ما شَهادَةُ الزُّورِ؟ وهَلْ تُبطِلُ الصَّوْمَ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.
وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.
ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر
على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004
من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا
بارك الله فيكم
إدارة موقع أ.د خالد المصلح
خزانة الأسئلة / الصوم / ما هي شهادة الزور؟ وهل تبطل الصوم؟
ما هي شهادة الزور؟ وهل تبطل الصوم؟
السؤال
ما شَهادَةُ الزُّورِ؟ وهَلْ تُبطِلُ الصَّوْمَ؟
ما هي شهادة الزور؟ وهل تبطل الصوم؟
الجواب
الحَمدُ لِلَّهِ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَلَى سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعَالَى التَّوفيقُ:
هَذا السُّؤالُ ذُو شِقَّيْنِ: الشِّقِّ الأوَّلِ يَتعَلَّقُ بحَقيقَةِ شَهادَةِ الزُّورِ.
فشَهادَةُ الزُّورِ: هِيَ الشَّهادَةُ بالباطِلِ، وهِيَ الإخْبارُ بخِلافِ الحَقِّ، وهَذا هُوَ المَعنَى العامُّ الَّذِي يَنتَظِمُ صُوَرَ شَهادَةِ الباطِلِ: أنْ تُخبِرَ بخِلافِ الحَقِّ، وإذا كانَ الإخْبارُ بخِلافِ الحَقِّ لجَلْبِ مَنْفَعةٍ لَكَ أو لغَيْرِكَ أو إيقاعِ مَضَرَّةٍ في الغَيْرِ فهُنا مَعانٍ لأسْبابِ أو بَواعِثِ شَهادَةِ الزُّورِ.
وشَهادَةُ الزُّورِ هِيَ مِنَ الأُمورِ الَّتِي طَهَّرَ اللهُ تَعَالَى المُؤمِنينَ مِنْها، فقالَ جَلَّ في عُلاهُ: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفُرْقَانُ: 72]، وشَهادَةُ الزُّورِ هُنا تَشْمَلُ شَهادَةَ الباطِلِ في الجُمْلَةِ، ومِنْ ذَلِكَ: حُضورُ مَواطِنِ الشَّرِّ والفَسادِ، وهَذا ما دلَّتْ عَلَيْهِ الآيَةُ.
وأمَّا ما يَتَّصِلُ بأثَرِ شَهادَةِ الزُّورِ عَلَى الصِّيامِ: فشَهادَةُ الزُّورِ هِيَ مِنْ أعظَمِ القَوْلِ بالزُّورِ، وقَدْ قالَ اللهُ -جَلَّ وعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البَقَرَةُ: 183] أي: لأجلِ أنْ تَتَقُوا، ومَعْلُومٌ أنَّ شَهادَةَ الزُّورِ مِمَّا يَخرُجُ بِهِ الإنْسانُ عَنْ حُدودِ التَّقوَى ويَنفَكُّ عَنْ خِصالِها.
وفي صَحيحِ البُخاريِّ مِنْ حَديثِ أبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- قالَ: «مَنْ لم يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ، فليْسَ لِلَّهِ حاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ»، وقَوْلُ الزُّورِ: هُوَ كُلُّ قَوْلٍ باطِلٍ، ومَنْ أوَّلَهُ شَهادَةُ الزُّورِ؛ فإنَّها تَدْخُلُ في قَوْلِ الزُّورِ الَّذِي قالَ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «مَنْ لم يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ فليْسَ لِلَّهِ حاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ»، ومَعنَى هَذا: أنَّ مَنْ لم يَدَعْ القَوْلَ الباطِلَ -ومِنْهُ شَهادَةُ الزُّورِ- فإنَّهُ لم يَأتِ بالمَقصودِ والغَرضِ مِنَ الصِّيامِ؛ لأنَّ المَقصودَ والغَرَضَ مِنَ الصِّيامِ هُوَ التَّوقِّي للشُّرورِ والفَسادِ، فـ«الصَّوْمُ جُنُّةٌ» كما قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- في حَديثِ أبِي هُرَيرَةَ، وكمَا قالَ اللهُ -جَلَّ وعَلا- في الآياتِ الَّتِي تَلَوْناها قَبْلَ قَليلٍ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البَقَرَةُ: 183].
