ما حُكْمُ استِعمالِ مَعْجُونِ الأسْنانِ في نَهَارِ رَمَضانَ؟
خزانة الأسئلة / الصوم / استعمال معجون الأسنان في نهار رمضان
ما حكم استعمال معجون الأسنان في نهار رمضان؟
السؤال
ما حُكْمُ استِعمالِ مَعْجُونِ الأسْنانِ في نَهَارِ رَمَضانَ؟
ما حكم استعمال معجون الأسنان في نهار رمضان؟
الجواب
الحَمدُ لِلَّهِ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَلَى سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعالَى التَّوفيقُ:
اللهُ - جَلَّ وعَلا - فَرَضَ الصِّيامَ لغَايَةٍ عُظْمَى فقالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البَقَرَةُ: 183]، فغَايَةُ الصَّوْمِ التَّقوَى، ومِنْ تَقْوَى اللهِ تَعالَى أنْ يَعرِفَ الإنْسانُ ما يَجِبُ عَلَيْهِ في هذِهِ العِبادَةِ الَّتِي هِيَ الصَّوْمُ، وما يَلْزَمُهُ مِنَ الأحْكامِ الَّتِي يُحقِّقُ بِها الصِّيامَ المُشُروعَ.
فالصَّوْمُ هُوَ الإمْساكُ عَنِ المُفطِّراتِ مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ، والأصْلُ في تَحديدِ المُفطِّراتِ وتَعيينِها راجِعٌ إلى كَلامِ اللهِ -عَزَّ وجَلَّ- وكَلامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فما عَدَّهُ اللهُ مُفطِّرًا فهُوَ مُفطِّرٌ، وما عَدَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- مُفطِّرًا فهُوَ مُفطِّرٌ، وقَدْ جاءَ ذِكْرُ أُصُولِ المُفطِّراتِ في كِتابِ اللهِ تَعالَى في قَوْلِهِ جَلَّ وعَلَا: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البَقَرَةُ: 187] يَعنِي: عَنْ هذِهِ الَّتِي أُبيحَتْ لَكُمْ لَيْلًا: الجِماعُ والأكْلُ والشُّرْبُ، فهذِهِ أُصُولُ المُفطِّراتِ. وما عَداها يَنبَغِي أنْ يَنْظُرَ في دَليلِ كَوْنِهِ مُفطِّرًا أو لا، فالاحِتياطُ أمْرٌ مُختلِفٌ عَنِ الجَزْمِ بالحُكْمِ بأنَّ الفِطْرَ حَصَلَ أم لم يَحصُلْ، فَسَدَ الصَّوْمُ أو لم يَفسُدْ. فيَنبَغِي الإحاطَةُ عِلْمًا بأنَّ المُفطِّراتِ لا يَثْبُتُ في شَيءٍ مِنَ الأشْياءِ أنَّهُ مُفطِّرٌ إلَّا بدَليلٍ، ولذَلِكَ الطِيبُ - مَثَلًا - والاغتِسالُ في الصِّيامِ وأشْياءُ كَثيرَةٌ يَسأَلُ عَنْها كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ يَنبَغِي أنْ يُبادِرَ بالسُّؤالِ: هَلْ هذِهِ مُفطِّرَةٌ أو لا؟
ما يَتَعلَّقُ بتَنظيفِ الأسْنانِ بالفُرشاةِ أو بالسِّواكِ: الأصْلُ كما ذَكَرْنا أنَّهُ لا يُقالُ في شَيءٍ أنَّهُ مُفطِّرٌ حَتَّى يَثْبُتَ الدَّليلُ، واستِعمالُ الفُرْشَةِ والسِّواكِ أيضًا ليْسَ هُناكَ دَليلٌ يَمنَعُهُ عَلَى الصَّائِمِ أو أنْ يَجعَلَهُ مُفطِّرًا، وبالتَّالِي يَجوزُ للصَّائِمِ أن يَستَعمِلَ السِّواكَ لتَنظيفِ أسْنانِهِ كما يَجوزُ أنْ يَستَعمِلَ فُرشاةَ المَعْجونِ لتَنْظيفِ أسْنانِهِ، لكِنْ فِيما كانَ رَطْبًا مِنَ السِّواكِ ولَهُ ماءٌ وما كانَ مِنَ المَعاجِينِ لَهُ نَفاذٌ وقُوَّةٌ، فيَنبَغِي الاحتِياطُ في وُصُولِ شَيءٍ إلى جَوْفِهِ مِنْ ذَلِكَ، لكِنَّ الاستِعمالَ في حَدِّ ذاتِهِ ليْسَ مُفطِّرًا، لكِنْ لو أنَّهُ تَطعَّمَ وبَلَعَ ما اجتَمَعَ في رِيقِهِ أو ما حَصَلَ مِنْ تَحلُّلٍ لهذِهِ المَوادِ في ريقِهِ، فهُنا يَكونُ أفطَرَ لا باستِعمالِ الفُرْشَةِ أو المَعجُونِ أو السِّواكِ، وإنَّما بابتِلاعِهِ ما يَنبَغِي أنْ يَحفَظَ صَوْمَهُ عَنْهُ، وبالتَّالي يَجوزُ للصَّائِمِ أنْ يَسْتَعمِلَ الفُرشَةَ والمَعجُونَ وسائِرَ مُنظِّفاتِ الفَمِ.
وهُناكَ إشْكالٌ يَذْكرُهُ بَعْضُ النَّاسِ، وهُوَ ما جاءَ في الصَّحيحِ مِنْ قَوْلِ النِّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: «لخَلوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعالَى مِنْ رِيحِ المِسْكِ» فيَقُولُ: إنَّ استِعمالَ السِّواكِ يُذهِبُ خَلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ، ولذَلِكَ كَرِهَ جَماعَةٌ مِنَ الفُقَهاءِ استِعمالَ السِّواكِ بَعْدَ الزَّوالِ، والصَّوابِ أنَّهُ لا صِلَةَ لخَلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ بتَنظيفِ أسْنانِهِ، فإنَّ خَلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ هُوَ ما يَخلُفُ جَوْفَ الصَّائِمِ مِنْ رائحَةٍ نِتاجَ فَراغِها، فهِيَ رائِحَةٌ مُنبَعِثةٌ مِنَ الجَوْفِ نَتيجَةَ فَراغِ الجَوْفِ مِنَ الطَّعامِ، لا مِنَ الأسْنانِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ بَقايَا الطَّعامِ سَواءٌ فِيما بَيْنَها أو عَلَيْها، وبالتَّالِي تَنتُجُ رائِحَةٌ غَيْرُ مُستَطابَةٍ، يَنبَغِي استِعمالُ السِّواكِ لإزالَتِها، لقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: «السِّواكُ مَطْهَرةٌ للفَمِ مَرْضاةٌ للرَّبِّ»، وقَدْ قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- في الصَّحيحَيْنِ مِنْ حَديثِ أبِي هُرَيرَةَ: «لَوْلا أنْ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بالسِّواكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ». فيَنبَغِي التَّفريقُ بَيْنَ خَلوفِ فَمِ الصَّائِمِ وبَيْنَ رائِحَةِ الفَمِ النَّاتِجَةِ عَنْ بَقايَا الطَّعامِ، فهذِهِ إزالَتُها ليْسَ لَهُ أثَرٌ ولا تَأثيرٌ في إذْهابِ خَلوفِ فَمِ الصَّائِمِ، وأمَّا الخَلوفُ فهُوَ شَيءٌ لا إرادَةَ للإنْسانِ فِيهِ.
