الحَمدُ للهِ وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أِمَّا بَعْدُ:
خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ لعِبادَتِهِ، وجعَلَ في تَحقيقِ تِلْكَ العِبادةِ مَصالِحَ ومنافِعَ عَظيمَةً لا تُدرَكُ بفِعْلِ النَّائبِ. وقَدْ بيَّنَ اللهُ تَعالَى العِباداتِ تَأصِيلًا وتَفصِيلًا بَيانًا واضِحًا لا مَزيدَ عَلَيْهِ؛ لِذَلِكَ كانَ الأصْلُ في العِباداتِ التَّوقيفَ وبِناؤَها عَلَى الدَّليلِ. لهَذَا كلِّهِ فإنَّهُ لا يَجوزُ النِّيابةُ في شيءٍ مِنْ العِباداتِ إلَّا بدَليلٍ. وقَدْ دَلَّ الدَّليلُ عَلَى جَوازِ النِّيابةِ في حَجِّ الفَرْضِ حالَ عَجْزِ الإنسانِ عَنِ الحَجِّ بنَفْسِهِ، ففي "الصَّحيحَيْنِ" مِنْ حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ امْرَأةً جاءَتْ إلَى - النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَتْ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ فقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«نَعَمْ».
وكَذَلِكَ في قَضاءِ النَذْرِ عمَّنْ ماتَ قَبْلَ الوَفاءِ؛ ففي البُخاريِّ من حديثِ ابنِ عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - أنَّ امرأةً مِنْ جُهينةَ جاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فقالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذرَتْ أنْ تَحُجَّ، فلمْ تَحُجَّ حتَّى ماتَتْ، أَفَأحُجُّ عَنْها؟ قالَ: «نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللهَ، فَاللهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ».
وقَدِ اختَلفَ الفُقَهاءُ في استنابَةِ القادِرِ في غَيْرِ الفَرْضِ؛ فذهَبَ الحَنفيَّةُ إلَى الجَوازِ، وللمالِكيَّةِ قَوْلانِ: الأوَّلِ: الكَراهةُ. والثَّاني: المَنْعُ وَفْقًا للشَّافِعيَّةِ والحنابِلَةِ. والقَوْلُ بالمَنْعِ هُوَ الأصَحُّ؛ لعَدَمِ الدَّليلِ علَى جَوازِ نِيابَةِ القادِرِ، ولأنَّ الأصْلَ في العِباداتِ أنْ يأتِيَ بِها الإنسانُ عَنْ نَفسِهِ كما تَقدَّمَ بَدائعُ الصَّنائعِ 2/ 213-214، مَواهبُ الجليلِ (4/ 3)، (3/ 451)، رَوضَةُ الطالبِينَ (3/ 13)، مَنْحُ الجَليلِ 1 /449، مُغنِي المُحتاجِ 1/ 468-469، المُجموعُ شَرْحُ المُهذَّبِ 7/ 120، المُغنِي لابنِ قُدامَةَ 234. .
أخُوكم
خالِدُ الْمُصلِح
15/ 03/ 1425هـ