مَنْ نَوَى الاعتِكافَ في بَيْتِهِ هَلْ يُعَدُّ مُعْتَكِفًا كالمَريضِ مَثَلًا أو غَيْرِ ذَلِكَ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.
وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.
ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر
على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004
من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا
بارك الله فيكم
إدارة موقع أ.د خالد المصلح
خزانة الأسئلة / الصوم / الاعتكاف في البيت
من نوى الاعتكاف في بيته هل يعتبر معتكفاً كالمريض مثلاً أو غير ذلك؟
السؤال
مَنْ نَوَى الاعتِكافَ في بَيْتِهِ هَلْ يُعَدُّ مُعْتَكِفًا كالمَريضِ مَثَلًا أو غَيْرِ ذَلِكَ؟
من نوى الاعتكاف في بيته هل يعتبر معتكفاً كالمريض مثلاً أو غير ذلك؟
الجواب
الحَمدُ لِلَّهِ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَلَى سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعالَى التَّوفيقُ:
الاعتِكافُ بَيَّنَ اللهُ تَعالَى مَحلَّهُ في قَوْلِهِ: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البَقَرَةُ: 187]، ولهَذا يُعرِّفُ عُلَماءُ الإسْلامِ الاعتِكافَ: بأنَّهُ لُزومُ المَسجِدِ لطَاعَةِ اللهِ.
فالمَسجِدُ هُوَ الَّذِي يُعتَكَفُ فِيهِ، أمَّا البُيوتُ ولو كانَ فِيها مُصلَّياتٌ، ولو كانَ فِيها أماكِنُ للتَّعَبُّدِ فإنَّهُ لا يَصدُقُ عَلَى أنَّ المُلازِمَ لَها مُعتَكِفٌ، بالمَعنَى الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِ ما جاءَ في السُّنَّةِ مِنِ اعتِكافٍ، وما جاءَ في الكِتابِ مِنْ نَدْبِ الاعتِكافِ والثَّناءِ عَلَيْهِ، فلذَلِكَ لا يَصِحُّ الاعتِكافُ في مَساجِدِ البُيُوتِ، أي: المُصلَّياتُ الَّتِي تُعَدُّ، وهَذا قَوْلُ جَماهيرِ عُلَماءِ الأُمَّةِ، وقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أهلِ العِلمِ مِنَ الحَنَفيَّةِ إلى أنَّهُ يَصِحُّ اعتِكافُ المَرأَةِ في بَيْتِها، لكِنْ هَذا خِلافُ الظَّاهِرِ مِنْ عَمَلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وأصْحابِهِ، فإنَّهُ اعتَكفَ، واعتَكفَتْ أزْواجُهُ مِنْ بَعْدِهِ، بَلِ اعتَكفُوا في حَياتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فلَمَّا خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ ورَأَى أَخْبِيَةً في المَسجِدِ فقالَ: «ما هَذا؟ فقَالُوا: خِباءٌ لعائِشَةَ، خِباءٌ لزَيْنبَ، خِباءٌ لحفْصَةَ، فقالَ: آلبِرَّ يُردْنَ؟» يَعنِي: الَّذِي أنْكَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- تَسابُقَهُنَّ في أمْرٍ قَدْ لا يَكُونَ المَقصُودُ مِنْهُ البِرَّ، وإنَّما قَدْ يَكُونُ الَّذِي حَمَلَ عَلَى ذَلِكَ الفِعْلِ هُوَ التَّغايُرُ بَيْنَ الضَّرائِرِ والنِّساءِ.
