من التصوير.

 ((يقال لهم أحيوا ما خلقتم))يعذبون بطلب نفخ الروح فيما صوروه من الصور، ولذلك جاء في الصحيح من حديث ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن لكل مصور نفس يعذب بها في نار جهنم، وهـٰذه النفس هي التي كلف بالنفخ فيها وليس بقادر، ليس بقادر على أن يحيي ولا على أن ينفخ فيها الروح.

يقول المؤلف –رحمه الله-: (وفي الصحيح عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مراده بالصحيح صحيح البخاري ومسلم (أنه قال: ((يقول الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة)).)، ((من أظلم؟))هـٰذا استفهام، استفهام يفيد الإنكار أو يفيد النفي؟ لا أظلم هـٰذا استفهام؛ بمعنى النفي أي لا أحد أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة، وهـٰذا الأمر جاء في أحاديث عديدة ومنها قول الله تعالى:﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ[سورة: البقرة، الآية (114).] ، وجاء في السنة في مواضع عديدة، فما الذي يراد بهـٰذا اللفظ، هل يراد نفي الظلم، أو أنه لا أحد أظلم من هـٰذا، فكيف نجمع بين الأحاديث التي جاء فيها هـٰذا الخبر عن أعمال متعددة، كما قال الله تعالى:﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾، وهنا يقول –جل وعلا- في الحديث الإلهي: ((ومن أظلم ممن ذهب يخلقوا كخلقي))؟ الجواب أن النفي هنا بعضهم حاول فيه تأويلا وأصح ما قيل في مثل هـٰذه الصيغة أن ذلك باعتبار العمل المذكور بعد الاسم الموصول؛ يعني لا أحد أظلم في منع أحد من شيء ﴿مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾،وهنا لا أحد أظلم فيمن ذهب يتشبه بالله تعالى في الفعل، كذلك الذي ذهب يخلق كخلق الله تعالى، فيكون الأظلمية مفهومة؛ يعني الأغلبية النسبية التي جاء فيها نفي الظلم أنه لا أحد أظلم منه مفهومة مما يأتي من الفعل الذي يأتي بعد الاسم الموصول في الحديث، أو في الآية الاسم الموصول هنا ما هو؟ ((من))، والفعل ((ذهب يخلق))ففهم من الصلة، المعنى الذي تتعلق به النسبة في الأظلمية، يفهم من الصلة التي بعد الموصول الأظلمية التي جرت فيها النسبة؛ أي لا أحد أظلم ممن ذهب يعني لا أحد أظلم في الخلق في التشبه بالله تعالى فيه ممن ذهب يخلق كخلق الله تعالى، وهلم جرا في الصيغ التي جاءت على هـٰذا النحو على اختلاف مواردها.

يقول  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما يرويه عن ربه ((ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي))أي عمد إلى هـٰذا الفعل وهو أن يخلق كخلق الله تعالى، ثم بين أنه يستحيل أن يصل العبد إلى ذلك وإن كان قد يصل إليه في الصورة بأن يصور ويرسم؛ لكنه لا يستطيع أن يصل إلى الكمال في الخلق وتحقيق المنافع قال: ((فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة))، وذكر الذرة والشعيرة لأنها من أصغر المخلوقات وأسهلها وأيسرها، فليس فيها من التعقيد ما في خلق الإنسان، ليس فيها من التعقيد ما في خلق السماء والأرض، وأعظم المخلوقات المرئية هي خلق السمٰوات والأرض، قال الله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَٰوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ[سورة: غافر، الآية (57).] لكن ذكر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الإلهي عن ربه أصغر ما يكون من المخلوقات، وقد استدل بهـٰذا الحديث بعض أهل العلم على عدم جواز تصوير ما لا روح فيه؛ لأنه قال:((فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة))ولكن هـٰذا قول لبعض أهل العلم، والأكثرون على جواز تصوير ما لا روح فيه كالأشجار والأنهار وغيرها من المخلوقات، فما لا حياة فيه كحياة الحيوان فإنه لا مانع من تصويره.

