يُطْلِقُ البَعْضُ عَلَى مَنْ مَاتَ فِي المَعَارِكِ وَالحُرُوبِ وَالانْتِفَاضَاتِ اسمَ شَهِيدٍ، فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ وَمَا الدَّلِيلُ؟
خزانة الأسئلة / الجنائز / قولنا: فلان شهيد
يطلق البعض على مَن مات في المعارك والحروب والانتفاضات اسمَ شهيد، فهل يجوز ذلك؟ وما الدليل؟
السؤال
يُطْلِقُ البَعْضُ عَلَى مَنْ مَاتَ فِي المَعَارِكِ وَالحُرُوبِ وَالانْتِفَاضَاتِ اسمَ شَهِيدٍ، فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ وَمَا الدَّلِيلُ؟
يطلق البعض على مَن مات في المعارك والحروب والانتفاضات اسمَ شهيد، فهل يجوز ذلك؟ وما الدليل؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الشَّهِيدُ هُوَ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الكُفَّارِ مُقبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ وَكَانَ قِتَالُهُ لإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللِه تَعَالَى؛ وَلِهَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْهَدُ لِمُعَيَّنٍ بَأَنَّه شَهِيدٌ، وَلَوْ قَامَ بِهِ سَبَبُ الشَّهَادَةِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الوُقُوفَ عَلَى نِيَّتِهِ أَمْرٌ لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الوَحْيِ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ البُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - حَيْثُ قَالَ فِي إِحْدَى تَرَاجِمِ كِتَابِهِ: بَاب: لَا يُقَالُ فُلَانٌ شَهِيدٌ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكلَمُ فِي سَبِيلِهِ».
وَاسْتُدِلَّ لِهَذَا بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ (114)، مِنْ حَدِيثِ عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَومُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فُلانٌ شَهِيدٌ حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ابنَ الخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا المُؤْمِنُونَ»، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ: أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا المُؤْمِنُونَ». وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ (342) مِنْ طَرِيقِ أَبِي العَجْفَاءِ: سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: وَأُخْرَى تَقُولُونَهَا فِي مَغَازِيكُمْ: قُتِلَ فُلَانٌ شَهِيدًا، مَاتَ فُلَانٌ شَهِيدًا، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَوْقَرَ عَجُزَ دَابَّتِهِ، أو دَفَّ رَاحِلَتَهُ ذَهَبًا وَفِضَّةً يَبْتَغِي التِّجَارَةَ، فَلَا تَقُولُوا ذَاكُم، وَلَكُنْ قُولُوا كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ فِي الجَنَّةِ. وَقَدْ حَسَّنَهُ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ البَارِي (6/90).
وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى جَوَازِ إِطْلَاقِ وَصْفِ الشَّهِيدِ عَلَى مَنْ قَامَ بِهِ سَبَبُ الشَّهَادَةِ ظَاهِرًا إِلَّا إِذَا ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ الوَصْفِ كَأَنْ يَغُلَّ مِنَ الغَنِيمَةِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ هَذَا مُقْتَضَى إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا عَلَى الظَوَاهِرِ، وَأَنَّ الأَسْمَاءَ الشَّرْعِيَّةَ تَثْبُتُ لِأَهْلِهَا المَوْصُوفِينَ بِهَا ظَاهِرًا، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الآخِرَةِ فَذَاكَ عِلْمُهُ عِنْدَ رَبِّي. وَيَشْهَدُ لِهَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فِي قَولِهِمْ: فُلَانٌ شَهِيدٌ بِنَاءً عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ حَالِ أُولَئِكَ القَتْلَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَلَمَّا قَالُوهُ فِيمَنْ وُجِدَ فِيْهِ مَانِعٌ نَفَاهُ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُردَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ». وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَولِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَيْثُ أَنْكَرَهُ مَعَ احْتِمَالِ وُجُودِ المَانِعِ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنَّ يُوصَفَ مَنْ قَامَ بِهِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ بَأَنَّهُ شَهِيدٌ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَاللهُ يَتَولَّى السَّرَائِرَ، إِلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي عَدَمُ ابْتِذَالِ هَذَا الاسْمِ الشَّرْعِيِّ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى مَنْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْهُ، فَضْلًا عَمَّنْ لَمْ يُوجَدْ فِيْهِ سَبَبُهُ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
أخوكم/
خالد المصلح
16/02/1425هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الشَّهِيدُ هُوَ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الكُفَّارِ مُقبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ وَكَانَ قِتَالُهُ لإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللِه تَعَالَى؛ وَلِهَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْهَدُ لِمُعَيَّنٍ بَأَنَّه شَهِيدٌ، وَلَوْ قَامَ بِهِ سَبَبُ الشَّهَادَةِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الوُقُوفَ عَلَى نِيَّتِهِ أَمْرٌ لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الوَحْيِ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ البُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - حَيْثُ قَالَ فِي إِحْدَى تَرَاجِمِ كِتَابِهِ: بَاب: لَا يُقَالُ فُلَانٌ شَهِيدٌ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكلَمُ فِي سَبِيلِهِ».