فالمَقصُودُ أنَّ الاعتِكافَ إنَّما يَكُونُ في المَسجِدِ للرِّجالِ والنِّساءِ، ولا فَرْقَ في ذَلِكَ بَيْنَ رَجُلٍ وامْرَأَةٍ، والأصْلُ، استِواءُ الرِّجالِ والنِّساءِ في الأحْكامِ، لكِنْ هُنا نُنَبِّهُ أنَّ اعتِكافَ المَرأةِ يَنبَغِي أنْ يَكُونَ في مَكانٍ يَحصُلُ فِيهِ الأمْنُ مِنْ أنْ يَطَّلِعَ عَلَيْها مَنْ لا يَحِلُّ الاطِّلاعُ لَهُ عَلَى المَرْأةِ، كأنْ تَكُونَ مَثَلًا في مَكانٍ مَكشوفٍ ليْسَ فِيهِ خِباءٌ ولا فِيهِ ساتِرٌ تَأوِي إلَيْهِ فتَجِدُها تَضطجِعُ بَيْنَ النَّاسِ وتَنامُ بَيْنَ النَّاسِ، فهَذا في الحَقيقَةِ يُخالِفُ مَقصُودَ الشَّارِعِ مِنْ صِيانَةِ المَرأَةِ والبُعْدِ بِها عَنْ مَواطِنِ الفِتْنَةِ أنْ تَفتِنَ أو تُفتَنَ، فلِهَذا يَنبَغِي مَراعَاةُ هَذا، فإذا لم يَكُنْ هُناكَ مَكانًا مُهيَّأً يَخُصُّ النِّساءَ ويُمكِنُ أنْ يَأتِينَ ما يُرِدْنَ مِنْ دُونِ اطِّلاعِ الأجانِبِ عَلَيْهِنَّ فالَّذِي أرَى أنَّها لا تَعتَكِفُ، وسيَكتُبُ اللهُ تَعالَى لَها أجْرَ نِيَّتِها ولو لم تَعتَكِفْ، يَعنِي: إذا كانَتْ لا تَجِدُ مَكانًا إلَّا مِثْلَ هذِهِ الأماكِنِ المَكشوفَةِ، وفي رَغْبَتِها أنْ تَعتَكِفَ فنَقُولُ لَها: فُزْتِ بالأجْرِ ولو لم تَعْتَكِفي؛ لأنَّهُ في هذِهِ الحالِ لا يُمكِنُ تَحقيقُ الاعتِكافِ بصُورَةٍ تَصونُ المَرأَةَ مِنْ أنْ تَفتِنَ أو أنْ تُفتَنَ.
أيضًا يَنبَغِي أنْ يُلاحَظَ أنَّ الاعتِكافَ عِبادَةٌ وهِيَ مَسْنونَةٌ، لكِنْ إذا كانَ ذَلِكَ يُفضِي إلى تَضييعِ الحُقوقِ الواجِبَةِ مِنْ حُقوقِ الأزواجِ مَثَلًا بالنِّسْبَةِ للنِّساءِ، أو مِنْ حُقوقِ الزَّوجاتِ بالنِّسْبَةِ للرِّجالِ، أو مِنْ حُقوقِ الأولادِ، أو مِنَ الوَظائِفِ والواجِباتِ الَّتِي التَزَمَها الإنْسانُ؛ فهُنا يُقالُ لَهُ: مِنْ فِقْهِ مَراتِبِ العَمَلِ أنْ لا تُقَدِّمَ سُنَّةً عَلَى واجِبٍ، بَلِ الإجْماعُ مُنعَقِدٌ أنَّ أداءَ الواجِبِ أفْضَلُ عِنْدَ اللهِ تَعالَى مِنَ الاشتِغالِ بسُنَّةٍ تُضيِّعُ الواجِبَ، وأبرَزُ ما يُستَدَلُ بِهِ لهَذا ما في الصَّحيحِ مِنْ حَديثِ أبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- قالَ فِيما يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ: «وما تَقرَّبَ إليَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ»، ثُمَّ قالَ: «ولا يَزالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ»، فجِنْسُ الواجِبِ مُقدَّمٌ عَلَى جِنْسِ المَسْنونِ، ولذَلِكَ إذا كانَ اشتِغالُ الإنْسانِ بسُنَّةٍ يُفضِي إلى تَفْويتِ واجِبٍ، فإنَّ هَذا مِمَّا يَنبَغِي تَرْكُهُ والإعْراضُ عَنْهُ، فإذا كانَ الاعتِكافُ سيُؤدِّي إلى ضَياعِ الحُقوقِ والواجِباتِ أو التَّقصيرِ فِيها أو ما أشْبَهَ ذَلِكَ، فيَنبَغِي تَرْكُهُ في هذِهِ الحالِ وأداءُ ما وَجَبَ مِنَ الحُقوقِ والالتِزاماتِ.
