ما حُكْمُ تَحرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ، والجَزْمِ بأنَّها في لَيلَةٍ مُعيَّنَةٍ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.
وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.
ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر
على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004
من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا
بارك الله فيكم
إدارة موقع أ.د خالد المصلح
خزانة الأسئلة / الصوم / ما حكم تحري ليلة القدر، والجزم بأنها في ليلة معينة؟
ما حكم تحري ليلة القدر، والجزم بأنها في ليلة معينة؟
السؤال
ما حُكْمُ تَحرِّي لَيْلَةِ القَدْرِ، والجَزْمِ بأنَّها في لَيلَةٍ مُعيَّنَةٍ؟
ما حكم تحري ليلة القدر، والجزم بأنها في ليلة معينة؟
الجواب
الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ، وأُصلِّي وأُسَلِّمُ عَلَى نَبيِّنا مُحمَّدٍ، وعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمَعِينَ.
أمَّا بَعْدُ:
فلا شكَّ أنَّ طَلَبَ لَيلَةِ القَدْرِ وتَحرِّيها أمْرٌ مَشْروعٌ، وهُوَ مِمَّا تَتَشوَّفُ إلَيْهِ نُفُوسُ المُؤمِنِينَ، وذَلِكَ أنَّ اللهَ -جَلَّ وعَلا- جَعَلَ في هذِهِ اللَّيلَةِ مِنَ الخَصائِصِ القَدريَّةِ والخَصائِصِ الشَّرعيَّةِ، ما يُوجِبُ نَشاطَ النُّفُوسِ لاستِقبالِ وتَطلُّبِ مُوافَقَةِ تِلْكَ اللَّيلَةِ المُباركَةِ، فاللهُ تَعالَى يَقولُ: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القَدْرُ: 1]، ثُمَّ يَقولُ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، وجاءَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيءٌ مِنَ البَيَانِ والتَّفصيلِ في مَنزِلَةِ هذِهِ اللَّيلَةِ فيَقولُ رَبُّنا: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، وهَذا المُتكَلِّمُ بِهِ هُوَ رَبُّ العالَمينَ، العالِمُ بفَضائِلِ الأزْمِنَةِ والأمكِنَةِ، {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.
ثُمَّ بَيَّنَ شَيئًا مِنْ خَصائِصِها الكَونيَّةِ فقالَ: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا}، وهُوَ جِبريلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} يَعنِي: بكُلِّ ما يَقضِيهِ ويُقدِّرُهُ اللهُ تَعالَى في هذِهِ الليلَةِ، {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.
فهذِهِ الليلَةُ الَّتِي تَبَوَّأتْ هَذا المَنزِلَ وهَذا المَكانَ، لا بُدَّ وأنْ تَتَشوَّفَ إلَيْها النُّفوسُ؛ ولذَلِكَ لا تَعْجَبُ أنْ تَتَعلَّقَ النُّفُوسُ بكُلِّ ما يَدُلُّ عَلَى هذِهِ الليلَةِ، لكِنْ يَنبَغِي التَّرشيدُ وعَدَمُ الجَزْمِ بأكثَرِ مِمَّا جاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ؛ فإنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - قالَ: «إني أُريتُ ليلَةَ القَدْرِ، وإنِّي أُنسيتُها» كما جاءَ ذَلِكَ في الصَّحيحَيْنِ مِنْ حَديثِ أبِي سَعيدٍ الخُدْريِّ، وعائشِةَ، وابنِ عَبَّاسٍ، وجماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ، يَدُلُّ هَذا أنَّ الرُّؤَى تَكونُ دَلالَةً عَلَى لَيلَةِ القَدْرِ، الصَّحابَةُ وهُمْ أفضَلُ جِيلٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - يَقولُ ابنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - كما في الصَّحيحَيْنِ أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - قالَ: «أرَى رُؤياكُمْ قَدْ تَواطَأتْ عَلَى السَّبْعِ الأواخِرِ، فمَنْ كانَ مُتحرِّيها فليتَحرَّها في السَّبْعِ الأواخِرِ»، فمَعنَى هَذا: أنَّ الرُّؤَى كانَتْ كَثيرةً ومُتَعدِّدَةً ومُتباينَةً أيضًا، لكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - جَمَعَ تِلْكَ الرُّؤَى وحَصَرَها في السَّبْعِ الأواخِرِ، لكِنَّهُ لم يَجزِمْ بلَيلَةٍ.