وإذا كانَ الصِّائمُ قَدِ امتَنعَ عَنْ أكلٍ وشُربٍ وجِماعٍ، ثُمَّ أطلَقَ جَوارِحَهُ في المُحرَّماتِ الَّتِي تَحرُمُ عَلَيْهِ في كُلِّ وَقْتٍ، فإنَّهُ لم يُحقِّقِ الغَرَضَ والغايَةَ مِنَ الصَّوْمِ؛ إذِ الغَرَضُ والغايَةُ مِنَ الصَّوْمِ أنْ يمتَنِعَ الإنْسانُ مِمَّا حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، سَواءً كانَ ذَلِكَ مِمَّا يُباحُ لَهُ في وَقْتٍ ويَحرُمُ في وَقْتٍ أو مِنْ ما كانَ مُحرَّمًا -وهُوَ مِنْ بابِ أوْلَى- في كلِّ وَقْتٍ كالغِيبَةِ وشَهادَةِ الزُّورِ والكَذِبِ وسَماعِ المُحرَّماتِ والنَّظَرِ إلى المُحرَّماتِ وسائِرِ ما نَهَى اللهُ تَعالَى عَنْهُ، فإنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: «قولَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ» يَشمَلُ كُلَّ قَوْلٍ مُحرَّمٍ وكُلَّ عَمَلٍ مُحرَّمٍ.
وأمَّا تَأثيرُ هَذا عَلَى الصَّوْمِ فهُوَ يُنقِصُ الأجْرَ بلا شَكٍّ؛ لأنَّ مَن صامَ وحَفِظَ صَوْمَهُ ليْسَ كمَنْ صامَ وأسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بألوانِ المَعاصِي والسَّيئاتِ فإنَّهُ وَقَعَ في خِلافِ ما مِنْ أجْلِهِ شُرِعَ الصَّوْمُ.
وهل يَفسُدُ صَوْمُهُ بارتِكابِ المَعاصِي؟ جَماهيرُ عُلَماءِ الأُمَّةِ وعامَّةُ الفُقَهاءِ مِنْ أصحابِ المَذاهِبِ الأربَعَةِ عَلَى أنَّ ارتِكابَ المَعصيَةِ لا يُؤثِّرُ فَسادًا في الصَّوْمِ، فلا الغِيبةُ ولا النَّميمَةُ ولا السَّرِقَةُ ولا النَّظَرُ إلى المُحرَّماتِ ولا سَماعُ المُحرَّماتِ ولا أكْلُ المالِ بالباطِلِ، ولا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ المَنهيَّاتِ يُفسِدُ الصَّوْمَ، لكِنَّهُ يُنقِصُ الأجرَ بلا شَكٍّ ولا رَيْبٍ؛ لأنَّهُ لم يُحقِّقِ الغايَةَ مِنَ الصَّوْمِ.
وذَهَبَ الإمامُ ابنُ حَزْمٍ -رَحِمَهُ اللهُ- وطائِفَةٌ مِنْ أهلِ العِلمِ إلى أنَّ الصَّائِمَ إذا وَقَعَ في مَحظُورٍ مُحرَّمٍ إمَّا بفِعْلِ مُحرَّمٍ أو بتَرْكِ واجِبٍ؛ فإنَّ صِيامَهُ فاسِدٌ كما لو أكَلَ أو شَرِبَ، واستَدَلَّ لذَلِكَ بقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- كمَا في صَحيحِ البُخاريِّ مِنْ حَديثِ أبي هُرَيرَةَ: «مَنْ لم يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ، فليْسَ لِلَّهِ حاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ».
وهَلِ الذَّهابُ إلى مَواطِنِ المَعاصِي والمُنكَراتِ يَدخُلُ في قَوْلِ الزُّورِ؟
إذا كانَ ذَهابًا لشُهودِ هذِهِ المَعاصِي، فهُوَ مِنْ عَمَلِ الزُّورِ وليْسَ مِنْ قَوْلِ الزُّورِ؛ لأنَّ الذَّهابَ عَمَلٌ وليْسَ بقَوْلٍ، فهُوَ مِنْ عَمَلِ الزُّورِ لكِنَّهُ يَختَلِفُ، فإنْ ذَهَبَ لشُهودِهِ أو مُشارَكَتِهِ أو العَمَلِ فِيهِ، فكلُّهُ مِنْ عَمَلِ الزُّورِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ تَعالَى، وإنْ ذَهَبَ ليُغيِّرَ المُنكَرَ فهَذا مِنَ الطَّاعَةِ الَّتِي جَعَلَها اللهُ تَعالَى مِنْ أخَصِّ صِفاتِ المُؤمِنينَ، حَيْثُ قالَ - جَلَّ وعَلَا -: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ} [التَّوبَةُ: 71] يَعنِي: مَنِ اتَّصَفوا بهذِهِ الصِّفاتِ {سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ}، ولقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُم مُنْكَرًا فلْيُغيرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لم يَستَطِعْ فبلِسانِهِ، فإنْ لم يَستَطِعْ فبقَلْبِهِ، وذَلِكَ أضْعَفُ الإيمانِ» كمَا في الصَّحيحِ مِنْ حَديثِ أبي سَعيدٍ.