الحَمدُ لِلَّهِ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَلَى سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعالَى التَّوفيقُ:
الاعتِكافُ بَيَّنَ اللهُ تَعالَى مَحلَّهُ في قَوْلِهِ: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البَقَرَةُ: 187]، ولهَذا يُعرِّفُ عُلَماءُ الإسْلامِ الاعتِكافَ: بأنَّهُ لُزومُ المَسجِدِ لطَاعَةِ اللهِ.
فالمَسجِدُ هُوَ الَّذِي يُعتَكَفُ فِيهِ، أمَّا البُيوتُ ولو كانَ فِيها مُصلَّياتٌ، ولو كانَ فِيها أماكِنُ للتَّعَبُّدِ فإنَّهُ لا يَصدُقُ عَلَى أنَّ المُلازِمَ لَها مُعتَكِفٌ، بالمَعنَى الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِ ما جاءَ في السُّنَّةِ مِنِ اعتِكافٍ، وما جاءَ في الكِتابِ مِنْ نَدْبِ الاعتِكافِ والثَّناءِ عَلَيْهِ، فلذَلِكَ لا يَصِحُّ الاعتِكافُ في مَساجِدِ البُيُوتِ، أي: المُصلَّياتُ الَّتِي تُعَدُّ، وهَذا قَوْلُ جَماهيرِ عُلَماءِ الأُمَّةِ، وقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أهلِ العِلمِ مِنَ الحَنَفيَّةِ إلى أنَّهُ يَصِحُّ اعتِكافُ المَرأَةِ في بَيْتِها، لكِنْ هَذا خِلافُ الظَّاهِرِ مِنْ عَمَلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وأصْحابِهِ، فإنَّهُ اعتَكفَ، واعتَكفَتْ أزْواجُهُ مِنْ بَعْدِهِ، بَلِ اعتَكفُوا في حَياتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فلَمَّا خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ ورَأَى أَخْبِيَةً في المَسجِدِ فقالَ: «ما هَذا؟ فقَالُوا: خِباءٌ لعائِشَةَ، خِباءٌ لزَيْنبَ، خِباءٌ لحفْصَةَ، فقالَ: آلبِرَّ يُردْنَ؟» يَعنِي: الَّذِي أنْكَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- تَسابُقَهُنَّ في أمْرٍ قَدْ لا يَكُونَ المَقصُودُ مِنْهُ البِرَّ، وإنَّما قَدْ يَكُونُ الَّذِي حَمَلَ عَلَى ذَلِكَ الفِعْلِ هُوَ التَّغايُرُ بَيْنَ الضَّرائِرِ والنِّساءِ.