يقول –رحمه الله-: (فنبه بالذرة والشعيرة على ما هو أعظم منهما) ثم قال –رحمه الله-: (وكذلك من تشبه به تعالى في الاسم) أي من سمى نفسه باسم يختص بالله تعالى، فأسماء الله تعالى منها ما هو خاص به لا يصلح أن يتسمى بها غيره، ولا تطلق على غيره، ومنها ما هو مشترك بينه وبين خلقه؛ لكن الاشتراك في اللفظ دون المعنى، فالمعنى الذي لله ليس كالذي للخلق، فمثلا العزيز جاء ذكره في القرآن في حق الإنسان ﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ[سورة: يوسف، الآية (51).] ، وكذلك وصف الله تعالى أو سمى به الإنسان في قوله: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ[سورة: الدخان، الآية (49).] وهـٰذان من أوصافه وأسمائه -سبحانه وبحمده-؛ لكن العزة والكرم والعزة في سورة يوسف ليست مما يثبت لله تعالى؛ بل هي مما تختص بالمخلوق، والذي للخالق ما لا يوقف له على حد ولا يشبه أو يماثل ما للمخلوق من ذلك المعنى، فالله تعالى له ما يناسبه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[سورة: الشورى، الآية (11).].

المقصود أن التشبه بالاسم هو في الاسم الذي يختص به –جلَّ وعلا- كرب العالمين ، رب الأرباب، حاكم الحكام، ملك الأملاك، إلـٰه العالمين.. وما أشبه ذلك من الأسماء ، الرحمـٰن وما أشبه ذلك من الأسماء التي لا يصح إطلاقها على غيره -جل وعلا-.

يقول –رحمه الله-: (وكذلك من تشبه به تعالى في الاسم الذي لا ينبغي إلا له كملك الملوك وحاكم الحكام وقاضي القضاة ونحوه..) يعني من المعاني التي لا تليق إلا بالله تعالى.

ثم قال: (وقد ثبت في الصحيح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ((إن أخنع الأسماء عند الله)).) (أخنع) أي أوضع وأحقر وأذل الأسماء عند الله تعالى (الله رجل تسمى بشاهان شاه (ملك الملوك)) شاهان شاه ملك الأملاك في لغة فارس، يقول: ((ملك الملوك) لا مالك إلا الله)، لا مالك إلا الله، فنفى أن يقول هـٰذا الوصف إلا لله تعالى لا يستحق هـٰذا الوصف على وجه الإطلاق إلا رب العالمين، فمن تسمى أو سمى غيره، من سمى نفسه أو سمى غيره باسم من أسماء الله كان عاقبة أمره ذلا وخسارا، هـٰذا فيه أنه إذا تَرَفَّعَ الإنسان عن الخلق بأي نوع من أنواع التَرَفُّعْ ولو كان بالاسم كان ذلك معاقبا بنقيض قصده فإنه يذله الله تعالى ويحقره ولذلك قال: ((إن أخنع الأسماء عند الله))وفي بعض الروايات ((يوم القيامة))، ((رجل تسمى بشاهان شاه ملك الملوك لا مالك إلا الله))وفي لفظ((أغيض رجل عند الله رجل تسمى ملك الأملاك))، الآن المؤلف –رحمه الله- ذكر في هـٰذا ثلاث صور من صور تشبه المخلوق بالخالق: فيما يتعلق بالإلهية والربوبية والأسماء والصفات، فلا يجوز تشبه المخلوق بإلهية الله تعالى ولا بربوبيته ولا بأسمائه وصفاته.

الأول في إلهيته قال: (فمن تعاظم وتكبّر ودعا الناس إلى إطرائه ورجائه ومخافته فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وهو حقيق بأن يهينه الله غاية الهوان ويجعله كالذرة تحت الأقدام) ثم ذكر الحديث، هـٰذا تشبه بالله تعالى في إلـٰهيته. وكذلك في بعض معاني الربوبية؛ لكن الإطراء والرجاء والمخافة هـٰذا كله مما يتعلق بالإلهية.

الثاني ما يتعلق بالتشبه به في ربوبيته وهو ما ذكره في التشبه بالخلق ممن ذهب يصور الصور التي تحكي خلق الله تعالى؛ تضاهي خلق الله تعالى، فهـٰذه أيضا من التشبه الممنوع، وهو تشبه المخلوق بالخالق في إيش؟ في ربوبيته.

الأخير من صور التشبه التي ذكرها المؤلف –رحمه الله- تشبه المخلوق بالخالق في أسمائه وصفاته.