وأَقولُ فِيما يَتَعلَّقُ بأسئِلَةِ الصَّائِمِينَ: جَيِّدٌ أنَّ الإنْسانَ يتَفَقَّهُ في دِينِهِ ويسْأَلُ عَمَّا أُشكِلَ عَلَيْهِ، وهَذا هُوَ الواجِبُ؛ لقَوْلِ اللهِ تَعالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النَّحْلُ: 43]، لكِنْ أُؤَكِّدُ عَلَى أمْرٍ مُهِمٍّ، وهُوَ أنَّنا كما نَعْتَنِي بالصُّوَرِ والأشْكالِ والظَّواهِرِ فيَنبَغِي أنْ نَعتَنِيَ بالمَقاصِدِ، يَعنِي: عِنْدَنا في الحَقيقَةِ اختِلالٌ في بَعْضِ الأُمُورِ، فنَجِدُ أنَّنا نَسْألُ عَنْ دَقائِقَ ونَتْرُكُ عَظائِمَ، فتَجِدُ مَثَلًا مَنْ يَسأَلُ عَنْ حُكْمِ استِعمالِ فُرْشَةِ المَعجُونِ، هَذا طَيِّبٌ ولا نَعيبُ السُّؤالَ، لكِنْ نَعيبُ إهْمالَ ما هُوَ أهَمُّ مِنْهُ وهُوَ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ لا يَسأَلُ عَنْ أثَرِ الغِيبَةِ عَلَى صَوْمِهِ، وأثَرِ النَّميمَةِ عَلَى صَوْمِهِ، وأثَرِ عُقُوقِ الوالِدَيْنِ عَلَى صَوْمِهِ، وأثَرِ تَرْكِ الصَّلاةِ عَلَى صَوْمِهِ، فهذِهِ الأعْمالُ الكَبيرَةُ يَغْفُلُ عَنْها كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ وليسَتْ مَحَلَّ اهتِمامٍ وسُؤالٍ، وإنَّما يَقتَصِرُ في الأسْئِلَةِ عَلَى: خَرَجَ مِنِّي دَمٌ فما تَأثيرُهُ عَلَى الصَّوْمِ؟ تَسَوَّكْتُ فما تَأثيرُهُ عَلَى الصَّوْمِ؟ وكُلُّ هَذا لا نُقلِّلُ مِنْ شَأنِهِ؛ لأنَّ التَّفَقُّهَ في الدِّينِ ليْسَ فِيهِ صَغيرٌ وكَبيرٌ، بَلْ يَسأَلُ عَنْ كُلِّ ما يَحتاجُ إلَيْهِ، لكِنْ أنا أَقُولُ: يَنبَغِي أنْ تَنْصَبَّ الاهتِماماتُ في الدَّرَجَةِ الأُولَى إلى الأُمُورِ الواضِحَةِ البَيِّنَةِ، فالغِيبةُ لا شَكَّ أنَّها مِنْ كبائِرِ الذُّنُوبِ وعَظائِمِ الإثْمِ، وكذَلِكَ النَّميمَةُ وكذَلِكَ عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وكذَلِكَ الكِبْرُ والحَسَدُ والعُجْبُ والرِّياءُ، ونَحنُ نَغْفُلُ عَنْ هذِهِ وعَنْ أثَرِها في الصَّوْمِ، والنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- يَقولُ: «مَنْ لم يدعْ قولَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ فلَيْسَ لِلَّهِ حاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرابَهُ».
التَّنبِيهُ هُوَ أنَّهُ يَنبَغِي كما نَهتَمُّ بهذِهِ الأسْئِلَةِ عَنِ الدَّقائِقِ والأُمُورِ الصَّغيرَةِ، أنْ نَسألَ عَنْ عَظائِمِ الأُمُورِ وأنْ تَكُونَ مِنَّا عَلَى اهْتِمامِ حَتَّى عَلَى وَجْهِ التَّنْبِيهِ للنَّاسِ، فقَدْ يَسأَلُ الإنْسانُ وهُوَ عالِمٌ، لكِنْ مِثْلُ ما جاءَ جِبريلُ إلى النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- فسَأَلَهُ عَنِ الإسْلامِ والإيمانِ والإحْسانِ، انْظُرِ المَسائِلَ الكِبارَ، كُلَّها في قِمَّةِ المَسائِلِ أهميَّةً وتَأثيرًا، ثُمَّ قالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بَعْدَ أنْ مَضَى: «أتَدْرُونَ مَنِ السَّائِلِ؟ قَالُوا: اللهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ؟ قالَ: هَذا جِبْريلُ» هذا الرَّسُولُ المَلَكيُّ، «أتاكُمْ يُعَلِّمُكُم أمْرَ دِينِكُمْ»، فجَعَلَ السُّؤالَ وَسيلَةً مِنْ وَسائِلِ التَّعَلُّمِ.
