في الصَّلاةِ الجَهْرِيَّةِ مَعَ الإِمامِ هَلْ يَلْزَمُنا قِراءَةَ الفاتِحَةِ؟ لأَنَّ لِي أَخًا يَقُولُ بِأَنَّ العَلَّامَةَ الأَلْبانِيَّ رَحِمَهُ اللهُ يَرَى بِأَنَّ قِراءَةَ الإِمامِ لِلفاتِحَةِ تَنُوبُ عَنْ قِراءَتِي.
وَجَزاكُمُ اللهُ خَيْرًا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.
وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.
ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر
على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004
من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا
بارك الله فيكم
إدارة موقع أ.د خالد المصلح
خزانة الأسئلة / صلاة / قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية
في الصلاة الجهرية مع الإمام هل يلزمنا قراءة الفاتحة؟ لأن لي أخاً يقول بأن العلامة الألباني رحمه الله يرى بأن قراءة الإمام للفاتحة تنوب عن قراءتي.
وجزاكم الله خيراً.
السؤال
في الصَّلاةِ الجَهْرِيَّةِ مَعَ الإِمامِ هَلْ يَلْزَمُنا قِراءَةَ الفاتِحَةِ؟ لأَنَّ لِي أَخًا يَقُولُ بِأَنَّ العَلَّامَةَ الأَلْبانِيَّ رَحِمَهُ اللهُ يَرَى بِأَنَّ قِراءَةَ الإِمامِ لِلفاتِحَةِ تَنُوبُ عَنْ قِراءَتِي.
وَجَزاكُمُ اللهُ خَيْرًا.
في الصلاة الجهرية مع الإمام هل يلزمنا قراءة الفاتحة؟ لأن لي أخاً يقول بأن العلامة الألباني رحمه الله يرى بأن قراءة الإمام للفاتحة تنوب عن قراءتي.
وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قِراءَةُ الفاتِحة خَلْفَ الإِمامِ حالَ الجَهْرِ لِلعُلَماءِ فِيها ثَلاثَةُ أَقْوالٍ:
القَوْلُ الأَوَّلُ: لَيْسَ لِلمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ في الصَّلاةِ الجَهْرِيَّةِ إِذا كانَ يَسْمَعُ الإِمامَ لا بِالفاتِحَةِ وَلا بِغَيْرِها، وَهَذا قَوْلُ جُمْهُورِ العُلَماءِ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
القَوْلُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَى المأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ الفاتِحَةَ في الصَّلاةِ الجَهْرِيَّةِ كالسِّرِّيَّةِ، وَهُوَ المذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ.
القَوْلُ الثَّالِثُ: يُسْتَحَبُّ لِلمَأْمُومِ قِراءَتُها، وَهُوَ قَوْلُ جَماعَةٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْهُمْ الأَوْزاعِيُّ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ أَعْدَلَ الأَقْوالِ وَأَقْرَبَها لِلصَّوابِ هُوَ القَوْلُ الأَوَّلُ قَوْلُ الجُمْهُورِ، وَأَنَّ المأْمُومِ لا يَقْرَأُ في حالِ الجَهْرِ لا بِالفاتِحَةِ وَلا بِغَيْرِها إِذا كانَ يَسْمَعُ قِراءَةَ الإِمامِ، هَذا ما يَدُلُّ عَلَيْهِ عَمَلُ أَكْثَرِ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَتَتَّفِقُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَحادِيثِ، وَلِأَنَّ اللهَ تَعالَى أَمَرَ بِالإِنْصاتِ لِقِراءَةِ الإِمامِ في الصَّلاةِ فَقالَ تَعالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وَيُؤَيِّدُ دِلالَةَ الآيَةِ عَلَى وُجُوبِ الإِنْصاتِ لِقَراءَةِ الإِمامِ ما رَواهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَنا فَبَيَّنَ لَنا سُنَّتَنا وَعَلَّمَنا صَلاتَنا فَقالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكَمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ فَإِذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا. .» وَذَكَرَ الحَدِيثِ الطَّوِيلِ وَزادَ بَعْضُ رُواتِهِ: «وإذا قرأ فأنصتوا» وَقَدْ ذَكَرَها في صَحِيحِهِ. وَقَدْ رَواها أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسائِيُ وَابْنُ ماجَه مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إِنَّما جُعِلَ الإِمامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ؛ فَإِذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا»، وَقَدْ سُئِلَ مُسْلِمُ بْنُ الحَجَّاجِ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذا فَقالَ: هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ المأْمُومِ مِنَ القِراءَةِ حالَ جَهْرِ الإِمامِ ما رَواهُ أَصْحابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلاةٍ جَهَرَ فِيها بِالقِراءَةِ فَقالَ: «هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟» فَقالَ رَجُلٌ: نَعَمْ يا رَسُولَ اللهِ. فَقالَ: «إِنِّي أَقُولُ: مالِي أُنازَعُ القُرْآنَ» قالَ: فانْتَهَىَ النَّاسُ عَنِ القِراءَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلَواتِ بِالقِراءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ في هَذا الحَدِيثِ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ أُكَيْمَةَ الرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ فَقَدْ قالَ عَنْهُ يِحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: عَمْرُو بْنُ أُكَيْمَةَ ثِقَةٌ. وَوَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ. كَما أَنَّهُ طُعِنَ في الحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ قَوْلَهُ في الحَدِيثِ: «فانْتَهَى النَّاسُ. . . » مُدْرَجٌ مِنْ كَلامِ الزُّهْرِيِّ كَما قالَهُ البُخارِيُّ وَالذُّهْلِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمْ، وَالجَوابُ عَنْ هَذا أَنَّ ذَلِكَ لا يُسْقِطُ الاحْتِجاجَ بِالحَدِيثِ سَواءً كانَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ مِنْ قَوْلِ الزُّهَرِيِّ، قالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ في مَجْمُوعِ الفَتاوَىَ (23 / 274): "وَهَذا إِذا كانَ مِنْ كَلامِ الزُّهْرِيِّ فَهُوَ مِنْ أَدَلِّ الدَّلائِلِ عَلَى أَنَّ الصَّحابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَقْرَؤُونَ في الجَهْرِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ مِنْ أَعْلَمِ أَهْلِ زَمانِهِ أَوْ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمانهِ بِالسُّنَّةِ، وَقِراءَةُ الصَّحابَةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّىَ اللهُ عَلْيِهِ وَسَلَّمَ إِذا كانَتْ مَشْرُوعَةً وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً فَتَكُونَ مِنَ الأَحْكامِ العامَّةِ الَّتي يَعْرِفُها عامَّةُ الصَّحابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسانٍ فَيَكُونُ الزُّهْرِيُّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِها فَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْها لاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى انِتِفائِها، فَكَيْفَ إِذا قَطَعَ الزُّهْرِيُّ بِأَنَّ الصَّحابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَقْرَؤُونَ خَلْفَ النَّبِيِّ في الجَهْرِ" انْتَهَى كَلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.
وَمِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ في عَدَمِ وُجُوبِ القَراءَةِ عَلَى المأْمُومِ في الجَهْرِيَّةِ الحَدِيثُ المشْهُورِ: «مَنْ كانَ لَهُ إِمامٌ فَقِراءَةُ الإِمامِ لَهُ قِراءَةٌ» وَهَذا الحَدِيثُ أَخْرَجَهُ جَمْعٌ مِنَ الأَئِمَّةِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُسْنَدًا وَمُرْسلًا عَنْ جَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ أَمْثَلُها حَدِيثُ جابِرٍ عَلَىَ ضَعْفٍ فِيهِ وَكَثْرَةِ كَلامِ النُّقادِ فِيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ في مَجْمُوعِ الفَتاوَى (18/271-272): "وَهَذا الحَدِيثُ رُوِيَ مُرْسَلًا ومُسْنَدًا، لَكِنَّ أَكْثَرَ الأَئِمَّةِ الثِّقاتِ رَوَوْهُ مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْنَدَهُ بَعْضُهُمْ، وَرَواهُ ابْنُ ماجَه سَنَدًا، وَهَذا المرْسَلُ قَدْ عَضَّدَهُ ظاهِرُ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَقالَ بِهِ جَماهِيرُ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الصَّحابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمِثْلُ هَذا المرْسَلِ يُحْتَجُّ بِهِ بِاتِّفاقِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ". وَمِمَّنِ اسْتَوْعَبَ الكَلامَ في الحَدِيثِ وَطُرُقِهِ الدَّارَقُطْنِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في عِلَلِهِ. وَمِمَّا تَقَدَّمَ يَتَبيَّنُ أَنَّ ما رَواهُ البُخارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهما مِنْ حَدِيثِ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النِّبِيِّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ: «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفاتِحَةِ الكِتابِ» لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِما تَقَدَّمَ مِنَ النُّصُوصِ. وَمِثْلُهُ ما رَواهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «مَنْ صَلَّى صَلاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيها بِأُمِّ القُرْآنِ فَهِيَ خِداجٌ ثلاثًا غَيْرُ تَمامٍ» فَكُلُّ هَذا وَأَمْثالُهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ المأْمُومِ جَمْعًا بَيْنَ الأَحادِيثِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ عَدَمَ العُمُومِ فِيها ما حَكاهُ الإِمامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ إِجْماعٍ. قالَ رَحِمَهُ اللهُ: "ما سَمِعْنا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ يَقُولُ: إِنَّ الِإمامَ إِذا جَهَرَ بِالقِراءَةِ لا تُجْزِئُ صَلاةُ مَنْ خَلْفَهُ إِذا لَمْ يَقْرَأْ".
أَمَّا حَدِيثُ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ القِراءَةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قالَ: «إِنِّي أَراكُمْ تَقْرَؤوُنَ وَراءَ إِمامِكُمْ» قُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ، إِي وَاللهِ. قالَ: «لا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ القُرْآنِ فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأُ بِها» وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحابُ السُّنَنِ إِلَّا ابْنُ ماجَهْ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقٍ، وَقالَ عَنْهُ أَحْمَدُ: لَمْ يَرْفَعْهُ إِلَّا ابْنُ إِسْحاقَ. وَقالَ شَيْخُ الِإسْلامِ في مَجْمُوعِ الفَتاوَىَ (23/ 286): "هَذا الحَدِيثِ مُعَلَّلٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنَ الأَئِمَّةِ". وَقالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَنْ صَحَّحَ الحَدِيثَ وَحَسَّنَهُ (23/ 315): "فَفِي هَذا الحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ هَلْ يَقْرَؤُونَ وَراءَهُ بِشَيْءٍ أَمْ لا؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كانَتِ القِراءَةُ وَاجِبَةً عَلَى المأْمِومِ لَكانَ قَدْ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ وَأَنَّ تَأْخِيرَ البَيانِ عَنْ وَقْتِ الحاجَةِ لا يَجوُزُ وَلَوْ بَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ لَفَعَلَهُ عامَتُّهُمْ وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ الواحِدُ أَوْ الاثْنانِ مِنْهُمْ. وَلَمْ يَكُنْ يَحْتاجُ إِلَى اسْتِفْهامِهِ، فَهَذا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمُ القِراءَةَ خَلْفَهُ حالَ الجَهْرِ، ثُمَّ إِنَّهُ لما عَلِمَ أَنَّهُمْ يَقْرَؤُونَ نَهاهُمْ عنِ القِراءَةِ بِغَيْرِ أُمِّ الكِتابِ، وَما ذُكِرَ مِنَ الْتِباسِ القِراءَةِ عَلَيْهِ تَكُونُ بِالقِراءَةِ مَعَهُ حالَ الجَهْرِ سَواءً كانَ بِالفاتِحَةِ أَوْ غَيْرِها فالعِلِّةُ مُتناوِلَةٌ لِلأَمْرَيْنِ فَإِنَّ ما يُوجِبُ ثُقْلَ القِراءَةِ وَالْتِباسَها عَلَى الِإمامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ".
