بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ذَهَبَ عامَّةُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى أَنَّ لِلعِيدِ خُطْبَتَيْنِ، وَقَدْ حَكَى الإِجْماعَ عَلَىَ ذلَكِ َغَيْرُ واحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْهُمُ ابْنُ حَزْمٍ في المحَلَّى(3/293). وَلَمْ أَقِفْ مَعَ طُولِ البَحْثِ عَلَى مَنْ قالَ بِأَنَّ خُطْبَةَ العِيدِ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ لا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ المتَقَدِّمِينَ وَلا فُقَهاءِ المذاهِبِ وَلا غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ إِلَّا ما قَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلامِ الصَّنَعانِيِّ حَيْثُ قالَ في شَرْحِهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَفِيهِ: «كانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المصَلَّى وَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ عَلَىَ صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ» في سُبُلِ السَّلامِ (2/140): "وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ خُطْبَتانِ كالجُمُعَةِ، وَأَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَهُما، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَإِنَّما صَنَعَهُ النَّاسُ قِياسًا عَلَى الجُمُعَةِ" وَبِالنَّظَرِ إِلَى كَلامِ الفُقَهاءِ وَأَهْلِ العِلْمِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ قاسُوها عَلَى الجُمُعَةِ، وَذَكَرُوا أَدِلَّةً في ثُبُوتِها نَظَرٌ، فاسْتَدَلُّوا بِما رَواهُ ابْنُ ماجَه مِنْ طَرِيِقِ إِسْماعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: خَرَجَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فِطْرٍ وَأَضْحَى قائِمًا ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً ثُمَّ قامَ. وَإِسْماعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، وَكَذا ما رَواهُ البَزَّارُ في مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَكانَ يَخْطُبُ خُطبْتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُما بِجِلْسَةٍ، قالَ عَنْهُ الهَيْثَمِيُّ في مَجْمَعِ الزَّوائِدِ (2/203): "وَفِي إِسْنادِهِ مَنْ لَمْ أَعْرِفْهُ". وَقالَ النَّوَوِيُّ في الخُلاصَةِ: وَلَمْ يَثْبُتْ في تَكْرِيرِ الخُطْبَةِ شَيْءٌ، وَلَكِنَّ المعْتَمَدَ فِيهِ القِياسُ عَلَى الجُمُعَةِ، هَذا غايَةُ ما وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَلَعَلَّ شَيْخَنا مُحَمَّدَ العُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ وَقَفَ عَلَى ما هُوَ أَصْرَحُ مِنْ هَذا مِمَّا يُوافِقُ ظاهِرَ الأَحادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلى أَنَّ خُطْبَةَ العِيدِ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، فَقَد ْذَكَرَ الخِلافَ في ذَلِكَ مِرارًا وَتَكْرارًا، وَرَجَّحَ أَنَّهُ خُطْبَةٌ واحِدَةٌ، وَاللهُ تَعالَى أَعْلَمُ.
أخوكم/
خالد بن عبد الله المصلح