الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَالْأَصْلُ فِي التَّجَمُّلِ وَالتَّزَيُّنِ الْإِبَاحَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)+++ (الْأَعْرَافِ:32)--- ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ+++(91)--- مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ»، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَمَالَ مَحْبُوبٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ جَمَالَ الثِّيَابِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ»، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْفَوَائِدِ+++ صِ(184)---: "وَيَدْخُلُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ الْجَمَالُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ". وَمِمَّا لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّ جَمَالَ الْبَاطِنِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ جَمَالِ الصُّورَةِ وَالظَّاهِرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ مَا أَنْعَمَ بِهِ مِنْ لِبَاسِ الْبَدَنِ الَّذِي يَسْتُرُ الْعَوْرَاتِ وَيَحْصُلُ بِهِ جَمَالُ الظَّاهِرِ: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)+++ (الْأَعْرَافِ:26)---.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْعِنَايَةَ بِجَمَالِ الصُّورَةِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِلَّا أَنَّ حَاجَةَ النِّسَاءِ إلَيْهِ أَكْبَرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)+++ (اَلزُّخْرُفِ:18)--- وَلِذَلِكَ أَبَاحَ لَهُنَّ الشَّارِعُ مِنَ الزِّينَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَبَاحَ لِلرَّجُلِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَغَيْرِهِمَا.
أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ حُكْمِ عَمَلِ الْمُجمِّلَةِ وَأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ فَجَائِزٌ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَة، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)+++ (اَلْبَقَرَةِ:275)--- ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَرِهَ كَسْبَ الْمَاشِطَةِ، وَنَقَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنِ الْحَسَنِ تَحْرِيمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو غَالِبًا مِنْ حَرَامٍ أَوْ تَغْيِيرٍ لِخَلْقِ اللَّهِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي جَوَازُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ أُجْرَةً عَلَى تَجْمِيلِ مَحْرَمٍ كَالنَّمْصِ وَنَحْوِهِ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا كَوْنُ الْمَرْأَةِ قَدْ تَذْهَبُ إلَى مُحَرَّمٍ بِهَذِهِ الزِّينَةِ فَلَا تَخْلُو الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثِ أَحْوَالٍ:
الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ تَزَيُّنَهَا لمُحَرَّمٍ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُزَيِّنَهَا، وَمَا يَحْصُلُ مِنْ أُجْرَةٍ فَهُوَ حَرَامٌ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ تَزَيُّنَهَا لِمُبَاحٍ أَوْ مَشْرُوعٍ فَهُنَا عَمَلُهَا جَائِزٌ، وَمَا يَحْصُلُ مِنْ أَجْرٍ عَلَيْهِ فَهُوَ مُبَاحٌ.
الْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ تَزَيُّنَهَا لِمُحَرَّمٍ لَكِنْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهَا، فَهَذَا لَا يَجُوزُ أَيْضًا إنْزَالًا لِغَالِبِ الظَّنِّ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهَا فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
أخوكم/
خالد المصلح
07/09/1424هـ