الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَالنَّمْصُ هُوَ نَتْفُ الشَّعْرِ، وَيُقَالُ: تَنَمَّصَتِ الْمَرْأَةُ: أَخَذَتْ شَعْرَ جَبِينِهَا بِخَيْطٍ لِتَنْتِفَهُ، قَالَ الْفَرَّاءُ: النَّامِصَةُ الَّتِي تَنْتِفُ الشَّعْرَ مِنَ الْوَجْهِ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ(12/105): "وَالْمُتَنَمِّصَةُ مِنَ النَّمْصِ، وَهُوَ نَتْفُ الشَّعْرِ مِنَ الْوَجْهِ"، وَقَالَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ(4/781): "النَّمْصُ تَرْقِيقُ الْحَوَاجِبِ وَتَدْقِيقُهَا طَلَبًا لِتَحْسِينِهَا". وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ صِلَةِ الشَّعْرِ: "وَالنَّامِصَةُ الَّتِي تَنْقُشُ الْحَاجِبَ وَتُرِقُّهُ". وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ(2/437): "وَهِيَ الَّتِي تَنْتِفُ الشَّعْرَ مِنَ الْوَجْهِ".
أَمَّا فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ؛ فَعَرَّفَهُ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهُ: "نَتْفُ الشَّعْرِ مِنَ الْحَاجِبِ"، قَالَ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ(6/88): "وَالنَّامِصَةُ هِيَ الَّتِي تَنْقُصُ الْحَاجِبَ لِتُزَيِّنَهِ"، وَقَالَ فِي شَرْحِ فَتْحِ الْقَرِيبِ(6/426): "وَالنَّامِصَةُ هِيَ الَّتِي تَنْقُشُ الْحَاجِبَ لِتُرِقَّهُ"، وَقَالَ فِي الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِيِّ(2/314): "النَّامِصَةُ الَّتِي تُزِيلُ شَعْرَ بَعْضِ الْحَاجِبِ". وَكَذَا فِي حَاشِيَةِ الْعَدَوِي(2/599). قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ(3/146): "وَالنَّامِصَةُ الَّتِي تَأْخُذُ مِنْ شَعْرِ الْحَاجِبِ وَتُرَقِّقُهُ لِيَصِيرَ حَسَنًا". وَعَرَّفَهُ فُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَابْنُ حَزْمٍ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ بِأَنَّهُ: "نَتْفُ الشَّعْرِ مِنَ الْحَاجِبِ". قَالَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ(1/191): "وَالتَّنْمِيصُ وَهُوَ الْأَخْذُ مِنْ شَعْرِ الْوَجْهِ وَالْحَاجِبِ لِلْحُسْنِ". وَقَالَ فِي الزَّوَاجِرِ مِنِ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ(1/235): "وَهُوَ نَتْفُ شَعْرِ الْوَجْهِ". وَقَالَ فِي كشافِ الْقِنَاعِ(1/81): "وَهُوَ نَتْفُ الشَّعْرِ مِنَ الْوَجْهِ". وَقَالَ فِي الْقَوَانِينِ الْفِقْهِيَّةِ صِ(293): "التَّنَمُّصُ نَتْفُ الشَّعْرِ مِنْ وَجْهِهَا"، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (5/292): "الْمُتَنَمِّصَاتُ جَمْعُ مُتَنَمِّصَةٍ، وَهِيَ الَّتِي تَقْلعُ الشَّعْرَ مِنْ وَجْهِهَا".
أَمَّا كَوْنُ النُّمْصِ هُوَ نَتْفُ الشَّعْرِ مِنَ الْبَدَنِ كُلِّهِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ صَرِيحًا فِي كَلَامِ أَحَدٍ، إلَّا مَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ(1/630): "وَالنَّامِصَةُ هِيَ نَاتِفَةُ الشَّعْرِ تَتَحَسَّنُ بِهِ، وَأَهْلُ مِصْرَ يَنْتِفُونَ شَعْرَ الْعَانَةِ وَهُوَ مِنْهُ". وَقَدْ أَطْلَقَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْرِيفِ النِّمْصِ أَنَّهُ نَتْفُ الشَّعْرِ دُونَ تَحْدِيدٍ لِمَكَانِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي حَاشِيَتِهِ(6/373): "النَّمْصُ نَتْفُ الشَّعْرِ". وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي مَعْنَى النِّمْصِ أَنَّهُ نَتْفُ شَعْرِ الْحَاجِبِ، فَهَذَا هُوَ الْقَدْرُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ جَمِيعًا، أَمَّا مَا زَادَ فَهُوَ مَحَلُّ خِلَافٍ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلتَّرْجِيحِ فِي الدُّخُولِ وَالْمَنْعِ، فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْيَقِينِ أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ، فَيَكُونُ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجِبِ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا الْأُجْرَةُ عَلَى أَخْذِ الْحَاجِبِ وَنَتْفِهِ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ ؛ لِأَنَّ النَّمْصَ مُحَرَّمٌ، بَلْ هُوَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ النَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ»أخرجه البخاري (4886)، ومسلم (2125)، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَالنَّامِصَةُ هِيَ الَّتِي تَفْعَلُ ذَلِكَ.
أخوكم/
خالد المصلح
07/09/1424هـ