ثم قال –رحمه الله-:

[المتن]

وبالجملة، فالتشبيه والتشبّه هو حقيقة الشرك، ولذلك كان من ظن أنه إذا تقرب إلى غيره بعبادة ما يقربه ذلك الغير إلى الله تعالى فإنه يخطئ لكونه شبهه به وأخذ ما لا ينبغي أن يكون إلا له،  فأشرك معه سبحانه فيه غيره فبخسه سبحانه حقه. فهٰذا قبيح عقلا وشرعاً، ولذلك لم يُشْرَع ولم يغفر فاعلمه..

[الشرح]

يقول –رحمه الله- (وبالجملة، فالتشبيه والتشبّه) فهـٰذا كالاختصار لما تقدم أو التلخيص لهـٰذه القضية التي تكلم فيها المؤلف –رحمه الله-، (فالتشبيه والتشبه) فالتشبيه هو تشبيه الخالق للمخلوق أو تشبه المخلوق بالخالق (هو حقيقة الشرك) أي عليه يدور وبه يفسر وبه يتضح (ولذلك كان من ظن أنه إذا تقرب إلى غيره بعبادة ما يقربه ذلك الغير إلى الله تعالى فإنه يخطئ) يخطئ كيف؟ (لكونه شبهه به) أي شبه المخلوق بالخالق. يقول -رحمه الله-: (ولذلك) أي لكونه الشرك دائر على معنيين التشبيه والتشبه فإن (من ظن أنه إذا تقرب إلى غيره) أي إلى غير الله تعالى (بعبادة ما) أي بأي عبادة (يقربه ذلك الغير إلى الله تعالى فإنه يخطئ) ويمكن أن يقال: (بعبادة ما يقربه) يصلح؛ يعني يصلح (ما) نكرة مقصودة ويصلح أن يكون (ما) اسم موصول يعني بعبادة الذي يقربه ذلك الغير إلى الله تعالى فإنه يخطئ؛ أي يخطئ في فهمه وظنه حيث شبه المخلوق بالخالق لكونه شبهه؛ أي شبه المعبود المربوب المخلوق بالخالق –جل وعلا-، شبه العبد المخلوق الضعيف بالخالق –جل وعلا-، قال: (وأخذ ما لا ينبغي أن يكون إلا له) أي صرف العبادة لغيره –جل وعلا- (فأشرك معه سبحانه فيه غيره فبخسه سبحانه حقه. فهٰذا قبيح عقلا وشرعاً) وهـٰذا صلة ما تقدم في الأجوبة على إيش؟ الأسئلة الماضية والتي من جملتها هل قبح الشرك ثابت بالعقل أم فقط بالشرع، وتقدم في أكثر من موضع أن المؤلف –رحمه الله- ذكر أن قبح الشرك معلوم عقلا وشرعا، وهـٰذا من جملتها.

يقول: (ولذلك لم يُشْرَع ولم يغفر فاعلمه)، (لم يُشْرَع) أي لم يأذن به الله تعالى، (ولم يغفر) لكونه جرما عظيما كبيرا، فالله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ[سورة: النساء، الآية (48).] وهـٰذا أيضا صلة الجواب على السؤال السابق.

يقول –رحمه الله-:

[المتن]

واعلم أن الذي ظن أن الرب سُبْحَانَهُ لا يسمع له أو لا يستجيب له إلا بواسطة تطلعه على ذلك أو تسأل ذلك منه، فقد ظن بالله ظن السَّوء، فإنه إن ظن أنه لا يعلم أو لا يسمع إلا بإعلام غيره له وإسماعه، فذلك نفيٌ لعلم الله ولسمعه وكمال إدراكه وكفى بذلك ذنباً.

وإن ظن أنه يسمع ويرى ولكن يحتاج إلى من يُلَيِّنُهُ ويُعَطِّفُهُ عليهم، فقد أساء الظن بإفضال ربه وبره وإحسانه وسعة جوده.