والَّذِي نُشاهِدُهُ الآنَ هُوَ أنَّ بَعْضَ مَنْ يَرَى يَجزِمُ أو تُبعَثُ رَسائِلُ: العلاَّمةُ فُلان -كما هُوَ المَشهودُ- رَآها وهِيَ في الليلَةِ الفُلانيَّةِ. فلا سَبيلَ إلى الجَزْمِ بهذِهِ الطَّريقَةِ، النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم - والَّذينَ رَأَوْا هُم أشرَفُ الخَلْقِ وسَاداتُ الدُّنْيا بَعْدَ الأنْبياءِ، وهُمْ أصدَقُ النَّاسِ حَديثًا، وهُمُ الصَّحابَةُ ما جَزَمَ واحِدٌ مِنْهُمْ بالرُّؤيَا، بل قالَ: «أرَى رُؤيَاكُم قَدْ تَواطَأتْ»، يَعنِي: اتَّفقَتْ، فهَذا رَآها في سَبْعٍ وعِشرِينَ، وهَذا في خَمْسٍ وعِشرينَ، وهَذا تسعٍ وعِشرينَ، وهَذا ثلاثٍ وعِشرينَ، فَقَطْ في السَّبْعِ الأَواخِرِ، «فمَنْ كانَ مُتَحرِّيها فليَتَحرَّها في السَّبْعِ الأواخِرِ»، فيَنبِغِي الحِرْصُ عَلَى عَدَمِ الجَزْمِ.
وأنا أُنبِّهُ إخْوانِي إلى أنَّ الجَزْمَ سَيِّئاتُهُ أكثَرُ مِنْ مَنافعِهِ؛ لأنَّهُ تَأتيكَ اليَوْمَ رِسالَةُ: (لَيلَةِ القَدْرِ) تَنْشَط، وغَدًا تَضعُفُ، ثُمَّ تَأتيكَ رِسالةٌ أُخرَى فتَقولُ: أيُّهُما أُصدِّقُ هَذا أو ذاكَ؟ فيَنبَغِي عَدَمُ الدُّخولِ إلى هَذا المَجالِ، ونَكتَفِي بِما اكتَفَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ومَنْ يُقَدِّمُ لَنا النَّتيجَةَ؟ رَسُولُ اللهِ، يَقولُ: «أرَى رُؤيَاكُم قَدْ تَواطَأتْ في السَّبْعِ الأواخِرِ، فمَنْ كانَ مُتَحرِّيها فليَتَحرَّها في السَّبْعِ الأواخِرِ».
أخُوكُم
أ.د خالِد المُصلِح
الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ، وأُصلِّي وأُسَلِّمُ عَلَى نَبيِّنا مُحمَّدٍ، وعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمَعِينَ.
أمَّا بَعْدُ:
فلا شكَّ أنَّ طَلَبَ لَيلَةِ القَدْرِ وتَحرِّيها أمْرٌ مَشْروعٌ، وهُوَ مِمَّا تَتَشوَّفُ إلَيْهِ نُفُوسُ المُؤمِنِينَ، وذَلِكَ أنَّ اللهَ -جَلَّ وعَلا- جَعَلَ في هذِهِ اللَّيلَةِ مِنَ الخَصائِصِ القَدريَّةِ والخَصائِصِ الشَّرعيَّةِ، ما يُوجِبُ نَشاطَ النُّفُوسِ لاستِقبالِ وتَطلُّبِ مُوافَقَةِ تِلْكَ اللَّيلَةِ المُباركَةِ، فاللهُ تَعالَى يَقولُ: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القَدْرُ: 1]، ثُمَّ يَقولُ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، وجاءَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيءٌ مِنَ البَيَانِ والتَّفصيلِ في مَنزِلَةِ هذِهِ اللَّيلَةِ فيَقولُ رَبُّنا: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، وهَذا المُتكَلِّمُ بِهِ هُوَ رَبُّ العالَمينَ، العالِمُ بفَضائِلِ الأزْمِنَةِ والأمكِنَةِ، {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.
ثُمَّ بَيَّنَ شَيئًا مِنْ خَصائِصِها الكَونيَّةِ فقالَ: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا}، وهُوَ جِبريلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} يَعنِي: بكُلِّ ما يَقضِيهِ ويُقدِّرُهُ اللهُ تَعالَى في هذِهِ الليلَةِ، {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.
