الحَمدُ لِلَّهِ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ.
أمَّا بَعْدُ.
فإجابَةً عَنْ سُؤالِكَ نَقُولُ وبِاللهِ تَعالَى التَّوْفيقُ:
لا خِلافَ بَيْنَ العُلَماءِ في مَشرُوعِيَّةِ الطَّهارةِ للطَّوافِ؛ وَقَدِ استَدلُّوا لِذَلِكَ بأدِلةٍ مِنْ أَمْثَلِها ما أَخبرَتْ بِهِ عَائِشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها، أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ شَيءٍ بَدَأَ بِهِ حِيْنَ قَدِمَ أنَّهُ تَوضَّأَ ثُمَّ طافَ بالبَيْتِ البُخَارِيُّ (1616)، وَمُسلِمٌ (3060).. لَكِنِ اختَلفَ العُلَماءُ في حُكْمِ الطَّهارَةِ للطَّوافِ؛ فَذَهَبَ الجُمهورُ إِلَى أنَّ الطَّهارَةَ شَرْطٌ لصِحَّةِ الطَّوافِ، وقَالَ الحَنَفِيَّةُ بِوُجوبِهِ، وَذَهبَ جَماعَةٌ مِنْ أهلِ العِلمِ إِلَى أَنَّ الطَّهارَةَ للطَّوافِ سُنَّةٌ، واخْتارَهُ ابْنُ تَيميَّةَ. ثُمَّ اختَلفُوا أيضًا فِيْما يَترتَّبُ عَلَى الحَدَثِ أثْناءَ الطَّوافِ؛ فذَهبَ المالِكيَّةُ والحنابِلَةُ إِلَى أنَّهُ إذا أحْدَثَ استَأنَفَ الطَّوافَ بَعْدَ التَطَهُّرِ؛ لأَنَّ الطهارةَ شَرْطٌ في الطَّوافِ، وقَدْ فاتَ فَوَجَبَ إعادَتُهُ كالصَّلاةِ. وفرَّقَ الحنابِلَةُ في رِوايةٍ بَيْنَ قاصِدِ الحَدَثِ وَبَيْنَ مَنْ سَبَقَهُ الحَدَثُ؛ فالقاصِدُ يَسْتَأنِفُ دُوْنَ مَنْ سَبَقَهُ الحَدَثُ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إذا أحْدَثَ خَرَجَ للوُضوءِ وَبَنَى عَلَى ما مَضَى مِنْ طَوافٍ.
والقائِلونَ بالبِناءِ اختَلفوا أَيَبْتدِئُ الشَّوطَ مِنْ أَوَّلِهِ أم مِنْ حَيْثُ قَطَعَهُ بالحَدَثِ؟ والأقْرَبُ أنَّهُ يَبْتَدِئُ الطَّوافَ إذا خَرَجَ للطَّهارةِ مِنْ حَيْثُ قَطَعَهُ، إلَّا إنْ طالَ الفاصِلُ باختِيارِهِ فحِينَئِذٍ يَستَأنِفُ؛ مُراعاةً للمُوالاةِ المُهذَّبُ 1/ 408، الذَّخيرةُ 3/ 249، المُغْنِي 3/ 343، 357، الخُرشيُّ في شَرْحِ مُختَصرِ خَليلٍ 2/ 313، بَدائِعُ الصَّنائِعِ 2/ 129، المَبْسوطُ 4 /38..