رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم عَادَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟»، قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، لَا تُطِيقُهُ، أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ، أَفَلَا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ؟»، قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ.
الَّذِي أَفْهَمُهُ مِنْ قَولِهِ: "مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ" هُوَ: إِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ عِقَابٍ فِي الآخِرَةِ، وَإِنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللهِ أَنَّ عَلَيهِ عذابًا فِي الآخِرَةِ، فَفِي الدُّنْيِا، وَعَلَيهِ.. أُشْكِلَ عَلَيَّ هَذَا الحَدِيثُ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ لِلذِّهْنِ أَنَّ طَلَبَ الرَّجُلِ مَنْطِقِيٌّ؛ إِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنَ العَذَابِ فَفِي الدُّنْيَا، فَمَعْلُومٌ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ بِكَثِيرٍ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي وَجْهُ إِنْكَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسِلَّمَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، إِنْ كَانَ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ – كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ – فِي الدُّنْيَا فَكَيفَ يَصْنَعُ فِي الآخِرَةِ؟ أيُرِيدُ مِنْهُ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ – أَنْ يَطْلُبَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَيُوَاجِهَ فِي الآخِرَةِ مَا لَا قِبَلَ لِمَخْلُوقٍ بِهِ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.