وَلِذَلِكَ فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ المأْمُومَ لا يَجُوزُ لَهُ القِراءَةُ حالَ جَهْرِ الإِمامِ بِالقِراءَةِ لما تَقَدَّمَ مِنَ الأَدَلَّةِ وَلما في حَدِيثِ عُبادَةَ مِنْ مَعْنَى النَّهْيِ، لَكِنْ إِنْ تَمَكَّنَ المأْمُومُ مِنَ القِراءَةِ في سَكَتاتِ الإِمامِ فَهَذا المطْلُوبُ وَإِلَّا فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ القِراءَةَ؛ أَخْذًا بِما نَهَىَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فاجْتَنِبُوهُ وَما أَمَرْتُكُمْ بِهِ فافْعَلُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ» وَهَذا الحَدِيثُ أَخْرَجُهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُما مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَاللهُ تَعالَى أَعْلَمُ.
أخوكم/
خالد بن عبد الله المصلح
07/09/1424هـ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قِراءَةُ الفاتِحة خَلْفَ الإِمامِ حالَ الجَهْرِ لِلعُلَماءِ فِيها ثَلاثَةُ أَقْوالٍ:
القَوْلُ الأَوَّلُ: لَيْسَ لِلمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ في الصَّلاةِ الجَهْرِيَّةِ إِذا كانَ يَسْمَعُ الإِمامَ لا بِالفاتِحَةِ وَلا بِغَيْرِها، وَهَذا قَوْلُ جُمْهُورِ العُلَماءِ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
القَوْلُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَى المأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ الفاتِحَةَ في الصَّلاةِ الجَهْرِيَّةِ كالسِّرِّيَّةِ، وَهُوَ المذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ.
القَوْلُ الثَّالِثُ: يُسْتَحَبُّ لِلمَأْمُومِ قِراءَتُها، وَهُوَ قَوْلُ جَماعَةٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْهُمْ الأَوْزاعِيُّ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ أَعْدَلَ الأَقْوالِ وَأَقْرَبَها لِلصَّوابِ هُوَ القَوْلُ الأَوَّلُ قَوْلُ الجُمْهُورِ، وَأَنَّ المأْمُومِ لا يَقْرَأُ في حالِ الجَهْرِ لا بِالفاتِحَةِ وَلا بِغَيْرِها إِذا كانَ يَسْمَعُ قِراءَةَ الإِمامِ، هَذا ما يَدُلُّ عَلَيْهِ عَمَلُ أَكْثَرِ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَتَتَّفِقُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَحادِيثِ، وَلِأَنَّ اللهَ تَعالَى أَمَرَ بِالإِنْصاتِ لِقِراءَةِ الإِمامِ في الصَّلاةِ فَقالَ تَعالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وَيُؤَيِّدُ دِلالَةَ الآيَةِ عَلَى وُجُوبِ الإِنْصاتِ لِقَراءَةِ الإِمامِ ما رَواهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَنا فَبَيَّنَ لَنا سُنَّتَنا وَعَلَّمَنا صَلاتَنا فَقالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكَمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ فَإِذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا. .» وَذَكَرَ الحَدِيثِ الطَّوِيلِ وَزادَ بَعْضُ رُواتِهِ: «وإذا قرأ فأنصتوا» وَقَدْ ذَكَرَها في صَحِيحِهِ. وَقَدْ رَواها أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسائِيُ وَابْنُ ماجَه مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إِنَّما جُعِلَ الإِمامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ؛ فَإِذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا»، وَقَدْ سُئِلَ مُسْلِمُ بْنُ الحَجَّاجِ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذا فَقالَ: هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ المأْمُومِ مِنَ القِراءَةِ حالَ جَهْرِ الإِمامِ ما رَواهُ أَصْحابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلاةٍ جَهَرَ فِيها بِالقِراءَةِ فَقالَ: «هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟» فَقالَ رَجُلٌ: نَعَمْ يا رَسُولَ اللهِ. فَقالَ: «إِنِّي أَقُولُ: مالِي أُنازَعُ القُرْآنَ» قالَ: فانْتَهَىَ النَّاسُ عَنِ القِراءَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلَواتِ بِالقِراءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ في هَذا الحَدِيثِ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ أُكَيْمَةَ الرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ فَقَدْ قالَ عَنْهُ يِحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: عَمْرُو بْنُ أُكَيْمَةَ ثِقَةٌ. وَوَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ. كَما أَنَّهُ طُعِنَ في الحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ قَوْلَهُ في الحَدِيثِ: «فانْتَهَى النَّاسُ. . . » مُدْرَجٌ مِنْ كَلامِ الزُّهْرِيِّ كَما قالَهُ البُخارِيُّ وَالذُّهْلِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمْ، وَالجَوابُ عَنْ هَذا أَنَّ ذَلِكَ لا يُسْقِطُ الاحْتِجاجَ بِالحَدِيثِ سَواءً كانَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ مِنْ قَوْلِ الزُّهَرِيِّ، قالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ في مَجْمُوعِ الفَتاوَىَ (23 / 274): "وَهَذا إِذا كانَ مِنْ كَلامِ الزُّهْرِيِّ فَهُوَ مِنْ أَدَلِّ الدَّلائِلِ عَلَى أَنَّ الصَّحابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَقْرَؤُونَ في الجَهْرِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ مِنْ أَعْلَمِ أَهْلِ زَمانِهِ أَوْ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمانهِ بِالسُّنَّةِ، وَقِراءَةُ الصَّحابَةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّىَ اللهُ عَلْيِهِ وَسَلَّمَ إِذا كانَتْ مَشْرُوعَةً وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً فَتَكُونَ مِنَ الأَحْكامِ العامَّةِ الَّتي يَعْرِفُها عامَّةُ الصَّحابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسانٍ فَيَكُونُ الزُّهْرِيُّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِها فَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْها لاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى انِتِفائِها، فَكَيْفَ إِذا قَطَعَ الزُّهْرِيُّ بِأَنَّ الصَّحابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَقْرَؤُونَ خَلْفَ النَّبِيِّ في الجَهْرِ" انْتَهَى كَلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.
وَمِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ في عَدَمِ وُجُوبِ القَراءَةِ عَلَى المأْمُومِ في الجَهْرِيَّةِ الحَدِيثُ المشْهُورِ: «مَنْ كانَ لَهُ إِمامٌ فَقِراءَةُ الإِمامِ لَهُ قِراءَةٌ» وَهَذا الحَدِيثُ أَخْرَجَهُ جَمْعٌ مِنَ الأَئِمَّةِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُسْنَدًا وَمُرْسلًا عَنْ جَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ أَمْثَلُها حَدِيثُ جابِرٍ عَلَىَ ضَعْفٍ فِيهِ وَكَثْرَةِ كَلامِ النُّقادِ فِيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ في مَجْمُوعِ الفَتاوَى (18/271-272): "وَهَذا الحَدِيثُ رُوِيَ مُرْسَلًا ومُسْنَدًا، لَكِنَّ أَكْثَرَ الأَئِمَّةِ الثِّقاتِ رَوَوْهُ مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْنَدَهُ بَعْضُهُمْ، وَرَواهُ ابْنُ ماجَه سَنَدًا، وَهَذا المرْسَلُ قَدْ عَضَّدَهُ ظاهِرُ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَقالَ بِهِ جَماهِيرُ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الصَّحابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمِثْلُ هَذا المرْسَلِ يُحْتَجُّ بِهِ بِاتِّفاقِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ". وَمِمَّنِ اسْتَوْعَبَ الكَلامَ في الحَدِيثِ وَطُرُقِهِ الدَّارَقُطْنِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في عِلَلِهِ. وَمِمَّا تَقَدَّمَ يَتَبيَّنُ أَنَّ ما رَواهُ البُخارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهما مِنْ حَدِيثِ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النِّبِيِّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ: «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفاتِحَةِ الكِتابِ» لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِما تَقَدَّمَ مِنَ النُّصُوصِ. وَمِثْلُهُ ما رَواهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «مَنْ صَلَّى صَلاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيها بِأُمِّ القُرْآنِ فَهِيَ خِداجٌ ثلاثًا غَيْرُ تَمامٍ» فَكُلُّ هَذا وَأَمْثالُهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ المأْمُومِ جَمْعًا بَيْنَ الأَحادِيثِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ عَدَمَ العُمُومِ فِيها ما حَكاهُ الإِمامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ إِجْماعٍ. قالَ رَحِمَهُ اللهُ: "ما سَمِعْنا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ يَقُولُ: إِنَّ الِإمامَ إِذا جَهَرَ بِالقِراءَةِ لا تُجْزِئُ صَلاةُ مَنْ خَلْفَهُ إِذا لَمْ يَقْرَأْ".
