الحَمدُ لِلَّهِ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَنْ سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعالَى التَّوفيقُ:
لا يَجوزُ لوالِدِكُم إلزامُكُمْ بدَفْعِ هَذا المَبلَغِ؛ لأنَّ الأصلَ حُرمَةُ الأموالِ، وأنَّهُ لا يَحِلُّ مِنْها شَيءٌ إلَّا بطِيبِ نَفْسٍ مِنْ أَهلِها؛ لقَوْلِ اللهِ تَعالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النِّساءُ: 29]، ولقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ» وهُوَ في البُخاريِّ (1626) ومُسلِمٍ (99) مِنْ حَديثِ ابنِ عُمَرَ، وقَدْ رَواهُ البُخارِيُّ (1623) مِنْ حَديثِ ابنِ عَبَّاسٍ أيضًا، ومُسلِمٌ (2137) مِنْ حَديثِ جابِرٍ، وهُوَ في البُخاريِّ (65) ومُسلِمٍ (3179) مِنْ حَديثِ أبي بَكْرَةَ.
والأحاديثُ في ذَلِكَ كَثيرَةٌ، والإجماعُ مُنعَقِدٌ عَلَى ذَلِكَ، لكِنْ يَنبَغي أنْ يُعلَمَ أنَّ هَذا الأصلَ لا يُعارِضُهُ ما جاءَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أنَّهُ قالَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»؛ فإنَّ هَذا الحَديثَ قَدْ جاءَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ عَنْ عائشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، رَواهُ ابنُ حِبَّانَ في صَحيحِهِ، وعَنْ جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ في سُنَنِ ابنِ ماجَه (2282) مِنْ طَريق يُوسفَ بنِ إسحاقَ عَنْ مُحمدِ بنِ المُنكَدِرِ بِهِ، وفي مُسنَدِ أحمدَ (6608)، وابنِ ماجَه أيضًا (2283) مِنْ طَريقِ عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وقَدْ جاءَ أيضًا عَنْ جَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وهُوَ حَديثٌ صَحيحٌ يَدُلُّ عَلَى أنَّ للوالِدِ حَقًّا واختِصاصًا في مالِ ولدِهِ.
وقَدْ ذَهبَ الجُمهورُ أبو حَنيفَةَ ومالِكٌ والشَّافِعيُّ وغَيْرُهُم إلى أنَّ للوالِدِ أنَّ يأخُذَ مِنْ مالِ وَلدِهِ بقَدْرِ حاجَتِهِ؛ جَمْعًا بَيْنَ الحَديثِ وأدلَّةِ تَحريمِ المالِ.
وذَهبَ أحمدُ إلى أنَّهُ لا تُشتَرطُ الحاجَةُ لجَوازِ أخْذِ الوالِدِ مِنْ مالِ ولدِهِ؛ لكِنْ لا يَأخُذُ ما يُجحِفُ بالابنِ ولا ما يَضُرُّ بِهِ، ولا ما تَعلَّقَتْ بِهِ حاجَةُ الولَدِ، كما أنَّهُ لا يَجوزُ أنْ يأخُذَ مِنْ مالِ ولدِهِ ليُعطيَهُ ولَدًا آخَرَ؛ لأنَّهُ يُفضِي إلى تَفضيلِ بَعضِهِم عَلَى بَعْضٍ.
وعلى القَولَيْنِ؛ فإنَّ إلزامَ والدِكُم لكُمْ بهَذا المَبلَغِ غَيْرُ لازِمٍ لكُمْ؛ لأنَّهُ عَلَى قَوْلِ الجُمهورِ لا حاجَةَ لَهُ فِيهِ. وعَلَى القَوْلِ الثَّاني لا يَتملَّكُهُ، بَلْ يَلزَمُكُمُ التَّبرُّعُ لإخوانِكُم أو عائِلَتِكُم دُونَ وُجودِ سَببِ ذَلِكَ.
ولكِنْ مَعَ هَذا أرَى أنَّهُ إنْ كانَ دَفْعُ ذَلِكَ لا يُرهِقُكُم فالتَزِموا بِهِ إحسانًا وبِرًّا بأَبيكُم. واللهُ أعلَمُ.
أخوكم/
خالد المصلح
08/04/1425هـ