الحَمْدُ لِلهِ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِجَابَةً عَلَى سُؤَالِكَ نَقُولُ وَبِاللهِ تَعَالَى التَّوفِيْقُ:
الغِلّ الَّذِي تَسْأَلُ عَنْهُ هُوَ مَا يَكُونُ مِنْ أَثَرِ الخُصُومَاتِ الوَاقِعَةِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ فَإِنَّ الخُصُومَةَ تُورِثُ غَالِباً فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا شَيئاً، وَلمَّا كَانَتِ الجَنَّةُ طَيِّبةً لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا الطَّيِّبونَ فِإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُجَمِّلُ بَوَاطِنَهُمْ، وَهَذَا مِمَّا يُنعِمُ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى أَهْلِ الجَنَّةِ، كَمَا يُجَمِّلُ ظَوَاهِرَهُمْ، وَذَلِكَ بِنَزْعِ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ آثَارِ تِلْكَ الخُصُومَاتِ والمَظَالِمِ؛ رَوَى البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيْثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي المُتوكِّلِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا».[صحيح البخاري(2440)] وَهَذَا بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الغِلَّ سَبَبُهُ الخُصُومَاتُ والمَظَالِمُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا.
أَمَّا قَولُكَ: هَلْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حِقْدٌ وَغِلٌّ؟
فَالجَوَابُ: نَعَمْ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ المتقَدِّمَةُ، لَكِنْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ تَطْهِيرِهِمْ مِنْ كُلِّ غِلٍّ وَحَسَدٍ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِقُلُوبٍ سَلِيْمَةٍ مُتَحَابَّةٍ؛ وَلِذَا قَالَ اللهُ فِي وَصْفِ حَالِهِمْ فِي الجنَّةِ : {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47]، فَلَا يَبْقَى مِنْ ذَلِكَ الغِلِّ شَيءٌ {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}.
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُمَتِّعَنَا وَإِيَّاك بِالجَنَّةِ.