[الشرح]

هـٰذا أيضا يا إخواني صلة ما تقدم من الجواب على السؤال لماذا كان الشرك لا يغفره الله تعالى دون سائر الذنوب؟ تقدم لكونه ظلم وبخس لحق الله تعالى، وأيضا أضاف المؤلف وجها ثالثا أو رابعا –لم نعد الأوجه المتقدمة- أضاف وجها جديدا بأن الشرك لا يكون إلا عن سوء ظن بالله تعالى، وسوء الظن بالله تعالى من أعظم الذنوب كما سيأتي في كلام المؤلف –رحمه الله-، يقول: (واعلم أن الذي ظن أن الرب سُبْحَانَهُ لا يسمع له أو لا يستجيب له إلا بواسطة تطلعه على ذلك) يعني يحتاج على واسطة ووسيلة يطلع بها على شأن الخلق (أو تسأل ذلك منه، فقد ظن بالله ظن السَّوء) وذلك أن الله –جل وعلا- أخبر في كتابه بسعة علمه وأنه لا يخفى عليه شيء من خلقه؛ بل في السؤال خاصة قال جل وعلا: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾.[ سورة: البقرة، الآية (186).    ]

يقول –رحمه الله-: (فإنه إن ظن أنه لا يعلم) إن ظن أن الله -عز وجل- لا يعلم بحاله، فيحتاج أن يعلم الله تعالى بحاله(أو لا يسمع) فيحتاج أن يتوسط حتى سمع رب العالمين دعاءه(إلا بإعلام غيره له وإسماعه، فذلك نفيٌ لعلم الله ولسمعهوكمال إدراكه وكفى بذلك ذنباً.) فإن الله تعالى قد أبدى وأعاد وكرّر في كتابه الحميد بيان سعة علمه –جل وعلا-؛ بل إن العلم من أكثر الصفات تكرارا في كلام الله تعالى، وذلك لأنها تبين كمال الرب -جل وعلا- وتحمل العبد على الإقبال على ربه –جل وعلا- إذا كان مستشعرًا علم ربه به، كما أنها -أي صفة العلم- تحجز العبد عن إيش ؟ عن المعصية أوسع الصفات تعلقا العلم، فالعلم يتعلق بالماضي، علم الله –جل وعلا- أوسع صفات الله –جل وعلا- تعلقا العلم؛ يتعلق بالماضيات وبالحاضرات وبالمستقبلات، فهو يعلم ما كان وما يكون وما سيكون، كما أنه يتعلق بالموجودات وبالمعدومات؛ بل ويتعلق أيضا بالممتنعات؛ يعني الشيء الممتنع يعلمه –جل وعلا-، ومن ذلك دليل أن علم الله بالممتنعات قول الله جل وعلا: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا[سورة: الأنبياء، الآية (22).] وجود آلهة مع الله تعالى ممكن أو ممتنع؟ ممتنع الله –جل وعلا- أخبر أنه لو كان معه إلـٰه آخر لفسدت السمٰوات والأرض، فعلم ما الذي يترتب على حصول الممتنع، فصفة العلم من أوسع الصفات تعلقا، فالذي يأتي ويقول إنه لا يعلم إلا بإعلام واسطة ولا يسمع إلا بإسماع وسيلة تسمعه تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، لا شك أنه بخس الله تعالى ما هو من أخص صفاته ومن أوسع صفاته، ولذلك قال المؤلف –رحمه الله-: (وكفى بذلك ذنبا) يستوجب أن لا يغفر ممن وسعت رحمته كل شيء سبحانه وبحمده.

ويقول –رحمه الله-: (وإن ظن بأنه يسمع ويرى) الآن هـٰذه المرحلة الثانية لو قال: لا أنا أعتقد أن الله –جل وعلا- يسمع، وأن علمه أحاط بكل شيء؛ لكن أنا أدخل عليه من هؤلاء الوجهاء حتى أدرك رحمته.