أسْألُ اللهَ أنْ يَرْزقَنِي وإيَّاكُمُ الفِقْهَ في الدِّينِ، والبَصيرَةَ بِما يَنْفَعُنا، وأنْ يُعيذَنا مِنْ نَزَغاتِ الشَّياطِينِ.
الحَمدُ لِلَّهِ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَلَى سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعالَى التَّوفيقُ:
اللهُ - جَلَّ وعَلا - فَرَضَ الصِّيامَ لغَايَةٍ عُظْمَى فقالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البَقَرَةُ: 183]، فغَايَةُ الصَّوْمِ التَّقوَى، ومِنْ تَقْوَى اللهِ تَعالَى أنْ يَعرِفَ الإنْسانُ ما يَجِبُ عَلَيْهِ في هذِهِ العِبادَةِ الَّتِي هِيَ الصَّوْمُ، وما يَلْزَمُهُ مِنَ الأحْكامِ الَّتِي يُحقِّقُ بِها الصِّيامَ المُشُروعَ.
فالصَّوْمُ هُوَ الإمْساكُ عَنِ المُفطِّراتِ مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ، والأصْلُ في تَحديدِ المُفطِّراتِ وتَعيينِها راجِعٌ إلى كَلامِ اللهِ -عَزَّ وجَلَّ- وكَلامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فما عَدَّهُ اللهُ مُفطِّرًا فهُوَ مُفطِّرٌ، وما عَدَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- مُفطِّرًا فهُوَ مُفطِّرٌ، وقَدْ جاءَ ذِكْرُ أُصُولِ المُفطِّراتِ في كِتابِ اللهِ تَعالَى في قَوْلِهِ جَلَّ وعَلَا: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البَقَرَةُ: 187] يَعنِي: عَنْ هذِهِ الَّتِي أُبيحَتْ لَكُمْ لَيْلًا: الجِماعُ والأكْلُ والشُّرْبُ، فهذِهِ أُصُولُ المُفطِّراتِ. وما عَداها يَنبَغِي أنْ يَنْظُرَ في دَليلِ كَوْنِهِ مُفطِّرًا أو لا، فالاحِتياطُ أمْرٌ مُختلِفٌ عَنِ الجَزْمِ بالحُكْمِ بأنَّ الفِطْرَ حَصَلَ أم لم يَحصُلْ، فَسَدَ الصَّوْمُ أو لم يَفسُدْ. فيَنبَغِي الإحاطَةُ عِلْمًا بأنَّ المُفطِّراتِ لا يَثْبُتُ في شَيءٍ مِنَ الأشْياءِ أنَّهُ مُفطِّرٌ إلَّا بدَليلٍ، ولذَلِكَ الطِيبُ - مَثَلًا - والاغتِسالُ في الصِّيامِ وأشْياءُ كَثيرَةٌ يَسأَلُ عَنْها كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ يَنبَغِي أنْ يُبادِرَ بالسُّؤالِ: هَلْ هذِهِ مُفطِّرَةٌ أو لا؟
ما يَتَعلَّقُ بتَنظيفِ الأسْنانِ بالفُرشاةِ أو بالسِّواكِ: الأصْلُ كما ذَكَرْنا أنَّهُ لا يُقالُ في شَيءٍ أنَّهُ مُفطِّرٌ حَتَّى يَثْبُتَ الدَّليلُ، واستِعمالُ الفُرْشَةِ والسِّواكِ أيضًا ليْسَ هُناكَ دَليلٌ يَمنَعُهُ عَلَى الصَّائِمِ أو أنْ يَجعَلَهُ مُفطِّرًا، وبالتَّالِي يَجوزُ للصَّائِمِ أن يَستَعمِلَ السِّواكَ لتَنظيفِ أسْنانِهِ كما يَجوزُ أنْ يَستَعمِلَ فُرشاةَ المَعْجونِ لتَنْظيفِ أسْنانِهِ، لكِنْ فِيما كانَ رَطْبًا مِنَ السِّواكِ ولَهُ ماءٌ وما كانَ مِنَ المَعاجِينِ لَهُ نَفاذٌ وقُوَّةٌ، فيَنبَغِي الاحتِياطُ في وُصُولِ شَيءٍ إلى جَوْفِهِ مِنْ ذَلِكَ، لكِنَّ الاستِعمالَ في حَدِّ ذاتِهِ ليْسَ مُفطِّرًا، لكِنْ لو أنَّهُ تَطعَّمَ وبَلَعَ ما اجتَمَعَ في رِيقِهِ أو ما حَصَلَ مِنْ تَحلُّلٍ لهذِهِ المَوادِ في ريقِهِ، فهُنا يَكونُ أفطَرَ لا باستِعمالِ الفُرْشَةِ أو المَعجُونِ أو السِّواكِ، وإنَّما بابتِلاعِهِ ما يَنبَغِي أنْ يَحفَظَ صَوْمَهُ عَنْهُ، وبالتَّالي يَجوزُ للصَّائِمِ أنْ يَسْتَعمِلَ الفُرشَةَ والمَعجُونَ وسائِرَ مُنظِّفاتِ الفَمِ.