وَاسْتُدِلَّ لِهَذَا بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ +++(114)---، مِنْ حَدِيثِ عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَومُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فُلانٌ شَهِيدٌ حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ابنَ الخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا المُؤْمِنُونَ»، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ: أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا المُؤْمِنُونَ». وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ +++(342)--- مِنْ طَرِيقِ أَبِي العَجْفَاءِ: سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: وَأُخْرَى تَقُولُونَهَا فِي مَغَازِيكُمْ: قُتِلَ فُلَانٌ شَهِيدًا، مَاتَ فُلَانٌ شَهِيدًا، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَوْقَرَ عَجُزَ دَابَّتِهِ، أو دَفَّ رَاحِلَتَهُ ذَهَبًا وَفِضَّةً يَبْتَغِي التِّجَارَةَ، فَلَا تَقُولُوا ذَاكُم، وَلَكُنْ قُولُوا كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ فِي الجَنَّةِ. وَقَدْ حَسَّنَهُ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ البَارِي +++(6/90)---.
وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى جَوَازِ إِطْلَاقِ وَصْفِ الشَّهِيدِ عَلَى مَنْ قَامَ بِهِ سَبَبُ الشَّهَادَةِ ظَاهِرًا إِلَّا إِذَا ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ الوَصْفِ كَأَنْ يَغُلَّ مِنَ الغَنِيمَةِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ هَذَا مُقْتَضَى إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا عَلَى الظَوَاهِرِ، وَأَنَّ الأَسْمَاءَ الشَّرْعِيَّةَ تَثْبُتُ لِأَهْلِهَا المَوْصُوفِينَ بِهَا ظَاهِرًا، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الآخِرَةِ فَذَاكَ عِلْمُهُ عِنْدَ رَبِّي. وَيَشْهَدُ لِهَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فِي قَولِهِمْ: فُلَانٌ شَهِيدٌ بِنَاءً عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ حَالِ أُولَئِكَ القَتْلَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَلَمَّا قَالُوهُ فِيمَنْ وُجِدَ فِيْهِ مَانِعٌ نَفَاهُ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُردَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ». وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَولِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَيْثُ أَنْكَرَهُ مَعَ احْتِمَالِ وُجُودِ المَانِعِ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنَّ يُوصَفَ مَنْ قَامَ بِهِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ بَأَنَّهُ شَهِيدٌ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَاللهُ يَتَولَّى السَّرَائِرَ، إِلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي عَدَمُ ابْتِذَالِ هَذَا الاسْمِ الشَّرْعِيِّ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى مَنْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْهُ، فَضْلًا عَمَّنْ لَمْ يُوجَدْ فِيْهِ سَبَبُهُ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
أخوكم/
خالد المصلح
16/02/1425هـ