الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فإجابةً على سؤالك نقول وبالله تعالى التوفيق:
العبادة هي اسم جامع لكلِّ ما يحبُّه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال الظَّاهرة والباطنة، فالصلاة والصيام والزكاة والحج والذِّكر، كالتسبيح والاستغفار وقراءة القرآن وغيرها، كل هذه عبادات، كما أنَّ الرجاء والتوكل والإنابة والمحبَّة والخوف والدعاء والاستغاثة والاستعانة كلها عبادات قلبية، يُتعبَّد بها لله سبحانه، ولا شكَّ أنَّ الرابح في هذه الصفقة هو العبد، إذ بالعبادة ينال سعادة الدنيا والآخرة، وأما الله سبحانه وتعالى فإنَّ الله تعالى غنيٌّ عن عبادتنا
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر: 15]، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: «قال الله تعالى: يا عبادي، إنَّكم لن تبلغوا ضَرِّي فتضرُّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادى، لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجِنَّكم، كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً» رواه مسلم، لكنه سبحانه وتعالى من كمال إحسانه بعباده وإكرامه لهم، ومحبته لنفعهم ودفع الضَّرر عنهم، يُحبُّ من عباده أن يعبدوه ويعرفوه ويُحِبُّوه ويُطيعوه ويتَّقوه. فعلمنا بهذا أنَّ أمر الله لنا بالعبادة، إنَّما هو لإصلاحنا وإسعادنا، فلله الحمد كلُّه.
أما الحديث الذي سألتَ عن معناه، فالحديث في صحيح البخاري، ومعناه واضح، ولله الحمد، وهو: أنَّ الله تعالى يُخبِر عباده أنَّ أحبَّ ما تقرَّب عباده به إليه هو ما فرضه عليهم وأوجبه، ثمَّ ما يزال العبد الطالبُ لرضوان الله تعالى يتقرَّب إليه تعالى بالنَّوافل أي: العبادات غير المفروضة بعد إدامة فعل الواجبات، حتى يُحبَّه الله تعالى، فإذا بلغ هذه المرتبة العظيمة، وهي أن يحبه الله سبحانه وتعالى، سدَّده ووفَّقه وأحاطه برعايته، فعندها يكون سمعه بالله وبصره بالله ومشيه بالله وبطشه بالله تعالى، فجميع حركاته لله سبحانه، إخلاصاً واتِّباعاً واستعانةً به: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة: 5] لئن سأل الله أجابه، ولئن استعاذه أعاذه، وذلك فضل الله سبحانه يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، فمعنى «كنت سمعَه وبصره» أي: سدَّدتُه في ذلك، فلا يسمع إلا ما يرضي الله، ولا يُبصر إلا ما يُرضي الله، ولا يمشي ولا يبطش إلا فيما يرضيه سبحانه، فعمله كلُّه في الله، إخلاصاً وطلباً، وبالله؛ فعلاً للمأمور وتركاً للمنهي.