فالمَقصُودُ أنَّ الاعتِكافَ إنَّما يَكُونُ في المَسجِدِ للرِّجالِ والنِّساءِ، ولا فَرْقَ في ذَلِكَ بَيْنَ رَجُلٍ وامْرَأَةٍ، والأصْلُ، استِواءُ الرِّجالِ والنِّساءِ في الأحْكامِ، لكِنْ هُنا نُنَبِّهُ أنَّ اعتِكافَ المَرأةِ يَنبَغِي أنْ يَكُونَ في مَكانٍ يَحصُلُ فِيهِ الأمْنُ مِنْ أنْ يَطَّلِعَ عَلَيْها مَنْ لا يَحِلُّ الاطِّلاعُ لَهُ عَلَى المَرْأةِ، كأنْ تَكُونَ مَثَلًا في مَكانٍ مَكشوفٍ ليْسَ فِيهِ خِباءٌ ولا فِيهِ ساتِرٌ تَأوِي إلَيْهِ فتَجِدُها تَضطجِعُ بَيْنَ النَّاسِ وتَنامُ بَيْنَ النَّاسِ، فهَذا في الحَقيقَةِ يُخالِفُ مَقصُودَ الشَّارِعِ مِنْ صِيانَةِ المَرأَةِ والبُعْدِ بِها عَنْ مَواطِنِ الفِتْنَةِ أنْ تَفتِنَ أو تُفتَنَ، فلِهَذا يَنبَغِي مَراعَاةُ هَذا، فإذا لم يَكُنْ هُناكَ مَكانًا مُهيَّأً يَخُصُّ النِّساءَ ويُمكِنُ أنْ يَأتِينَ ما يُرِدْنَ مِنْ دُونِ اطِّلاعِ الأجانِبِ عَلَيْهِنَّ فالَّذِي أرَى أنَّها لا تَعتَكِفُ، وسيَكتُبُ اللهُ تَعالَى لَها أجْرَ نِيَّتِها ولو لم تَعتَكِفْ، يَعنِي: إذا كانَتْ لا تَجِدُ مَكانًا إلَّا مِثْلَ هذِهِ الأماكِنِ المَكشوفَةِ، وفي رَغْبَتِها أنْ تَعتَكِفَ فنَقُولُ لَها: فُزْتِ بالأجْرِ ولو لم تَعْتَكِفي؛ لأنَّهُ في هذِهِ الحالِ لا يُمكِنُ تَحقيقُ الاعتِكافِ بصُورَةٍ تَصونُ المَرأَةَ مِنْ أنْ تَفتِنَ أو أنْ تُفتَنَ.
أيضًا يَنبَغِي أنْ يُلاحَظَ أنَّ الاعتِكافَ عِبادَةٌ وهِيَ مَسْنونَةٌ، لكِنْ إذا كانَ ذَلِكَ يُفضِي إلى تَضييعِ الحُقوقِ الواجِبَةِ مِنْ حُقوقِ الأزواجِ مَثَلًا بالنِّسْبَةِ للنِّساءِ، أو مِنْ حُقوقِ الزَّوجاتِ بالنِّسْبَةِ للرِّجالِ، أو مِنْ حُقوقِ الأولادِ، أو مِنَ الوَظائِفِ والواجِباتِ الَّتِي التَزَمَها الإنْسانُ؛ فهُنا يُقالُ لَهُ: مِنْ فِقْهِ مَراتِبِ العَمَلِ أنْ لا تُقَدِّمَ سُنَّةً عَلَى واجِبٍ، بَلِ الإجْماعُ مُنعَقِدٌ أنَّ أداءَ الواجِبِ أفْضَلُ عِنْدَ اللهِ تَعالَى مِنَ الاشتِغالِ بسُنَّةٍ تُضيِّعُ الواجِبَ، وأبرَزُ ما يُستَدَلُ بِهِ لهَذا ما في الصَّحيحِ مِنْ حَديثِ أبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- قالَ فِيما يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ: «وما تَقرَّبَ إليَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ»، ثُمَّ قالَ: «ولا يَزالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ»، فجِنْسُ الواجِبِ مُقدَّمٌ عَلَى جِنْسِ المَسْنونِ، ولذَلِكَ إذا كانَ اشتِغالُ الإنْسانِ بسُنَّةٍ يُفضِي إلى تَفْويتِ واجِبٍ، فإنَّ هَذا مِمَّا يَنبَغِي تَرْكُهُ والإعْراضُ عَنْهُ، فإذا كانَ الاعتِكافُ سيُؤدِّي إلى ضَياعِ الحُقوقِ والواجِباتِ أو التَّقصيرِ فِيها أو ما أشْبَهَ ذَلِكَ، فيَنبَغِي تَرْكُهُ في هذِهِ الحالِ وأداءُ ما وَجَبَ مِنَ الحُقوقِ والالتِزاماتِ.