يقول: (وإن ظن أنه يسمع ويرى ولكن يحتاج إلى من يُلَيِّنُهُ ويُعَطِّفُهُ عليهم) حتى نجيب دعاءهم ويرحم ضعفهم ويعطيهم نوالهم، وما إلى ذلك من المسائل والمطالب التي يقصد العباد الله تعالى فيها قال: (فقد أساء الظن بإفضال ربه وبره وإحسانه وسعة جوده.) فقد وسع كل شيء رحمة وعلما- سبحانه وبحمده- ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ[سورة: الأعراف، الآية (156).] فرحمة ربنا –جل وعلا- وسعت كل شيء، وقد قال كما في الحديث الإلهي: ((سبقت رحمتي غضبي))[البخاري: كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تَعَالىٰ ﴿وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده﴾، حديث رقم (3194). مسلم: كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تَعَالىٰ وأنها سبقت غضبه، حديث رقم (2751).]  فرحمة الله تعالى وسعت كل شيء، ومن ادعى أنه يحتاج إلى من يرحم الله تعالى به ويعطفه عليه فقد ظن بالله ظن السوء، فهو البر الرءوف الرحيم الذي لا يحتاج العبد معه إلا إلى إحسان الظن به وصدق الإقبال عليه، يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- فيما رواه البخاري ومسلم من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه))ثم قال: ((فإذا تقرب إلي عبدي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي عبدي ذراعا تقربت إليه باعا، وإذا آتاني يمشي أتيته هرولة))،[البخاري: كتاب التوحيد، باب قوله تَعَالىٰ: ﴿ويحذركم الله نفسه﴾، حديث رقم (7405). مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب الحث على ذكر الله تَعَالىٰ، حديث رقم (2675).]  وهـٰذا  يبين عظيم إحسان الله تعالى،وأن العبد يحتاج في تحصيل الفرد بالله ورحمته إلى صدق الإقبال، إذا صدق منك العزم في الإقبال على الله تعالى فأبشر فإن الله تعالى لا يخيِّب من قصده ولا يرد من أمّه فهو سبحانه وبحمده أكرم الأكرمين.

أنت الآن يا أخي تذهب إلى بعض أهل الإحسان ولا تحتاج في تحصيل إحسانهم إلا إلى بعض الكلمات وبعض الأفعال التي تحصّل بها إحسان كثيرا منهم، الله –جل وعلا- يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، سبحانه وبحمده، كريم منان، ما بك من نعمة فمنه-جل وعلا-، إذا كان كذلك فينبغي للعبد أن يتعرض إلى هـٰذا وأن يقطع كل ضن أنه يحتاج إلى واسطة يدخل بها على رب العالمين، حتى في الدعاء لأن بعض الناس الآن قابلك قال: ادع لي، يا أخي ادع الله أنت، ليس هناك أبلغ في حصول المقصود في لسان المضطر المحتاج الذي ينزل حاجته برب العالمين

ما حك جلدك مثل ظفرك

 

فتولى أنت جميع أمرك

 

ولذلك قال شيخ الإسلام –رحمه الله-: إن المسألة -سؤال الدعاء من الغير- هو من جملة المسألة المكروهة التي ينبغي للمؤمن أن يتركها، وقال جماعة من العلماء: إنه لا بأس به؛ لكن على كل حال إذا عود الإنسان نفسه أن يجتهد في سؤال ربه فتح الله له من الخيرات ما ليس له على بال.

ثم قال المؤلف –رحمه الله-:    

 [المتن]

وبالجملة، فأعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به، ولهـٰذا يتوعّدهم في كتابه على إساءة الظن به أعظم وعيد، كما قال تعالى:﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾[سورة: الفتح، الآية (06).] ، وقال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام﴿أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ،فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[سورة: الصافات، الآيات (86-87).]  أي: فما ظنكم أن يجازيكم إذا عبدتم معه غيره؟! وظننتم أنه يحتاج في الإطّلاع على ضرورات عباده لمن يكون بابًا للحوائج إليه ونحو ذلك. وهـٰذا بخلاف الملوك فإنّهم محتاجون إلى الوسائط ضرورة لحاجتهم وعجزهم وضعفهم وقصور علمهم عن إدراك حوائج المضطرّين.

 [الشرح]