فهذِهِ الليلَةُ الَّتِي تَبَوَّأتْ هَذا المَنزِلَ وهَذا المَكانَ، لا بُدَّ وأنْ تَتَشوَّفَ إلَيْها النُّفوسُ؛ ولذَلِكَ لا تَعْجَبُ أنْ تَتَعلَّقَ النُّفُوسُ بكُلِّ ما يَدُلُّ عَلَى هذِهِ الليلَةِ، لكِنْ يَنبَغِي التَّرشيدُ وعَدَمُ الجَزْمِ بأكثَرِ مِمَّا جاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ؛ فإنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - قالَ: «إني أُريتُ ليلَةَ القَدْرِ، وإنِّي أُنسيتُها» كما جاءَ ذَلِكَ في الصَّحيحَيْنِ مِنْ حَديثِ أبِي سَعيدٍ الخُدْريِّ، وعائشِةَ، وابنِ عَبَّاسٍ، وجماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ، يَدُلُّ هَذا أنَّ الرُّؤَى تَكونُ دَلالَةً عَلَى لَيلَةِ القَدْرِ، الصَّحابَةُ وهُمْ أفضَلُ جِيلٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - يَقولُ ابنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - كما في الصَّحيحَيْنِ أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - قالَ: «أرَى رُؤياكُمْ قَدْ تَواطَأتْ عَلَى السَّبْعِ الأواخِرِ، فمَنْ كانَ مُتحرِّيها فليتَحرَّها في السَّبْعِ الأواخِرِ»، فمَعنَى هَذا: أنَّ الرُّؤَى كانَتْ كَثيرةً ومُتَعدِّدَةً ومُتباينَةً أيضًا، لكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - جَمَعَ تِلْكَ الرُّؤَى وحَصَرَها في السَّبْعِ الأواخِرِ، لكِنَّهُ لم يَجزِمْ بلَيلَةٍ.
والَّذِي نُشاهِدُهُ الآنَ هُوَ أنَّ بَعْضَ مَنْ يَرَى يَجزِمُ أو تُبعَثُ رَسائِلُ: العلاَّمةُ فُلان -كما هُوَ المَشهودُ- رَآها وهِيَ في الليلَةِ الفُلانيَّةِ. فلا سَبيلَ إلى الجَزْمِ بهذِهِ الطَّريقَةِ، النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم - والَّذينَ رَأَوْا هُم أشرَفُ الخَلْقِ وسَاداتُ الدُّنْيا بَعْدَ الأنْبياءِ، وهُمْ أصدَقُ النَّاسِ حَديثًا، وهُمُ الصَّحابَةُ ما جَزَمَ واحِدٌ مِنْهُمْ بالرُّؤيَا، بل قالَ: «أرَى رُؤيَاكُم قَدْ تَواطَأتْ»، يَعنِي: اتَّفقَتْ، فهَذا رَآها في سَبْعٍ وعِشرِينَ، وهَذا في خَمْسٍ وعِشرينَ، وهَذا تسعٍ وعِشرينَ، وهَذا ثلاثٍ وعِشرينَ، فَقَطْ في السَّبْعِ الأَواخِرِ، «فمَنْ كانَ مُتَحرِّيها فليَتَحرَّها في السَّبْعِ الأواخِرِ»، فيَنبِغِي الحِرْصُ عَلَى عَدَمِ الجَزْمِ.
وأنا أُنبِّهُ إخْوانِي إلى أنَّ الجَزْمَ سَيِّئاتُهُ أكثَرُ مِنْ مَنافعِهِ؛ لأنَّهُ تَأتيكَ اليَوْمَ رِسالَةُ: (لَيلَةِ القَدْرِ) تَنْشَط، وغَدًا تَضعُفُ، ثُمَّ تَأتيكَ رِسالةٌ أُخرَى فتَقولُ: أيُّهُما أُصدِّقُ هَذا أو ذاكَ؟ فيَنبَغِي عَدَمُ الدُّخولِ إلى هَذا المَجالِ، ونَكتَفِي بِما اكتَفَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ومَنْ يُقَدِّمُ لَنا النَّتيجَةَ؟ رَسُولُ اللهِ، يَقولُ: «أرَى رُؤيَاكُم قَدْ تَواطَأتْ في السَّبْعِ الأواخِرِ، فمَنْ كانَ مُتَحرِّيها فليَتَحرَّها في السَّبْعِ الأواخِرِ».
أخُوكُم
أ.د خالِد المُصلِح