الحَمدُ لِلَّهِ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَلَى سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعالَى التَّوفيقُ:
وُجوبُ الكَفَّارةِ عَلَى المَرأةِ الَّتي يُجامِعُها زَوْجُها في نِهارِ رَمَضانَ وهِيَ مُطاوِعَةٌ راضيَةٌ للعُلَماءِ فِيهِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: أنَّ الكَفَّارةَ تَجِبُ عَلَيْها كما تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ؛ لأنَّ الأصْلَ أنَّ النِّساءَ شقائِقُ الرِّجالِ ما لم يَرِدْ دَليلُ التَّخصيصِ، وقَدْ قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- للرَّجُلِ الَّذي جامَعَ أهلَهُ في نَهارِ رَمَضانَ كما في الحَديثِ الَّذي رَواهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ عَن أبي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: «هَلْ تَجِدُ ما تُعتِقُ رَقبَةً؟» قالَ: لا. قالَ: «فهَلْ تَستَطيعُ أنْ تَصومَ شَهرَيْنِ مُتتابِعَيْنِ؟» قالَ: لا قالَ: «فهَلْ تَجِدُ ما تُطعِمُ سِتِّينَ مِسكينًا؟» قالَ: لا، ثُمَّ جلَسَ فأُتِي إلى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - بعرقٍ فِيهِ تَمْرٌ فقالَ: «تَصدَّقْ بهَذا» فقالَ: أعَلَى أفقَرَ مِنَّا؟ فما بَين لابتَيْها أهلُ بيتٍ أحوجُ إلَيْهِ مِنَّا، فضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أنيابُهُ. ثُمَّ قالَ: «اذهَبْ فأطعِمْهُ أهلَكَ». ولأنَّها انتَهَكَتْ حُرْمةَ الشَّهْرِ بالجِماعِ، ولأنَّها هتَكَتْ صَوْمَ رَمَضانَ بالجِماعِ فوجَبَتْ عَلَيْها الكَفَّارةُ كالرَّجُلِ، وبهَذا قالَ جُمهورُ العُلَماءِ مِنَ الحَنفيَّةِ والمالكيَّةِ والحنابِلَةِ وهُوَ أحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعيِّ.
الثَّاني: أنَّهُ لا كفَّارَةَ عَلَيْها؛ لأنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لم يُوجِبْ عَلَى امرأةِ الرَّجُلِ الَّذي قالَ: هَلَكتُ كفارَةً، مَعَ احتِمالِ أنَّها مُطاوِعةٌ راضيَةٌ، وقَدْ سُئلَ الإمامُ أحمدُ عمَّنْ أتَى أهلَهُ في نَهارِ رَمَضانَ أعلَيْها كفَّارَةٌ؟ فقالَ: ما سَمعْنا أنَّ عَلَى امرَأةٍ كفَّارةً.
وهَذا أحَدُ القَوْلَيْنِ عَنِ الإمامِ أحمدَ والشَّافعيِّ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ البصريُّ.
فكِلْتا الفَتوَيينِ قالَ بها بَعْضُ أهلِ العِلمِ، والَّذي يَترجَّحُ لي مِنْ هَذيْنِ القَوْلينِ هُوَ القَوْلُ بعَدَمِ وُجوبِ الكفَّارَةِ؛ إذ لو وَجبَتْ عَلَى المَرأةِ لبيَّنَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - للرَّجُلِ، فإنَّهُ مِنَ المَعلومِ أنَّ تَأخيرَ البَيانِ عَنْ وَقْتِ الحاجَةِ لا يَجوزُ.
واللهُ تَعالَى أعلَمُ.
وفَّقَنا اللهُ وإياكَ لِما يُحبُّهُ اللهُ ويَرضاهُ.
أخُوكُم/
خالِد المُصلِح
18/12/1424هـ