بسم الله الرحمن الرحيم
البِنَاءُ عَلَى القُبُورِ مِمَّا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ البِنَاءَ عَلَى القُبُورِ مُحرَّمٌ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدْمِ مَا بُنِي عَلَى القُبُورِ؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيٌّ بنُ أَبِي طَالِبٍ: أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَن لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا - أَيْ: مُرْتَفِعًا - إِلَّا سَوَيَّتَهُ».[صحيح مسلم(93 - (969))]، وَهَذَا يَشْمَلُ تَحْرِيمَ كُلِّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّه بِنَاءٌ سَوَاءً كَانَ قُبَّةً أَوْ غَيْرَهَا. فَإِذَا كَانَ المَبْنِيُّ عَلَى القَبْرِ مَسْجِدًا فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَ التَّغْلِيظُ عَلَى فَاعِلِهِ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «لَعْنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»[صحيح البخاري(435)، ومسلم(22 - (531)]، وَفِيهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ».[صحيح البخاري(437)، ومسلم(20 - (530)]
أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ بِنَاءِ مَدْرَسَةٍ فِي مَقْبَرَةٍ قَدِيمَةٍ جِدًّا، نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَذَلِكَ جَعْلُهَا طَرِيقًا، أَوْ بِنَاءَ مَنْزِل فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ المُدَّةَ لَا تُعدُّ مُدَّةً تُسَوِّغُ وَصْفَ المَقْبَرَةِ بِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ جِدًّا.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ نَبْشُ القُبُورِ لِلْمَصْلَحَةِ أَوِ الحَاجَةِ ذَكَرَ فَقَهَاءُ المَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ صُورًا لِجَوَازِهِ تَرْجِعُ هَذِهِ الصُّوَرِ إِلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ:
المَعْنَى الأَوَّلُ: النَّبْشُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ لِلْأَحْيَاءِ أَوْ دَفْعِ الضُّرِّ عَنْهُمْ.
المََعْنَى الثَّانِي: النَّبْشُ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ المَيِّتِ أَوْ دَفْعِ الضُّرِّ عَنْهُ.
وَلَا فَرْقَ فِي النَّبْشِ بَيْنَ كَونِ المَقْبَرَةِ قَدِيمَةً أَوْ حَدِيثَةً، المُهِمُّ تَحْقِيقُ مُسَوِّغِ النَّبْشِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَفَرَّدَ بِهِ شَخْصٌ لَا سِيِّمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالمَصَالِحِ العَامَّةِ كَالطُرُقِ وَالأَبْنِيَةِ؛ إِذْ لَا بُدَّ أَنْ يُقَدِّرَ ذَلِكَ جِهَاتٌ مَوثُوقَةٌ مَسْؤُولَةٌ دَفْعًا لِلْفِتْنَةِ وَالفَسَادِ وَالاعْتِدَاءِ عَلَى حُرْمَةِ الأَمْوَاتِ.
أخوكم/
خالد المصلح
23/10/1424هـ