أَمَّا حَدِيثُ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ القِراءَةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قالَ: «إِنِّي أَراكُمْ تَقْرَؤوُنَ وَراءَ إِمامِكُمْ» قُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ، إِي وَاللهِ. قالَ: «لا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ القُرْآنِ فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأُ بِها» وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحابُ السُّنَنِ إِلَّا ابْنُ ماجَهْ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحاقٍ، وَقالَ عَنْهُ أَحْمَدُ: لَمْ يَرْفَعْهُ إِلَّا ابْنُ إِسْحاقَ. وَقالَ شَيْخُ الِإسْلامِ في مَجْمُوعِ الفَتاوَىَ (23/ 286): "هَذا الحَدِيثِ مُعَلَّلٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنَ الأَئِمَّةِ". وَقالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَنْ صَحَّحَ الحَدِيثَ وَحَسَّنَهُ (23/ 315): "فَفِي هَذا الحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ هَلْ يَقْرَؤُونَ وَراءَهُ بِشَيْءٍ أَمْ لا؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كانَتِ القِراءَةُ وَاجِبَةً عَلَى المأْمِومِ لَكانَ قَدْ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ وَأَنَّ تَأْخِيرَ البَيانِ عَنْ وَقْتِ الحاجَةِ لا يَجوُزُ وَلَوْ بَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ لَفَعَلَهُ عامَتُّهُمْ وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ الواحِدُ أَوْ الاثْنانِ مِنْهُمْ. وَلَمْ يَكُنْ يَحْتاجُ إِلَى اسْتِفْهامِهِ، فَهَذا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمُ القِراءَةَ خَلْفَهُ حالَ الجَهْرِ، ثُمَّ إِنَّهُ لما عَلِمَ أَنَّهُمْ يَقْرَؤُونَ نَهاهُمْ عنِ القِراءَةِ بِغَيْرِ أُمِّ الكِتابِ، وَما ذُكِرَ مِنَ الْتِباسِ القِراءَةِ عَلَيْهِ تَكُونُ بِالقِراءَةِ مَعَهُ حالَ الجَهْرِ سَواءً كانَ بِالفاتِحَةِ أَوْ غَيْرِها فالعِلِّةُ مُتناوِلَةٌ لِلأَمْرَيْنِ فَإِنَّ ما يُوجِبُ ثُقْلَ القِراءَةِ وَالْتِباسَها عَلَى الِإمامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ".
وَلِذَلِكَ فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ المأْمُومَ لا يَجُوزُ لَهُ القِراءَةُ حالَ جَهْرِ الإِمامِ بِالقِراءَةِ لما تَقَدَّمَ مِنَ الأَدَلَّةِ وَلما في حَدِيثِ عُبادَةَ مِنْ مَعْنَى النَّهْيِ، لَكِنْ إِنْ تَمَكَّنَ المأْمُومُ مِنَ القِراءَةِ في سَكَتاتِ الإِمامِ فَهَذا المطْلُوبُ وَإِلَّا فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ القِراءَةَ؛ أَخْذًا بِما نَهَىَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فاجْتَنِبُوهُ وَما أَمَرْتُكُمْ بِهِ فافْعَلُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ» وَهَذا الحَدِيثُ أَخْرَجُهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُما مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَاللهُ تَعالَى أَعْلَمُ.
أخوكم/
خالد بن عبد الله المصلح
07/09/1424هـ