يقول المؤلف –رحمه الله-: (وبالجملة، فأعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به) الذي جعل المؤلف رحمه الله يأتي بهـٰذا الكلام هو بيان أن كل من وقع في الشرك بالله تعالى فإنه أساء الظن به –جل وعلا-، فالشرك وإساءة الظن قرينان، كل من أشرك بالله تعالى في أي نوع من أنواع الشرك، فالذي أوقعه في شركه إنما هو سوء ظنه بربه، ولو أنه أحسن الظن بالله تعالى لما سوى به غيره ولما شبه به أحدا من خلقه، ولذلك ذكر الله تعالى هـٰذا الأمر في مواضع عديدة من كتابه، وهو أن مصدر ومنشأ وقوع الشركوهو ضعف تعظيم الله تعالى، فقال –جل وعلا-: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَٰوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)[سورة: الزمر، الآية (67).] وفي من أنكر البعث قال –جل وعلا-: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾وكذلك قال –جل وعلا- في خطابه لمن وقع في الشرك: ﴿مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)[سورة: نوح، الآية (13).] فالباعث على الشرك بالله تعالى هو سوء الظن به تعالى وضعف تعظيمه سبحانه وبحمده، فإنه من حسن ظنه بربه –جل وعلا- لا يمكن أن يقع في شيء من الشرك بل لا تجده إلا معظما لربه موقرا له، فقد امتلأ قلبه هيبة وإجلالا وتعظيما ومحبة ورجاء وخوفا، فليس في قلبه سوء ظن بالله تعالى حتى يسوي به غيره، يقول –رحمه الله-: (وبالجملة فأعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به) وهـٰذا من كلام ابن القيم –رحمه الله- (فأعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به، ولهـٰذا بتوعده في كتابه على إساءة الظن به أعظم وعيد، كما قال تعالى: ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً[سورة: الفتح، الآية (06).]) فذكر الله –جل وعلا- في هـٰذه الآية جملة من العقوبات، أول هـٰذه العقوبات جزاؤهم من جنس عملهم، وهو مصداق ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ((قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي))هؤلاء ظنوا به ظن السوء، فأحاط بهم هـٰذا الظنمن كل وجه ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِقوله تعالى: ﴿عَلَيْهِمْيفيد العقوبة والتهديد، وقوله جل وعلا: ﴿دَائِرَةُ السَّوْءِأي أنها محيطة بهم من كل جانب فلا يتمكنون من التخلص منها ولا الانفكاك عنها ولا الخروج؛ بل هي قد أحاطت بهم إحاطة السوار بالمعصم، فكيف يتخلصون منه ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراًأربعة عقوبات ذكرها الله تعالى في حق الظانين به ظن السوء –جل وعلا-، وقد قال جماعة من العلماء منهم ابن القيم –رحمه الله- أنه لم يج في القرآن وعيد أعظم من وعيد من ظن بالله تعالى ظن السوء، وهو ظاهر من هـٰذه الآية، فإن الله تهددهم بهـٰذه العقوبات العظيمة التي لا تقوم لها الجبال الرواسي، يقول –رحمه الله-: (وقال تعالى عن خليله ﴿أَئِفْكًا) أي زورا وباطلا﴿آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ[سورة: الصافات، الآية (86).] أي أئفكا تفترونه على الله تعالى بجعْل آلهة دونه تقصدونها وتعبدونها وتتوجهون إليها، وتضعونها وتجعلونها وسيلة لرب العالمين ﴿أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ.ثم بعد أن قرر عظيم فعلهم وسوء عملهم واعتقادهم، قال تعالى: ﴿فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ[سورة: الصافات، الآية (87).]  في سؤال إبراهيم عليه السلام لقومه، وهـٰذه الآية لا شك الاستفهام فيها استفهام إنكار، أي شيء ظننتم بالله رب العالمين حتى عبدتم غيره وسويتم به غيره، وهـٰذا الذي ذكره بعض أهل العلم في تفسير هـٰذه الآية؛ فإن للعلماء فيها أقوال:

منها أن قوله: ﴿فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَأَيْ أَيُّ شيء تظنونه به -سبحانه وبحمده- حتى عبدتم غيره، فعلى هـٰذا المعنى يكون المراد توبيخهم وتعظيم ما وقعوا فيه من الشرك وبيان عظيم حق الرب –جل وعلا- الذي فرطوا فيه وضيعوه على هـٰذا المعنى.

 المعنى الثاني الذي تفيده الآية في قوله:﴿فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَما ذكره المؤلف (فما ظنكم أن يجازيكم إذا عبدتم معه غيره)، قال بهـٰذا قتادة وجماعة من أهل التفسير، ما ظنكم أن الله فاعل بكم إذا لاقيتموه وقد عبدتم معه غيره؟! لا شك أن أخذه شديد وعقابه أليم –جل وعلا-، فإن من عبد مع الله تعالى غيره فقد قال الله تعالى فيه: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ[سورة: المائدة، الآية (72).] ، وقد قال جل وعلا: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء[سورة: النساء، الآية (48، 116).]   فعقوبتهم أشد العقوبة.

