الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ. وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُسَمِّي التَّمْوِيلَ قَرْضًا، وَهَذَا غَلَطٌ فِي الِاسْمِ؛ لِأَنَّ التَّمْوِيلَ يَخْتَلِفُ عَنِ الْقَرْضِ، فَالْقَرْضُ لَهُ أَحْكَامٌ تَخْتَلِفُ عَنِ التَّوَرُّقِ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، ثُمَّ يَبِيعَهَا إِلَى آخَرَ بِثَمَنٍ أَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ نَقْدًا، وَسُمِّيَتْ بِمَسْأَلَةِ التَّوَرُّقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْوَرَقُ (أَيْ: الْفِضَّةُ)، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ السِّلْعَةَ ذَاتَهَا. فَمَثَلًا لَا تَجُوزُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَلَوْ كَانَتْ يَسِيرَةً، هِلْلَةً أَوْ فِلْسًا أَوْ أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنَ الْمَالِ، فَإِذَا اقْتَرَضْتُ مِنْكَ أَلْفَ رِيَالٍ يَجِبُ أَنْ أَرُدَّهَا أَلْفَ رِيَالٍ، وَإِذَا اقْتَرَضْتُ مِنْكَ أَلْفَ دِينَارٍ يَجِبُ أَنْ أَرُدَّهَا أَلْفَ دِينَارٍ، وَإِذَا اقْتَرَضْتُ مِنْكَ أَلْفَ جُنَيْهٍ يَجِبُ أَنْ أَرُدَّهَا لَكَ أَلْفَ جُنَيْهٍ، لَوْ زِدْتُ شَيْئًا يَسِيرًا دَخَلْتُ فِي الرِّبَا الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [الْبَقَرَةِ:275]، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْوَعِيدِ الْوَارِدِ فِي آيَاتِ الرِّبَا، فَيَنْبَغِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ التَّمْوِيلِ وَبَيْنَ الْقَرْضِ.
وَالْوَاقِعُ أَنَّ التَّمْوِيلَ يَسْلُكُ مَسْلَكَيْنِ:
الْأَوَّلُ: تَمْوِيلٌ صَحِيحٌ عَنْ طَرِيقِ مُعَامَلَاتٍ صَحِيحَةٍ، يَتِمُّ فِيهَا بَيْعٌ وَشِرَاءٌ حَقِيقِيٌّ لِسِلْعَةٍ مُحَدَّدَةٍ يَمْتَلِكُهَا الْبَنْكُ؛ لِأَجْلِ تَحْقِيقِ صُورَةِ التَّوَرُّقِ الْمَأْذُونِ بِهِ شَرْعًا، فَهَذَا جَائِزٌ.
الثَّانِي: تَمْوِيلٌ يَسْلُكُ مَسَالِكَ التَّحَيُّلِ عَلَى الرِّبَا، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّمْوِيلِ الَّذِي فِيهِ تَحَيُّلٌ عَلَى الرِّبَا، كَمَا ذَكَرَ السَّائِلُ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ أَوْرَاقٍ يَتِمُّ التَّوْقِيعُ عَلَيْهَا، وَلَا يَدْرِي الشَّخْصُ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ فِيهَا، إِلَّا عَنِ الْمَبْلَغِ الَّذِي يَدْخُلُ فِي حِسَابِهِ كَأَلْفِ رِيَالٍ أَوْ أَلْفِ جُنَيْهٍ، ثُمَّ يَقُومُ بِرَدِّهِ بَعْدَ فَتْرَةٍ عَلَى أَقْسَاطٍ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ أَوْ أَلْفًا وَثَلَاثَ مِئَةٍ، فَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الْحِيلَةِ عَلَى الرِّبَا لَا يَجُوزُ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنَ الرِّبَا الصَّرِيحِ؛ لِأَنَّهُ خِدَاعٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَالَ: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النِّسَاءِ:142] ، وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى.
أخوكم
أ.د.خالد المصلح