وهُناكَ إشْكالٌ يَذْكرُهُ بَعْضُ النَّاسِ، وهُوَ ما جاءَ في الصَّحيحِ مِنْ قَوْلِ النِّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: «لخَلوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعالَى مِنْ رِيحِ المِسْكِ» فيَقُولُ: إنَّ استِعمالَ السِّواكِ يُذهِبُ خَلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ، ولذَلِكَ كَرِهَ جَماعَةٌ مِنَ الفُقَهاءِ استِعمالَ السِّواكِ بَعْدَ الزَّوالِ، والصَّوابِ أنَّهُ لا صِلَةَ لخَلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ بتَنظيفِ أسْنانِهِ، فإنَّ خَلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ هُوَ ما يَخلُفُ جَوْفَ الصَّائِمِ مِنْ رائحَةٍ نِتاجَ فَراغِها، فهِيَ رائِحَةٌ مُنبَعِثةٌ مِنَ الجَوْفِ نَتيجَةَ فَراغِ الجَوْفِ مِنَ الطَّعامِ، لا مِنَ الأسْنانِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ بَقايَا الطَّعامِ سَواءٌ فِيما بَيْنَها أو عَلَيْها، وبالتَّالِي تَنتُجُ رائِحَةٌ غَيْرُ مُستَطابَةٍ، يَنبَغِي استِعمالُ السِّواكِ لإزالَتِها، لقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: «السِّواكُ مَطْهَرةٌ للفَمِ مَرْضاةٌ للرَّبِّ»، وقَدْ قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- في الصَّحيحَيْنِ مِنْ حَديثِ أبِي هُرَيرَةَ: «لَوْلا أنْ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بالسِّواكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ». فيَنبَغِي التَّفريقُ بَيْنَ خَلوفِ فَمِ الصَّائِمِ وبَيْنَ رائِحَةِ الفَمِ النَّاتِجَةِ عَنْ بَقايَا الطَّعامِ، فهذِهِ إزالَتُها ليْسَ لَهُ أثَرٌ ولا تَأثيرٌ في إذْهابِ خَلوفِ فَمِ الصَّائِمِ، وأمَّا الخَلوفُ فهُوَ شَيءٌ لا إرادَةَ للإنْسانِ فِيهِ.