الحَمدُ لِلَّهِ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَلَى سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعَالَى التَّوفيقُ:
هَذا السُّؤالُ ذُو شِقَّيْنِ: الشِّقِّ الأوَّلِ يَتعَلَّقُ بحَقيقَةِ شَهادَةِ الزُّورِ.
فشَهادَةُ الزُّورِ: هِيَ الشَّهادَةُ بالباطِلِ، وهِيَ الإخْبارُ بخِلافِ الحَقِّ، وهَذا هُوَ المَعنَى العامُّ الَّذِي يَنتَظِمُ صُوَرَ شَهادَةِ الباطِلِ: أنْ تُخبِرَ بخِلافِ الحَقِّ، وإذا كانَ الإخْبارُ بخِلافِ الحَقِّ لجَلْبِ مَنْفَعةٍ لَكَ أو لغَيْرِكَ أو إيقاعِ مَضَرَّةٍ في الغَيْرِ فهُنا مَعانٍ لأسْبابِ أو بَواعِثِ شَهادَةِ الزُّورِ.
وشَهادَةُ الزُّورِ هِيَ مِنَ الأُمورِ الَّتِي طَهَّرَ اللهُ تَعَالَى المُؤمِنينَ مِنْها، فقالَ جَلَّ في عُلاهُ: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفُرْقَانُ: 72]، وشَهادَةُ الزُّورِ هُنا تَشْمَلُ شَهادَةَ الباطِلِ في الجُمْلَةِ، ومِنْ ذَلِكَ: حُضورُ مَواطِنِ الشَّرِّ والفَسادِ، وهَذا ما دلَّتْ عَلَيْهِ الآيَةُ.
وأمَّا ما يَتَّصِلُ بأثَرِ شَهادَةِ الزُّورِ عَلَى الصِّيامِ: فشَهادَةُ الزُّورِ هِيَ مِنْ أعظَمِ القَوْلِ بالزُّورِ، وقَدْ قالَ اللهُ -جَلَّ وعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البَقَرَةُ: 183] أي: لأجلِ أنْ تَتَقُوا، ومَعْلُومٌ أنَّ شَهادَةَ الزُّورِ مِمَّا يَخرُجُ بِهِ الإنْسانُ عَنْ حُدودِ التَّقوَى ويَنفَكُّ عَنْ خِصالِها.
وفي صَحيحِ البُخاريِّ مِنْ حَديثِ أبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- قالَ: «مَنْ لم يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ، فليْسَ لِلَّهِ حاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ»، وقَوْلُ الزُّورِ: هُوَ كُلُّ قَوْلٍ باطِلٍ، ومَنْ أوَّلَهُ شَهادَةُ الزُّورِ؛ فإنَّها تَدْخُلُ في قَوْلِ الزُّورِ الَّذِي قالَ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «مَنْ لم يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ فليْسَ لِلَّهِ حاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ»، ومَعنَى هَذا: أنَّ مَنْ لم يَدَعْ القَوْلَ الباطِلَ -ومِنْهُ شَهادَةُ الزُّورِ- فإنَّهُ لم يَأتِ بالمَقصودِ والغَرضِ مِنَ الصِّيامِ؛ لأنَّ المَقصودَ والغَرَضَ مِنَ الصِّيامِ هُوَ التَّوقِّي للشُّرورِ والفَسادِ، فـ«الصَّوْمُ جُنُّةٌ» كما قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- في حَديثِ أبِي هُرَيرَةَ، وكمَا قالَ اللهُ -جَلَّ وعَلا- في الآياتِ الَّتِي تَلَوْناها قَبْلَ قَليلٍ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البَقَرَةُ: 183].