قال: (وظننتم أنه يحتاج) أيضا من سوء الظن الذي تضمنه جعل الوسائل والوسائط بين العباد والرب –جل وعلا- أنكم (ظننتم أنه يحتاج في الإطلاع على ضرورات عباده) أي حوائجهم الماسة (لمن يكون بابا للحوائج إليه ونحو ذلك) وهـٰذا لا شك أنه من سوء الظن بالله سبحانه وبحمده.

يقول –رحمه الله-: (وهـٰذا بخلاف الملوك) فالله –جل وعلا- ملك الملوك رب الأرباب رب الأرض والسمٰوات وهو الذي في السماء إلـٰه وفي الأرض إلـٰه –جل وعلا- لا يحتاج إلى وسائط وبوابين يوصلون إليه حوائج عباده بل هو العليم الخبير الذي هو –جل وعلا- على كل شيء شهيد (هـٰذا بخلاف الملوك) الملوك المقصود بهم ملوك الدنيا الذين لا حول لهم ولا طول، والذين ملكهم قاصر ناقص ابتداء وانتهاء وحالا (فإنهم محتجون إلى الوسائط ضرورة) لا يمكن أن يتم ملكهم إلا بالوسائط ولو الوسائط لما كانوا ملوكا (لحاجتهم وعجزهم وضعفهم وقصور علمهم عن إدراك حوائج المضطرين) أما رب العالمين فشأنه يختلف عن هـٰذا تماما، وذلك يقول –رحمه الله-:

[المتن]

فأما من لا يشغله سمعٌ عن سمع، وسبقت رحمته غضبه، وكتب على نفسه الرحمة فما تصنع الوسائط عنده؟! فمن اتخذ واسطة بينه وبين الله تعالى فقد ظن به أقبح الظن، ومستحيل أن يشرعه لعباده؛ بل ذلك يمتنع في العقول والفطر.

[الشرح]

يقول –رحمه الله-: (فأما من لا يشغله سمعٌ عن سمع) أي لا يشغله سماع عبد عن سماع غيره؛ بل وسع سمعه الأصوات سبحانه وبحمده، فلا تخفى عليه خافية، يقول: (وسبقت رحمته غضبه) وهـٰذا من كمال صفاته –جل وعلا-، ومن سبقت رحمته غضبه فإنه لا يحتاج إلى من يدخل عليه به؛ بل هو الكريم المنان الذي يبتدئ عبده بالنوال، ويمن عليه بإجابة السؤال دون واسطة أو وسيلة، (وكتب على نفسه الرحمة فما تصنع الوسائط عنده) يعني ماذا تعمل؟ وماذا تفيد ورحمته قد وسعت كل شيء؟ ماذا تعمل وماذا تفيد وقد وسع سمعه الأصوات –جل وعلا-؟ فإنها لا حاجة إليها وفائدة منها.

يقول -رحمه الله-: (فمن اتخذ واسطة بينه وبين الله تعالى فقد ظن به أقبح الظن) حيث ظن  إما أنه لا يسمع أو أنه لا يرحم حتى يدخل عليه بواسطة تستوجب رحمته، (ومستحيل أن يشرعه لعباده؛ بل ذلك يمتنع في العقول والفطر)، إذن يمتنع اتخاذ الوسائط عقلا وفطرة، ولعظيم قبح الذنب كانت عقوبته أن الله تعالى لا يغفره كما تقدم.

ثم قال- رحمه الله-:

[المتن]

واعلم أن الخضوع والتأله الذي يجعله العبد لتلك الوسائط قبيح في نفسه، كما قررناه؛ لا سيما إذا كان المجعول له ذلك عبداً للملك العظيم الرحيم القريب المجيب، ومملوكاً له، كما قال تعالى﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾[ سورة: الروم، الآية (28).]  أي إذا كان أحدكم يأنف أن يكون مملوكه شريكه في رزقه، فكيف تجعلون لي من عبيدي شركاء فيما أنا منفرد به، وهو الإلهية التي لا تنبغي لغيري، ولا تصلح لسواي، فمن زعم ذلك فما قدرني حق قدري ولا عظمني حق تعظيمي.