وأَقولُ فِيما يَتَعلَّقُ بأسئِلَةِ الصَّائِمِينَ: جَيِّدٌ أنَّ الإنْسانَ يتَفَقَّهُ في دِينِهِ ويسْأَلُ عَمَّا أُشكِلَ عَلَيْهِ، وهَذا هُوَ الواجِبُ؛ لقَوْلِ اللهِ تَعالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النَّحْلُ: 43]، لكِنْ أُؤَكِّدُ عَلَى أمْرٍ مُهِمٍّ، وهُوَ أنَّنا كما نَعْتَنِي بالصُّوَرِ والأشْكالِ والظَّواهِرِ فيَنبَغِي أنْ نَعتَنِيَ بالمَقاصِدِ، يَعنِي: عِنْدَنا في الحَقيقَةِ اختِلالٌ في بَعْضِ الأُمُورِ، فنَجِدُ أنَّنا نَسْألُ عَنْ دَقائِقَ ونَتْرُكُ عَظائِمَ، فتَجِدُ مَثَلًا مَنْ يَسأَلُ عَنْ حُكْمِ استِعمالِ فُرْشَةِ المَعجُونِ، هَذا طَيِّبٌ ولا نَعيبُ السُّؤالَ، لكِنْ نَعيبُ إهْمالَ ما هُوَ أهَمُّ مِنْهُ وهُوَ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ لا يَسأَلُ عَنْ أثَرِ الغِيبَةِ عَلَى صَوْمِهِ، وأثَرِ النَّميمَةِ عَلَى صَوْمِهِ، وأثَرِ عُقُوقِ الوالِدَيْنِ عَلَى صَوْمِهِ، وأثَرِ تَرْكِ الصَّلاةِ عَلَى صَوْمِهِ، فهذِهِ الأعْمالُ الكَبيرَةُ يَغْفُلُ عَنْها كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ وليسَتْ مَحَلَّ اهتِمامٍ وسُؤالٍ، وإنَّما يَقتَصِرُ في الأسْئِلَةِ عَلَى: خَرَجَ مِنِّي دَمٌ فما تَأثيرُهُ عَلَى الصَّوْمِ؟ تَسَوَّكْتُ فما تَأثيرُهُ عَلَى الصَّوْمِ؟ وكُلُّ هَذا لا نُقلِّلُ مِنْ شَأنِهِ؛ لأنَّ التَّفَقُّهَ في الدِّينِ ليْسَ فِيهِ صَغيرٌ وكَبيرٌ، بَلْ يَسأَلُ عَنْ كُلِّ ما يَحتاجُ إلَيْهِ، لكِنْ أنا أَقُولُ: يَنبَغِي أنْ تَنْصَبَّ الاهتِماماتُ في الدَّرَجَةِ الأُولَى إلى الأُمُورِ الواضِحَةِ البَيِّنَةِ، فالغِيبةُ لا شَكَّ أنَّها مِنْ كبائِرِ الذُّنُوبِ وعَظائِمِ الإثْمِ، وكذَلِكَ النَّميمَةُ وكذَلِكَ عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وكذَلِكَ الكِبْرُ والحَسَدُ والعُجْبُ والرِّياءُ، ونَحنُ نَغْفُلُ عَنْ هذِهِ وعَنْ أثَرِها في الصَّوْمِ، والنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- يَقولُ: «مَنْ لم يدعْ قولَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ فلَيْسَ لِلَّهِ حاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرابَهُ».
التَّنبِيهُ هُوَ أنَّهُ يَنبَغِي كما نَهتَمُّ بهذِهِ الأسْئِلَةِ عَنِ الدَّقائِقِ والأُمُورِ الصَّغيرَةِ، أنْ نَسألَ عَنْ عَظائِمِ الأُمُورِ وأنْ تَكُونَ مِنَّا عَلَى اهْتِمامِ حَتَّى عَلَى وَجْهِ التَّنْبِيهِ للنَّاسِ، فقَدْ يَسأَلُ الإنْسانُ وهُوَ عالِمٌ، لكِنْ مِثْلُ ما جاءَ جِبريلُ إلى النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- فسَأَلَهُ عَنِ الإسْلامِ والإيمانِ والإحْسانِ، انْظُرِ المَسائِلَ الكِبارَ، كُلَّها في قِمَّةِ المَسائِلِ أهميَّةً وتَأثيرًا، ثُمَّ قالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بَعْدَ أنْ مَضَى: «أتَدْرُونَ مَنِ السَّائِلِ؟ قَالُوا: اللهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ؟ قالَ: هَذا جِبْريلُ» هذا الرَّسُولُ المَلَكيُّ، «أتاكُمْ يُعَلِّمُكُم أمْرَ دِينِكُمْ»، فجَعَلَ السُّؤالَ وَسيلَةً مِنْ وَسائِلِ التَّعَلُّمِ.
أسْألُ اللهَ أنْ يَرْزقَنِي وإيَّاكُمُ الفِقْهَ في الدِّينِ، والبَصيرَةَ بِما يَنْفَعُنا، وأنْ يُعيذَنا مِنْ نَزَغاتِ الشَّياطِينِ.