الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِجَابَةً عَنْ سُؤَالِك نَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: الرَّقِيقُ الْمَوْجُودُ الْآنَ لَا يُعْلَمُ عَنْ حَالِهِ وَلَا عَنْ كَوْنِهِ رَقِيقًا فِي الْأَصْلِ، فَاَلَّذِي نَسْمَعُهُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ بِالْخِدَاعِ وَاسْتِرْقَاقِ الْأَحْرَارِ، وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ أَمْرٍ فَإِنْ كَانَ هَذَا عِنْدَ الْكُفَّارِ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ يَجُوزُ شِرَاءُ الرَّقِيقِ مِنَ الْكَافِرِ، وَقَبُولُهُ هَدِيَّةً مِنْهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ هَدِيَّةَ مَلِكِ مِصْرَ لَمَّا أَهْدَى إلَيْهِ مَارِيَةَ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالتَّرَاجِمِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُعَامَلَاتِ الْحِلُّ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}سورة البقرة(275) ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ شِرَاءَ الرَّقِيقِ مِنَ الْكُفَّارِ قَدْ كَرِهَهُ عُمَرُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ(9/140) عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَشْتَرُوا رَقِيقَ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ خَرَاجٍ يُؤَدِّي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ.
أَمَّا عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ، وَأَقْرَبُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ1/133: "فَكَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُثْبِتْ لِرَقِيقِهِمْ أَحْكَامَ الرَّقِيقِ الَّتِي تَثْبُتُ لِرَقِيقِ الْمُسْلِمِ، وَعَلِمَ أَنَّهُمْ يَبِيعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَذَلِكَ لَا يُثْبِتُ الرِّقَّ حَقِيقَةً، فَمَنَعَ الْمُسْلِمَ مِنْ شِرَائِهِ احْتِيَاطًا..." ثُمَّ قَالَ: "وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَرِهَ لِلْمُسْلِمِ شِرَاءَهُمْ، وَقَالَ سَعِيدٌ: كَانَ قَتَادَةُ يَكْرَهُ أَنْ يُشْتَرَى مِنْ رَقِيقِهِمْ شَيْءٌ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ بِلَادِهِمْ زَنْجِيًّا أَوْ حَبَشِيًّا أَوْ خُرَاسَانِيًّا لَا يُبِيحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا". وَالْخُلَاصَةُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ لِعَدَمِ التَّأَكُّدِ مِنَ الرِّقِّ، فَمَنْ أَرَادَ الْأَخْذَ بِهَذَا الِاحْتِيَاطِ فَحَسَنٌ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الشِّرَاءِ، فَإِنْ تَحَقَّقْتَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّكَ أَنَّ مَا يُبَاعُ لَيْسَ بِرَقِيقٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِرْقَاقٌ لِلْأَحْرَارِ فَلَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ الشِّرَاءُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.