مَا حُكْمُ قِرَاءَةِ الحَائِضِ لِلْقُرآنِ بِنِيَّةِ الاسْتِشْفَاءِ؟ وَمَا حُكْمُ تَخْصِيْصِ قِرَاءَةِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِنِيَّةِ الشِّفَاءِ؟
خزانة الأسئلة / تفسير / قراءة الحائض للقرآن بنية الاستشفاء
ما حكم قراءة الحائض للقرآن بنية الاستشفاء؟ وما حكم تخصيص قراءة سورة البقرة في كل يوم بنية الشفاء؟
السؤال
مَا حُكْمُ قِرَاءَةِ الحَائِضِ لِلْقُرآنِ بِنِيَّةِ الاسْتِشْفَاءِ؟ وَمَا حُكْمُ تَخْصِيْصِ قِرَاءَةِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِنِيَّةِ الشِّفَاءِ؟
ما حكم قراءة الحائض للقرآن بنية الاستشفاء؟ وما حكم تخصيص قراءة سورة البقرة في كل يوم بنية الشفاء؟
الجواب
الحَمْدُ لِلهِ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِجَابَةً عَلَى سُؤَالِكَ نَقُولُ وَبِاللهِ تَعَالَى التَّوفِيْقُ:
بِالنِّسْبَةِ لِقِرَاءَةِ الحَائِضِ القُرآنَ، لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى أَنَّ الحَائِضَ لَا تَقْرَأُ شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ؛ لَا بِالمُبَاشَرَةِ، وَلَا بِالحِفْظِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، وَاسْتَدَلُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقْرَأِ الحَائِضُ، وَلَا الجُنُبُ شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ»[أخرجه الترمذي في سننه(131)]، وَهَذَا الحَدِيْثُ يُذْكَرُ فِي الاسْتِدْلَالِ عَلَى المَنْعِ، لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيْفٌ، بَلْ قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى ضَعْفِهِ. وَبِالتَّالِي إِذَا كَانَ ضَعِيْفاً -بِاتِّفَاقِ أَهْلِ المَعْرِفَةِ بِالحَدِيِثِ- فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ بِهَذَا الحَدِيْثِ، وَهُوَ قَولُ أَكْثَرِ العُلَمَاءِ فِي المَذَاهِبِ وَغَيْرِها.
وذَهَبَ الإِمَامُ مَالِكٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ وَاخْتِيَارُ البُخَارِيِّ، وَقَالَ بِهِ أَيْضاً شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ تَقْرَأَ الحَائِضُ القُرآنَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّ المُصْحَفَ، بِمَعْنَى: أَنْ تَقْرَأَ مِنْ حِفْظِهَا، أَوْ تَقْرَأَ مِنْ خِلَالِ الأَجْهِزَةِ الذَّكِيَّةِ؛ لِأَنَّ الأَجْهِزَةَ الذَّكِيَّةَ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ القُرآنِ، وَتَقْرَأُ بِالنَّظَرِ، وَتَقْرَأُ إِذَا وَضَعَتْ حَائِلاً فِي التَّعَامُلِ مَعَ المُصْحَفِ أَوْ لَبِسَتْ قُفَّازَينِ أَوْ مَا إِلَى ذَلِكَ فَلَا حَرَجَ، لَكِنَّهَا لَا تَقْرَأُ بمَسِّ المُصْحَفِ؛ لِحَدِيْثِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ حَزْمٍ فِي الكِتَابِ الَّذِي كَتَبَه لِأَهْلِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا يمَسُّ القُرآنَ إِلَّا طَاهِرٌ»[أخرجه البيهقي في شعب الإيمان(1935)، وقال الهيثمي:رواه الطبراني في الكبير والصغير ورجاله موثقون]، وَهَذَا الحَدِيْثُ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ كَمَا قَالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ إِلَّا أَنَّ تَلقِّي الأُمَّةِ لَهُ بِالقَبُولِ وَأَخْذَهُمْ لَهُ وَلِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ أَحْكَامٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمَسُّ القُرآنَ إِلَّا طَاهِرٌ، وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ.
وَذَهَبَ الإِمَامُ دَاودُ وَالظَّاهِرَيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ دَلِيْلٌ يَمْنَعُ مِن مَسِّ القُرآنِ، وَهَذَا هُوَ القَولُ الثَّانِي فِي المَسْأَلَةِ، وَاستَدَلُّوا بِأَنَّ الحَدِيثَ ضَعِيْفٌ، لَكِنَّ كَلَامَ ابنِ عَبْدِ البَرِّ فِي قَبُولِ الأُمَّةِ لِلحَدِيثِ، يُغْنِي عَنِ النَّظَرِ فِي إِسْنَادِهِ، كَمَا قَالَ رَحِمَهُ اللُه.
والرَّاجِحُ مِنَ القَوْلَيْنِ أَنْ يَحْتَرِزَ المُسْلِمُ مِن مَسِّ القُرآنِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، إلَّا إِذَا دَعَتْ إِلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ أَوِ اقْتَضَتْ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ فَذَاكَ لَهُ حُكْمٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبَاشِرَ الكِتَابَ، بَلْ يُمسِكُهُ مِنْ أَطْرَافِهِ، لَا مِنْ مَوضِعِ الكِتَابَةِ.
وَأَمَّا بِالنَّسْبَةِ لِسُورَةِ البَقَرَةِ فَأَخْذُهَا بَرَكَةٌ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيْثِ أَبِي أُمَامَةَ فِيْمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ: «اقرؤوا الزَّهراوَينِ: البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان كالغَيايَتَينِ أو السَّحابَتَينِ أو الفِرْقَينِ الصَّوافِّ تُظلَّان صاحبهما يوم القيامة»[صحيح مسلم(252 - (804)]، وَفِي رِوايَةٍ قَالَ: «اقْرؤوا البقرة، فإنَّ أخْذَها بركةٌ وتركَها حسرةٌ، ولا تستطيعها البَطَلَةُ»[صحيح مسلم(252 - (804))]، فَذَكَرَ أَنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَأَنَّ تَرْكَهَا حَسْرَةٌ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا، سَوَاءٌ تَرَكَ التِّلَاوَةَ، وَأَعْظَمُ مِنْهُ تَرْكُ الالْتِزَامِ بِمَا فِيْهَا مِنَ الأَحْكَامِ.
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَسْتَطِيْعُهَا البَطَلَةُ» البَطَلَةُ هُمُ السَّحَرَةُ، وَهَذَا لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ فِي حَلِّ السِّحْرِ.
وَأَمَّا كَوْنُ الشَّخْصِ يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمٍ فَهَذَا شَأْنُهُ، لَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ، فَهُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ نَقُولَ: هَذَا سُنَّةٌ وَمَشْرُوعٌ، وَبَيْنَ أَنْ نَقُولَ: هَذَا جَائِزٌ، وَبَيْنَ أَنْ نَقُولَ: هَذَا بِدْعَةٌ.
فَالبِدْعَةُ هِيَ إِحْدَاثُ شَيءٍ فَي الدِّيْنَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَهُوَ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَولاً أَوْ فِعْلاً أَوْ إِقْرَاراً، وَأَمَّا المُبَاحُ فَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ مَا دَلَّتْ الأَدِلَّةُ بِعُمُومِهَا عَلَى أَنَّهُ مِنَ المَشْرُوعَاتِ، أَوْ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي العُمُومِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ دَلِيْلٌ خَاصٌّ، وَيُمَثِّلُ لَهُ العُلَمَاءُ بِالتَّلبِيَاتِ التي كَانَ يُلَبِّي بِهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْمَعُهُم وَلا يُنْكِرُ عَلَيهِم وَلا يَمْنَعُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعَدَيْكَ وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، والرَّغْباءُ إِلَيكَ وَالعَمَلُ، لَبَيْكَ حَقًّا حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا. وَكَانَ يَسْمَعُهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ أَذْكَارٌ لَمْ يَقُلْهَا، وَلَمْ يَزِدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ: « لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ »[صحيح البخاري(1549)، ومسلم(21 - (1184) )]، وَفِي رِوَايةِ النَّسَائِيِّ: «لَبَّيْكَ إِلَهَ الحَقِّ»[2752 ]، لَكَنْ كَانَ يَسْمَعُ تَلْبِيَّاتٍ أُخْرَى وَلَمْ يُنْكِرْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مُبَاحَةٌ، لا تُوصَفُ بِأَنَّها سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهَا، وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ أَقَرَّ تَلْبِيَةً بِعَيْنِهَا حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ هَذِهِ التَّلْبِيَةَ أَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَكُونُ سُنَّةً إِقْرَارِيَّةً.
الحَمْدُ لِلهِ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِجَابَةً عَلَى سُؤَالِكَ نَقُولُ وَبِاللهِ تَعَالَى التَّوفِيْقُ:
بِالنِّسْبَةِ لِقِرَاءَةِ الحَائِضِ القُرآنَ، لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى أَنَّ الحَائِضَ لَا تَقْرَأُ شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ؛ لَا بِالمُبَاشَرَةِ، وَلَا بِالحِفْظِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، وَاسْتَدَلُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقْرَأِ الحَائِضُ، وَلَا الجُنُبُ شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ»+++[أخرجه الترمذي في سننه(131)]---، وَهَذَا الحَدِيْثُ يُذْكَرُ فِي الاسْتِدْلَالِ عَلَى المَنْعِ، لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيْفٌ، بَلْ قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى ضَعْفِهِ. وَبِالتَّالِي إِذَا كَانَ ضَعِيْفاً -بِاتِّفَاقِ أَهْلِ المَعْرِفَةِ بِالحَدِيِثِ- فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ بِهَذَا الحَدِيْثِ، وَهُوَ قَولُ أَكْثَرِ العُلَمَاءِ فِي المَذَاهِبِ وَغَيْرِها.
وذَهَبَ الإِمَامُ مَالِكٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيْفَةَ وَاخْتِيَارُ البُخَارِيِّ، وَقَالَ بِهِ أَيْضاً شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ تَقْرَأَ الحَائِضُ القُرآنَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّ المُصْحَفَ، بِمَعْنَى: أَنْ تَقْرَأَ مِنْ حِفْظِهَا، أَوْ تَقْرَأَ مِنْ خِلَالِ الأَجْهِزَةِ الذَّكِيَّةِ؛ لِأَنَّ الأَجْهِزَةَ الذَّكِيَّةَ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ القُرآنِ، وَتَقْرَأُ بِالنَّظَرِ، وَتَقْرَأُ إِذَا وَضَعَتْ حَائِلاً فِي التَّعَامُلِ مَعَ المُصْحَفِ أَوْ لَبِسَتْ قُفَّازَينِ أَوْ مَا إِلَى ذَلِكَ فَلَا حَرَجَ، لَكِنَّهَا لَا تَقْرَأُ بمَسِّ المُصْحَفِ؛ لِحَدِيْثِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ حَزْمٍ فِي الكِتَابِ الَّذِي كَتَبَه لِأَهْلِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا يمَسُّ القُرآنَ إِلَّا طَاهِرٌ»+++[أخرجه البيهقي في شعب الإيمان(1935)، وقال الهيثمي:رواه الطبراني في الكبير والصغير ورجاله موثقون]---، وَهَذَا الحَدِيْثُ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ كَمَا قَالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ إِلَّا أَنَّ تَلقِّي الأُمَّةِ لَهُ بِالقَبُولِ وَأَخْذَهُمْ لَهُ وَلِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ أَحْكَامٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمَسُّ القُرآنَ إِلَّا طَاهِرٌ، وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ.
وَذَهَبَ الإِمَامُ دَاودُ وَالظَّاهِرَيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ دَلِيْلٌ يَمْنَعُ مِن مَسِّ القُرآنِ، وَهَذَا هُوَ القَولُ الثَّانِي فِي المَسْأَلَةِ، وَاستَدَلُّوا بِأَنَّ الحَدِيثَ ضَعِيْفٌ، لَكِنَّ كَلَامَ ابنِ عَبْدِ البَرِّ فِي قَبُولِ الأُمَّةِ لِلحَدِيثِ، يُغْنِي عَنِ النَّظَرِ فِي إِسْنَادِهِ، كَمَا قَالَ رَحِمَهُ اللُه.
والرَّاجِحُ مِنَ القَوْلَيْنِ أَنْ يَحْتَرِزَ المُسْلِمُ مِن مَسِّ القُرآنِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، إلَّا إِذَا دَعَتْ إِلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ أَوِ اقْتَضَتْ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ فَذَاكَ لَهُ حُكْمٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبَاشِرَ الكِتَابَ، بَلْ يُمسِكُهُ مِنْ أَطْرَافِهِ، لَا مِنْ مَوضِعِ الكِتَابَةِ.
وَأَمَّا بِالنَّسْبَةِ لِسُورَةِ البَقَرَةِ فَأَخْذُهَا بَرَكَةٌ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيْثِ أَبِي أُمَامَةَ فِيْمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ: «اقرؤوا الزَّهراوَينِ: البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان كالغَيايَتَينِ أو السَّحابَتَينِ أو الفِرْقَينِ الصَّوافِّ تُظلَّان صاحبهما يوم القيامة»+++[صحيح مسلم(252 - (804)]---، وَفِي رِوايَةٍ قَالَ: «اقْرؤوا البقرة، فإنَّ أخْذَها بركةٌ وتركَها حسرةٌ، ولا تستطيعها البَطَلَةُ»+++[صحيح مسلم(252 - (804))]---، فَذَكَرَ أَنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَأَنَّ تَرْكَهَا حَسْرَةٌ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا، سَوَاءٌ تَرَكَ التِّلَاوَةَ، وَأَعْظَمُ مِنْهُ تَرْكُ الالْتِزَامِ بِمَا فِيْهَا مِنَ الأَحْكَامِ.
وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَسْتَطِيْعُهَا البَطَلَةُ» البَطَلَةُ هُمُ السَّحَرَةُ، وَهَذَا لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ فِي حَلِّ السِّحْرِ.
وَأَمَّا كَوْنُ الشَّخْصِ يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمٍ فَهَذَا شَأْنُهُ، لَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ، فَهُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ نَقُولَ: هَذَا سُنَّةٌ وَمَشْرُوعٌ، وَبَيْنَ أَنْ نَقُولَ: هَذَا جَائِزٌ، وَبَيْنَ أَنْ نَقُولَ: هَذَا بِدْعَةٌ.
فَالبِدْعَةُ هِيَ إِحْدَاثُ شَيءٍ فَي الدِّيْنَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَهُوَ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَولاً أَوْ فِعْلاً أَوْ إِقْرَاراً، وَأَمَّا المُبَاحُ فَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ مَا دَلَّتْ الأَدِلَّةُ بِعُمُومِهَا عَلَى أَنَّهُ مِنَ المَشْرُوعَاتِ، أَوْ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي العُمُومِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ دَلِيْلٌ خَاصٌّ، وَيُمَثِّلُ لَهُ العُلَمَاءُ بِالتَّلبِيَاتِ التي كَانَ يُلَبِّي بِهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْمَعُهُم وَلا يُنْكِرُ عَلَيهِم وَلا يَمْنَعُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعَدَيْكَ وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، والرَّغْباءُ إِلَيكَ وَالعَمَلُ، لَبَيْكَ حَقًّا حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا. وَكَانَ يَسْمَعُهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ أَذْكَارٌ لَمْ يَقُلْهَا، وَلَمْ يَزِدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ: « لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ »+++[صحيح البخاري(1549)، ومسلم(21 - (1184) )]---، وَفِي رِوَايةِ النَّسَائِيِّ: «لَبَّيْكَ إِلَهَ الحَقِّ»+++[2752 ]---، لَكَنْ كَانَ يَسْمَعُ تَلْبِيَّاتٍ أُخْرَى وَلَمْ يُنْكِرْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مُبَاحَةٌ، لا تُوصَفُ بِأَنَّها سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهَا، وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ أَقَرَّ تَلْبِيَةً بِعَيْنِهَا حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ هَذِهِ التَّلْبِيَةَ أَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَكُونُ سُنَّةً إِقْرَارِيَّةً.