وإذا كانَ الصِّائمُ قَدِ امتَنعَ عَنْ أكلٍ وشُربٍ وجِماعٍ، ثُمَّ أطلَقَ جَوارِحَهُ في المُحرَّماتِ الَّتِي تَحرُمُ عَلَيْهِ في كُلِّ وَقْتٍ، فإنَّهُ لم يُحقِّقِ الغَرَضَ والغايَةَ مِنَ الصَّوْمِ؛ إذِ الغَرَضُ والغايَةُ مِنَ الصَّوْمِ أنْ يمتَنِعَ الإنْسانُ مِمَّا حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، سَواءً كانَ ذَلِكَ مِمَّا يُباحُ لَهُ في وَقْتٍ ويَحرُمُ في وَقْتٍ أو مِنْ ما كانَ مُحرَّمًا -وهُوَ مِنْ بابِ أوْلَى- في كلِّ وَقْتٍ كالغِيبَةِ وشَهادَةِ الزُّورِ والكَذِبِ وسَماعِ المُحرَّماتِ والنَّظَرِ إلى المُحرَّماتِ وسائِرِ ما نَهَى اللهُ تَعالَى عَنْهُ، فإنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: «قولَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ» يَشمَلُ كُلَّ قَوْلٍ مُحرَّمٍ وكُلَّ عَمَلٍ مُحرَّمٍ.
وأمَّا تَأثيرُ هَذا عَلَى الصَّوْمِ فهُوَ يُنقِصُ الأجْرَ بلا شَكٍّ؛ لأنَّ مَن صامَ وحَفِظَ صَوْمَهُ ليْسَ كمَنْ صامَ وأسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بألوانِ المَعاصِي والسَّيئاتِ فإنَّهُ وَقَعَ في خِلافِ ما مِنْ أجْلِهِ شُرِعَ الصَّوْمُ.
وهل يَفسُدُ صَوْمُهُ بارتِكابِ المَعاصِي؟ جَماهيرُ عُلَماءِ الأُمَّةِ وعامَّةُ الفُقَهاءِ مِنْ أصحابِ المَذاهِبِ الأربَعَةِ عَلَى أنَّ ارتِكابَ المَعصيَةِ لا يُؤثِّرُ فَسادًا في الصَّوْمِ، فلا الغِيبةُ ولا النَّميمَةُ ولا السَّرِقَةُ ولا النَّظَرُ إلى المُحرَّماتِ ولا سَماعُ المُحرَّماتِ ولا أكْلُ المالِ بالباطِلِ، ولا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ المَنهيَّاتِ يُفسِدُ الصَّوْمَ، لكِنَّهُ يُنقِصُ الأجرَ بلا شَكٍّ ولا رَيْبٍ؛ لأنَّهُ لم يُحقِّقِ الغايَةَ مِنَ الصَّوْمِ.
وذَهَبَ الإمامُ ابنُ حَزْمٍ -رَحِمَهُ اللهُ- وطائِفَةٌ مِنْ أهلِ العِلمِ إلى أنَّ الصَّائِمَ إذا وَقَعَ في مَحظُورٍ مُحرَّمٍ إمَّا بفِعْلِ مُحرَّمٍ أو بتَرْكِ واجِبٍ؛ فإنَّ صِيامَهُ فاسِدٌ كما لو أكَلَ أو شَرِبَ، واستَدَلَّ لذَلِكَ بقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- كمَا في صَحيحِ البُخاريِّ مِنْ حَديثِ أبي هُرَيرَةَ: «مَنْ لم يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ، فليْسَ لِلَّهِ حاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ».
وهَلِ الذَّهابُ إلى مَواطِنِ المَعاصِي والمُنكَراتِ يَدخُلُ في قَوْلِ الزُّورِ؟
إذا كانَ ذَهابًا لشُهودِ هذِهِ المَعاصِي، فهُوَ مِنْ عَمَلِ الزُّورِ وليْسَ مِنْ قَوْلِ الزُّورِ؛ لأنَّ الذَّهابَ عَمَلٌ وليْسَ بقَوْلٍ، فهُوَ مِنْ عَمَلِ الزُّورِ لكِنَّهُ يَختَلِفُ، فإنْ ذَهَبَ لشُهودِهِ أو مُشارَكَتِهِ أو العَمَلِ فِيهِ، فكلُّهُ مِنْ عَمَلِ الزُّورِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ تَعالَى، وإنْ ذَهَبَ ليُغيِّرَ المُنكَرَ فهَذا مِنَ الطَّاعَةِ الَّتِي جَعَلَها اللهُ تَعالَى مِنْ أخَصِّ صِفاتِ المُؤمِنينَ، حَيْثُ قالَ - جَلَّ وعَلَا -: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ} [التَّوبَةُ: 71] يَعنِي: مَنِ اتَّصَفوا بهذِهِ الصِّفاتِ {سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ}، ولقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُم مُنْكَرًا فلْيُغيرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لم يَستَطِعْ فبلِسانِهِ، فإنْ لم يَستَطِعْ فبقَلْبِهِ، وذَلِكَ أضْعَفُ الإيمانِ» كمَا في الصَّحيحِ مِنْ حَديثِ أبي سَعيدٍ.