[الشرح]

 يقول –رحمه الله-: (واعلم أن الخضوع والتأله الذي يجعله العبد لتلك الوسائط قبيح في نفسه)الخضوع والتأله لغير الله تعالى من الوسائط والوسائل التي جعلت بينه وبين الله تعالى، قبيح في نفسه، أي  لا يحتاج في معرفة قبحه إلى إيش ؟ إلى دليل إيش؟ إلى دليل شرعي أو نسيتوا السؤال مازال الشيخ يجيب على السؤال المتقدم هل قبح الشرك شرعي فقط أو عقلي وشرعي؟ مرت أوجه كثيرة بين فيها المؤلف –رحمه الله- أن قبح الشرك عقلي وشرعي فكذلك الآن يعيد ويقول: (واعلم أن الخضوع والتأله الذي يجعله العبد لتلك الوسائط قبيح في نفسه، كما قررناه؛ لا سيما إذا كان المجعول له ذلك) يعني الذي جعل له الخضوع والتأله وسائر أنواع التعبد (عبداً للملك العظيم الرحيم القريب المجيب) وهـٰذا دليل يسمي دليلا قياسيا احتج الله تعالى به على المشركين؛ حيث جعلوا له من عبيده ومماليكه –جل وعلا- شركاء؛ فأقام الله تعالى عليهم الحجة في هـٰذا المثل الذي ساقه المؤلف –رحمه الله- من كلام الله تعالى وقدم له بهـٰذه المقدمة، فكيف يجعل العبد المملوك الرقيق المربوب شريك لله تعالى في تحصيل المطالب يقول الله –جل وعلا-﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ[ سورة: الروم، الآية (28).]  هـٰذا مثل يدركه الإنسان من نفسه هل﴿هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ[سورة: الروم، الآية (28).] أي هناك ممن تملكونهم من الرقيق والعبيد بلغوا في المنزلة أن كانوا لكم شركاء فيما تستحقونه من الحقوق؟! وهل تقبلون هـٰذا؟! الجواب لا تقبله النفوس ولا ترضاه فكيف يرضاه العبيد برب الأرباب رب السمٰوات والأرض ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ[سورة: الروم، الآية (28).]  أي مساوين لكم فيما خصصناكم به من الفضل عليهم، ﴿فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ لاشك أن ذلك لا يقبله كل سيد، لا يقبل أن عبيده يساوون في الحقوق والمنزلة، حتى ولو كانوا وسائل وسائط بينه وبين الناس، منزلتهم وما يستحقونه من التعظيم ومن طريقة الطلب دون ما يوجه إليهم.

يقول –رحمه الله-: (أي إذا كان أحدكم يأنف) هـٰذا في بيان وتوضيح الدليل القياس الذي ذكره الله تعالى بهـٰذه الآية لإبطال شرك هؤلاء وصرف العبادة للوسائط، قال: (إذا كان أحدكم يأنف أن يكون مملوكه شريكه في رزقه) يعني لا يرضى ويترفع على أن يكون المملوك المقهور شريكا له في رزقه، فكيف تجعلون لي من عبيدي شركاء فيما أنا منفرد به، إذا كنتم لا تسوونهم معكم في أرزاقكم وما جرى عليكم من الرزق، وترون أن ما يستحقونه من الرزق دون ما تستحقونه من هـٰذا الرزق، مع أن الفارق السيد والرقيق قريب، إنما هو الرق الذي فرق بينهم، وإلا من حيث الشكل والطبيعة وسائر ما تخطو به البشرية فهم سواء، لا فرق بين السيد والرقيق من حيث البشرية ومن حيث أصل المعدن؛ لكن الفرق في أن هـٰذا جرى عليه الملك وذاك شر ليس لأحد عليه تصرف.

 

أما الرب –جل وعلا- فشتّان ما بينه وبين عباده –جل وعلا- ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[سورة: الشورى، الآية (11).] ، فإذا كنتم لا ترضون أن يستوي معكم من؟ العبيد والمملوكون، فكيف ترضون أن تسووا الله تعالى بعبيده وتجعلون لهم ما له –جل وعلا-، يقول –رحمه الله-: (فكيف تجعلون لي من عبيدي شركاء في ما أنا منفرد به) ما الذي انفرد به الله تعالى؟ الإلهية وهو استحقاقه للعبادة –جل وعلا- (وهو الإلهية التي لا تنبغي لغيري، ولا تصلح لسواي، فمن زعم ذلك فما قدرني حق قدري ولا عظمني حق تعظيمي.)

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91759 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87327 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف