هُل هُناكَ زَكاةٌ عَلَى الصَّناديقِ الاستِثمارِيَّةِ؟
خزانة الأسئلة / زكاة / زكاة على الصناديق الاستثمارية
هل هناك زكاة على الصناديق الاستثمارية؟
السؤال
هُل هُناكَ زَكاةٌ عَلَى الصَّناديقِ الاستِثمارِيَّةِ؟
هل هناك زكاة على الصناديق الاستثمارية؟
الجواب
الحَمدُ لِلَّهِ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَنْ سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعالَى التَّوفيقُ:
الصَّناديقُ الاسْتِثماريَّةُ.. الَّذِي يَملِكُهُ الإنْسانُ فِيها هُوَ وِحداتٌ، وبالتَّالي عَلَيْهِ أنْ يزُكِّيَ قِيْمةَ هذِهِ الوحداتِ، سَواءً كانَتْ هذِهِ الوحداتُ مُرتَفِعةً أم مُنخَفِضَةً، ولا فَرْقَ في ذلِكَ؛ لأنَّها في الحَقيقةِ عُروضُ تِجارةٍ تُبَاعُ وتُشْتَرى، وبالتَّالي فإنَّهُ لا يؤثِّرُ عَلَيْهِ أنَّها نَزلَتْ أو انخفَضَتْ قِيمَتُها بَعْدَ أنْ كانَتْ مُرتَفِعَةً، بَلْ إذا جاءَ يَوْمُ الزَّكاةِ فيَنظُرُ كَمْ لَهُ في الصُّندوقِ مِنْ مالٍ سَواءٌ عَنْ طَريقِ مَعرِفَةِ عَدَدِ الوَحداتِ، ثُمَّ يَعرِفُ كَمْ قِيمتَها، أو يَسأَلُهم بالاتِّصالِ عَلَى الصُّندُوقِ، فيَقولُ: كَمْ لي مِنَ المالِ، فيُزَكِّي وَفقَ ما يَملِكُهُ مِنْ مالٍ.
وهُنا مَسأَلَةٌ وهِيَ: هذِهِ الصَّناديقُ في الحَقيقةِ عَلَيْها مَسؤوليَّةٌ، فمَنْ يَتحمَّلُ مَسؤوليَّةَ خَسارةِ هذِهِ الصَّناديقِ؟
لا شَكَّ أنَّ البُنوكَ تتحمَّلُ مَسؤوليَّةً كُبْرَى في الخَسارَةِ الَّتِي أصابَتْ هذِهِ الصَّناديقَ؛ لأنَّ الدَّاخِلَ إلى سُوقِ الأَسْهُمِ صِنفانِ مِنَ النَّاسِ: صِنْفٌ دَخلَ السَّوقَ بنفسِهِ فيَبيعُ ويَشتَري مِنْ خِلالِ سُوقِ المالِ ويُباشِرُ ذَلِكَ بنَفسِهِ، فهَذا يَتحمَّلُ المَسؤوليَّةَ عمَّا يُصيبُهُ مِنْ خَسارةٍ، كما أنَّهُ يَجنِي ما يُصيبُهُ مِنَ الأَرباحِ، بحُكْمِ أنَّهُ هُوَ المُباشِرُ للعَمَلِ.
أمَّا أولَئِكَ الَّذينَ دَخَلوا مِنْ طَريقِ هَذِهِ الصَّناديقِ، وقَدْ أُشِيعَ ونُشِرَ وأُفْهِمَ الناسُ أنَّ هذِهِ الصَّناديقَ تُشكِّلُ نَوعًا مِنَ الأَمَانِ وتُشكِّلُ نَوعًا مِنَ الطَّمأنينَةِ للمُساهِمِ، أنَّهُ سيتَوقَّى ما يُمكِنُ أنْ يَكُونَ مِنْ مَخاطِرِ انخِفاضٍ في قِيمَةِ الأَسْهُمِ.
فالوَاقِعُ أنَّ هذِهِ الصَّناديقَ تَخلَّتْ عَنْ مَسْؤولياتِها، وأصبحَتْ لا تَختَلِفُ عَنْ ذاكَ المُساهِمِ الَّذِي يُساهِمُ في السُّوقِ بنَفسِهِ في تَعرُّضِهِ للخَسارَةِ والرِّبحِ، فهذِهِ الصَّناديقُ تَربَحُ في كُلِّ عَمليَّةِ بَيْعٍ؛ لأنَّها تأخُذُ عُمولَةً، وتأخُذُ عَلَى المُساهِمينَ أنْواعًا مِنَ العُمولاتِ، ثُمَّ هِيَ لا تَقومُ بمسؤولياتِها فِيما يَتعلَّقُ بِحفْظِ حُقوقِ النَّاسِ، بَلْ عَلَى هَذِهِ الصَّناديقِ مَسؤوليَّةٌ.
ويِجبُ عَلَى الجِهاتِ المَسؤولَةِ في وِزارَةِ الماليَّةِ وصُندوقِ النَّقْدِ أنْ يُلْزِمُوا هذِهِ الصَّناديقَ بتَعويضِ الناسِ بقَدْرِ ما حَصَلَ مِنْ تَفريطٍ في عَملِهِم، وعَدَمِ القِيامِ بتَأمينِ استِثماراتِ الناسِ؛ لأنَّ أموالَ الناسِ لَيسَتْ أمْرًا يَسيرًا وكَلأً مُباحًا لهذِهِ البُنوكِ، ولهذِهِ الصَّناديقِ أنْ تَعملَ فِيها ما تَشاءُ دُونَ أنْ تَحْفظَ ما توكَّلَتْ بِهِ وتعهَّدَتْ به وأَفْهَمَتِ الناسَ أنَّهُ نَوعٌ مِنَ الاستِثمارِ الآمِنِ.
فلمَّا نَزلَتِ الأسْهُمُ الآنَ، وأصبَحَتْ هذِهِ الصَّناديقُ تَقولُ: أنا مِثْلي مِثْلُ الناسِ؛ فهَذَا لَيْسَ بصَحيحٍ، فأيْنَ أنتُم لَمَّا دَعَوتُمُ النَّاسَ للإقبالِ عَلَى هذِهِ الصَّناديقِ، وبيَّنتُمْ أنَّكُم خِلالَ سَنَةٍ ضاعَفتُمُ الأرْباحَ، وأنَّ هَذَا استِثمارٌ آمِنٌ، وأنَّ هُناكَ لِجانًا وجِهاتٍ ومَسؤولينَ يَنتظِرونَ ويُتابِعونَ السَّوقَ، ويَتوقَّعونَ النُّزولَ ويـتَّقونَ المخاطِرَ؟!
ولكِنْ هذِهِ المَخاطِرُ جاءَتْ مُفاجِئةً، ولها أحكامٌ، لكنْ أنا أتكلَّمُ عَنِ النُّزولِ الَّذِي يَتتابَعُ ولَهُ نُذُرٌ ولَهُ مُقدِّماتٌ، فأيْنَ هُمْ؟ ولماذا لم يُبادِروا بتَأمينِ حُقوقِ الناسِ؟ وعَلَى أقلِّ الأحْوالِ: أنْ يُشْعِرُوا الناسَ بأنَّهُم مُقْبِلُونَ عَلَى خَسارَةٍ، فمَنْ شاءَ أنْ يَنسحِبَ فَليَنسحِبْ مُبَكرًا، لا أنْ يَبقَى حتَّى يَتورَّطَ، ثُمَّ لا يَستطيعُ أنْ يَخرُجَ، ولا يَستطيعُ أنْ يَبقَى، وهُوَ يَرَى هَذَا الانِحدارَ وهَذَا التَّدهْوُرَ في قِيمَةِ أسهُمِهِ وقِيمَةِ وِحداتِهِ.
وهَذَا نَموذَجٌ مِنَ النَّماذِجِ الَّتِي يَنبغِي للبُنوكِ أنْ تَتَّقيَ اللهَ تَعالَى فِيها، وأنْ تُعوِّضَ الناسِ عَلَى ما غرَّرَتْهُم.
فالسَّائِلُ يَقولُ: أنا خَسِرتُ ومُتعَبٌ، وهُوَ لم يَتَمكَّنْ مِنْ إبانَةِ كُلِّ ما عِنْدَهُ، لكِنْ هَؤُلاءِ ما ذَنبُهُم؟ فالبُنوكُ رابِحةٌ عَلَى كُلِّ حالٍ، يَعنِي: مَعَ النُّزولِ الحاصِلِ في هذِهِ الصَّناديقِ فالبُنوكُ لا تَتَسامَحُ ولا بجُزءٍ بَسيطٍ مِنَ العُمُولاتِ الَّتِي تَتَقاضَاها عَلَى بَيعِ هذِهِ الوِحداتِ، وما إلى ذَلِكَ مِمَّا يَجرِي مِنْ أوْجُهِ أَخْذِ عُمُولاتٍ، ولكِنْ أليْسَ لهَؤلاءِ حَقٌّ؟
فالواجِبُ عَلَى الجِهاتِ ذاتِ الاختِصاصِ مِنْ وِزارَةِ الماليَّةِ وصُندُوقِ النَّقدِ في البَلَدِ أنْ يَضرِبَ بحَزْمٍ عَلَى هذِهِ الصَّناديقِ، وأنْ يُطالِبَها بتَعويضِ الناسِ عمَّا جَرَى مِنْ تَغريرٍ.
ويَنبَغِي للناسِ أن يُفكِّرُوا في الدُّخولِ قَبْلَ الأسهُمِ، خاصَّةً وأنَّ الانهيارَاتِ مُتتابِعةٌ، فبَعْضُ الناسِ قَدْ يَبيعُ بَيتَهُ، وقَدْ يَقترِضُ مِنْ أحَدِ البُنوكِ، فيَنبَغِي أنْ يُفكِّرُوا مَليًّا قَبْلَ أنْ يَدفَعوا ريالًا واحِدًا في هذِهِ السُّوقِ، وهَذَا لا شَكَّ فِيهِ.
لكنْ نَحنُ الآنَ قَدْ وقَعَتِ المُشكِلَةُ، ونَحنُ الآنَ نَقولُ: تَداعياتُ هذِهِ المُشكِلَةِ طالَتْ أفرادًا كُثُرًا في المُجتَمَعِ، والوَاجِبُ تَعويضُهُم أو نَوعٌ مِنَ التَّطمينِ لَهُم، أو أَيُّ نَوعٍ مِنْ أنواعِ تَحميلِ المَسؤوليَّةِ للَّذينَ غَرَّرُوا بِهِم.
الجانِبُ الثَّانِي: ما يَتَعلَّقُ بالناسِ، فالناسُ في الحَقيقَةِ يَنسونَ، فلمَّا حَصلَ الانهيارُ الأوَّلُ انكَمَشَ الناسُ وذَهَبُوا وانجَفَلُوا عَنْ سُوقِ الأسْهُمِ، فلمَّا حَصلَ نَوعٌ مِنَ الانتِعاشِ في السُّوقِ ولو كان انتعاشًا جُزئيًّا، أقبَلَ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ ليَستَربِحُوا مِنْ هذِهِ السُّوقِ.
وترَى كَثيرًا مِنَ الناسِ لا يَزالُ إلى الآنَ مُغرَّرًا بِهِم، فإنَّ هُناكَ مَنْ يَستَفيدُ مِنَ التَّغريرِ بالناسِ ليُدْخِلَهُم في السُّوقِ ويَقولَ لَهُم: الأنْسَبُ أنْ تَشتَرُوا، ويُوهِمَهُم بِنَوعٍ مِنَ الارتِفاعِ، ثُمَّ يَبيعَ ويَحصُلَ ما يحَصُلُ مِنَ النَّقْصِ.
ولا شَكَّ أنَّ هذِهِ مَسؤوليَّةُ السُّوقِ ومَسؤوليةُ الجِهاتِ المُشرِفةِ؛ أنْ تَمنعَ هَذَا النَّوعَ مِنَ التَّغريرِ، وهذِهِ الحِمايَةُ واجِبَةٌ، وكُلُّكمْ راعٍ وكُلُّكُم مَسؤولٌ عَنْ رَعيتِهِ.
فلا شَكَّ أنَّ هَيئَةَ سُوقِ المالِ تَتَحمَّلُ مَسؤوليَّةً، ووِزارةَ الماليَّةِ تتحَمَّلُ مَسؤُوليَّةً، وكُلُّ هذِهِ الجِهاتِ ذاتِ الاختِصاصِ لا بُدَّ أنْ تطَّلِعَ عَلَى ما يَجرِي، وقَد يَكونُ هُناكَ نَوعٌ مِنَ التَّبصيرِ مِنْ قِبَلِ هذِهِ الجِهاتِ.
ولكِنَّ المَسألَةَ لا تَقتصَرُ عَلَى التَّنبِيهِ والتَّبصيرِ، وأنا عِنْدِي أنَّ هُناكَ آليةً أُخرَى غَيْرَ مَسألَةِ الكلامِ؛ لأنَّهُم يَملِكُونَ أدَواتٍ إجرائيَّةً وعمَلًا تَنفيذيًّا يَحمونَ بِهِ المُساهِمينَ، وهَذَا العَملُ هُوَ الَّذِي لم نَلمِسْهُ ولم يَلمسْهُ النَّاسُ في وَاقِعِ سُوقِ الأَسْهُمِ، لكِن فِيما يَتعلَّقُ بالتَّحذيرِ قَدْ يَكونُ تَحيُّرٌ هُنَا أو هُناكَ، وكلِماتٌ قَدْ تُنَبِّئُ بنَوعٍ مِنَ الحَذَرِ، لكِنْ أيضًا الحِسُّ العامُّ والفَهْمُ العامُّ الَّذِي يَصِلُ النَّاسَ هُوَ التَّغريرُ لا التَّحذيرُ، ولذَلِكَ يَنبَغِي أنْ تُمارِسَ هذِهِ الجِهاتُ دَوْرَها.
ويَنبِغي للنَّاسِ أنْ يَعُوا وأنْ يَستبصِرُوا وأنْ يَكتفُوا، فنَقولُ للَّذِي يُغامِرُ ويَبيعُ بَيْتَهُ ويَستأجِرُ، ثُمَّ يأتِي ويَبكِي: يداكَ أَوْكَتَا وفُوكَ نافِخٌ، أنتَ تَتحمَّلُ المَسؤوليَّةَ ولا تُلْقِ المَسؤوليَّةَ عَلَى الآخَرينَ، وهُم يَتحمَّلونَ مَسؤوليَّةً لكِنْ لا يَعنِي هَذَا أنَّ تُخلِي نفَسَكَ مِن المَسؤوليَّةِ.
وهُناكَ أحدُ ضَحايا هذِهِ الأسهُمِ، وهُوَ رَجلٌ كَبيرٌ في السنِّ، وكان لَديْهِ تَقريبًا مِليونَا رِيالٍ، والآنَ لَيْسَ لَدَيْهِ شَيءٌ، ويَسْكُنُ مَعَ ابنِهِ، ونَسألُ اللهَ أنْ يُخلِفَ عَلَيْهِ خَيرًا.
الحَمدُ لِلَّهِ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَنْ سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعالَى التَّوفيقُ:
الصَّناديقُ الاسْتِثماريَّةُ.. الَّذِي يَملِكُهُ الإنْسانُ فِيها هُوَ وِحداتٌ، وبالتَّالي عَلَيْهِ أنْ يزُكِّيَ قِيْمةَ هذِهِ الوحداتِ، سَواءً كانَتْ هذِهِ الوحداتُ مُرتَفِعةً أم مُنخَفِضَةً، ولا فَرْقَ في ذلِكَ؛ لأنَّها في الحَقيقةِ عُروضُ تِجارةٍ تُبَاعُ وتُشْتَرى، وبالتَّالي فإنَّهُ لا يؤثِّرُ عَلَيْهِ أنَّها نَزلَتْ أو انخفَضَتْ قِيمَتُها بَعْدَ أنْ كانَتْ مُرتَفِعَةً، بَلْ إذا جاءَ يَوْمُ الزَّكاةِ فيَنظُرُ كَمْ لَهُ في الصُّندوقِ مِنْ مالٍ سَواءٌ عَنْ طَريقِ مَعرِفَةِ عَدَدِ الوَحداتِ، ثُمَّ يَعرِفُ كَمْ قِيمتَها، أو يَسأَلُهم بالاتِّصالِ عَلَى الصُّندُوقِ، فيَقولُ: كَمْ لي مِنَ المالِ، فيُزَكِّي وَفقَ ما يَملِكُهُ مِنْ مالٍ.
وهُنا مَسأَلَةٌ وهِيَ: هذِهِ الصَّناديقُ في الحَقيقةِ عَلَيْها مَسؤوليَّةٌ، فمَنْ يَتحمَّلُ مَسؤوليَّةَ خَسارةِ هذِهِ الصَّناديقِ؟
لا شَكَّ أنَّ البُنوكَ تتحمَّلُ مَسؤوليَّةً كُبْرَى في الخَسارَةِ الَّتِي أصابَتْ هذِهِ الصَّناديقَ؛ لأنَّ الدَّاخِلَ إلى سُوقِ الأَسْهُمِ صِنفانِ مِنَ النَّاسِ: صِنْفٌ دَخلَ السَّوقَ بنفسِهِ فيَبيعُ ويَشتَري مِنْ خِلالِ سُوقِ المالِ ويُباشِرُ ذَلِكَ بنَفسِهِ، فهَذا يَتحمَّلُ المَسؤوليَّةَ عمَّا يُصيبُهُ مِنْ خَسارةٍ، كما أنَّهُ يَجنِي ما يُصيبُهُ مِنَ الأَرباحِ، بحُكْمِ أنَّهُ هُوَ المُباشِرُ للعَمَلِ.
أمَّا أولَئِكَ الَّذينَ دَخَلوا مِنْ طَريقِ هَذِهِ الصَّناديقِ، وقَدْ أُشِيعَ ونُشِرَ وأُفْهِمَ الناسُ أنَّ هذِهِ الصَّناديقَ تُشكِّلُ نَوعًا مِنَ الأَمَانِ وتُشكِّلُ نَوعًا مِنَ الطَّمأنينَةِ للمُساهِمِ، أنَّهُ سيتَوقَّى ما يُمكِنُ أنْ يَكُونَ مِنْ مَخاطِرِ انخِفاضٍ في قِيمَةِ الأَسْهُمِ.
فالوَاقِعُ أنَّ هذِهِ الصَّناديقَ تَخلَّتْ عَنْ مَسْؤولياتِها، وأصبحَتْ لا تَختَلِفُ عَنْ ذاكَ المُساهِمِ الَّذِي يُساهِمُ في السُّوقِ بنَفسِهِ في تَعرُّضِهِ للخَسارَةِ والرِّبحِ، فهذِهِ الصَّناديقُ تَربَحُ في كُلِّ عَمليَّةِ بَيْعٍ؛ لأنَّها تأخُذُ عُمولَةً، وتأخُذُ عَلَى المُساهِمينَ أنْواعًا مِنَ العُمولاتِ، ثُمَّ هِيَ لا تَقومُ بمسؤولياتِها فِيما يَتعلَّقُ بِحفْظِ حُقوقِ النَّاسِ، بَلْ عَلَى هَذِهِ الصَّناديقِ مَسؤوليَّةٌ.
ويِجبُ عَلَى الجِهاتِ المَسؤولَةِ في وِزارَةِ الماليَّةِ وصُندوقِ النَّقْدِ أنْ يُلْزِمُوا هذِهِ الصَّناديقَ بتَعويضِ الناسِ بقَدْرِ ما حَصَلَ مِنْ تَفريطٍ في عَملِهِم، وعَدَمِ القِيامِ بتَأمينِ استِثماراتِ الناسِ؛ لأنَّ أموالَ الناسِ لَيسَتْ أمْرًا يَسيرًا وكَلأً مُباحًا لهذِهِ البُنوكِ، ولهذِهِ الصَّناديقِ أنْ تَعملَ فِيها ما تَشاءُ دُونَ أنْ تَحْفظَ ما توكَّلَتْ بِهِ وتعهَّدَتْ به وأَفْهَمَتِ الناسَ أنَّهُ نَوعٌ مِنَ الاستِثمارِ الآمِنِ.
فلمَّا نَزلَتِ الأسْهُمُ الآنَ، وأصبَحَتْ هذِهِ الصَّناديقُ تَقولُ: أنا مِثْلي مِثْلُ الناسِ؛ فهَذَا لَيْسَ بصَحيحٍ، فأيْنَ أنتُم لَمَّا دَعَوتُمُ النَّاسَ للإقبالِ عَلَى هذِهِ الصَّناديقِ، وبيَّنتُمْ أنَّكُم خِلالَ سَنَةٍ ضاعَفتُمُ الأرْباحَ، وأنَّ هَذَا استِثمارٌ آمِنٌ، وأنَّ هُناكَ لِجانًا وجِهاتٍ ومَسؤولينَ يَنتظِرونَ ويُتابِعونَ السَّوقَ، ويَتوقَّعونَ النُّزولَ ويـتَّقونَ المخاطِرَ؟!
ولكِنْ هذِهِ المَخاطِرُ جاءَتْ مُفاجِئةً، ولها أحكامٌ، لكنْ أنا أتكلَّمُ عَنِ النُّزولِ الَّذِي يَتتابَعُ ولَهُ نُذُرٌ ولَهُ مُقدِّماتٌ، فأيْنَ هُمْ؟ ولماذا لم يُبادِروا بتَأمينِ حُقوقِ الناسِ؟ وعَلَى أقلِّ الأحْوالِ: أنْ يُشْعِرُوا الناسَ بأنَّهُم مُقْبِلُونَ عَلَى خَسارَةٍ، فمَنْ شاءَ أنْ يَنسحِبَ فَليَنسحِبْ مُبَكرًا، لا أنْ يَبقَى حتَّى يَتورَّطَ، ثُمَّ لا يَستطيعُ أنْ يَخرُجَ، ولا يَستطيعُ أنْ يَبقَى، وهُوَ يَرَى هَذَا الانِحدارَ وهَذَا التَّدهْوُرَ في قِيمَةِ أسهُمِهِ وقِيمَةِ وِحداتِهِ.
وهَذَا نَموذَجٌ مِنَ النَّماذِجِ الَّتِي يَنبغِي للبُنوكِ أنْ تَتَّقيَ اللهَ تَعالَى فِيها، وأنْ تُعوِّضَ الناسِ عَلَى ما غرَّرَتْهُم.
فالسَّائِلُ يَقولُ: أنا خَسِرتُ ومُتعَبٌ، وهُوَ لم يَتَمكَّنْ مِنْ إبانَةِ كُلِّ ما عِنْدَهُ، لكِنْ هَؤُلاءِ ما ذَنبُهُم؟ فالبُنوكُ رابِحةٌ عَلَى كُلِّ حالٍ، يَعنِي: مَعَ النُّزولِ الحاصِلِ في هذِهِ الصَّناديقِ فالبُنوكُ لا تَتَسامَحُ ولا بجُزءٍ بَسيطٍ مِنَ العُمُولاتِ الَّتِي تَتَقاضَاها عَلَى بَيعِ هذِهِ الوِحداتِ، وما إلى ذَلِكَ مِمَّا يَجرِي مِنْ أوْجُهِ أَخْذِ عُمُولاتٍ، ولكِنْ أليْسَ لهَؤلاءِ حَقٌّ؟
فالواجِبُ عَلَى الجِهاتِ ذاتِ الاختِصاصِ مِنْ وِزارَةِ الماليَّةِ وصُندُوقِ النَّقدِ في البَلَدِ أنْ يَضرِبَ بحَزْمٍ عَلَى هذِهِ الصَّناديقِ، وأنْ يُطالِبَها بتَعويضِ الناسِ عمَّا جَرَى مِنْ تَغريرٍ.
ويَنبَغِي للناسِ أن يُفكِّرُوا في الدُّخولِ قَبْلَ الأسهُمِ، خاصَّةً وأنَّ الانهيارَاتِ مُتتابِعةٌ، فبَعْضُ الناسِ قَدْ يَبيعُ بَيتَهُ، وقَدْ يَقترِضُ مِنْ أحَدِ البُنوكِ، فيَنبَغِي أنْ يُفكِّرُوا مَليًّا قَبْلَ أنْ يَدفَعوا ريالًا واحِدًا في هذِهِ السُّوقِ، وهَذَا لا شَكَّ فِيهِ.
لكنْ نَحنُ الآنَ قَدْ وقَعَتِ المُشكِلَةُ، ونَحنُ الآنَ نَقولُ: تَداعياتُ هذِهِ المُشكِلَةِ طالَتْ أفرادًا كُثُرًا في المُجتَمَعِ، والوَاجِبُ تَعويضُهُم أو نَوعٌ مِنَ التَّطمينِ لَهُم، أو أَيُّ نَوعٍ مِنْ أنواعِ تَحميلِ المَسؤوليَّةِ للَّذينَ غَرَّرُوا بِهِم.
الجانِبُ الثَّانِي: ما يَتَعلَّقُ بالناسِ، فالناسُ في الحَقيقَةِ يَنسونَ، فلمَّا حَصلَ الانهيارُ الأوَّلُ انكَمَشَ الناسُ وذَهَبُوا وانجَفَلُوا عَنْ سُوقِ الأسْهُمِ، فلمَّا حَصلَ نَوعٌ مِنَ الانتِعاشِ في السُّوقِ ولو كان انتعاشًا جُزئيًّا، أقبَلَ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ ليَستَربِحُوا مِنْ هذِهِ السُّوقِ.
وترَى كَثيرًا مِنَ الناسِ لا يَزالُ إلى الآنَ مُغرَّرًا بِهِم، فإنَّ هُناكَ مَنْ يَستَفيدُ مِنَ التَّغريرِ بالناسِ ليُدْخِلَهُم في السُّوقِ ويَقولَ لَهُم: الأنْسَبُ أنْ تَشتَرُوا، ويُوهِمَهُم بِنَوعٍ مِنَ الارتِفاعِ، ثُمَّ يَبيعَ ويَحصُلَ ما يحَصُلُ مِنَ النَّقْصِ.
ولا شَكَّ أنَّ هذِهِ مَسؤوليَّةُ السُّوقِ ومَسؤوليةُ الجِهاتِ المُشرِفةِ؛ أنْ تَمنعَ هَذَا النَّوعَ مِنَ التَّغريرِ، وهذِهِ الحِمايَةُ واجِبَةٌ، وكُلُّكمْ راعٍ وكُلُّكُم مَسؤولٌ عَنْ رَعيتِهِ.
فلا شَكَّ أنَّ هَيئَةَ سُوقِ المالِ تَتَحمَّلُ مَسؤوليَّةً، ووِزارةَ الماليَّةِ تتحَمَّلُ مَسؤُوليَّةً، وكُلُّ هذِهِ الجِهاتِ ذاتِ الاختِصاصِ لا بُدَّ أنْ تطَّلِعَ عَلَى ما يَجرِي، وقَد يَكونُ هُناكَ نَوعٌ مِنَ التَّبصيرِ مِنْ قِبَلِ هذِهِ الجِهاتِ.
ولكِنَّ المَسألَةَ لا تَقتصَرُ عَلَى التَّنبِيهِ والتَّبصيرِ، وأنا عِنْدِي أنَّ هُناكَ آليةً أُخرَى غَيْرَ مَسألَةِ الكلامِ؛ لأنَّهُم يَملِكُونَ أدَواتٍ إجرائيَّةً وعمَلًا تَنفيذيًّا يَحمونَ بِهِ المُساهِمينَ، وهَذَا العَملُ هُوَ الَّذِي لم نَلمِسْهُ ولم يَلمسْهُ النَّاسُ في وَاقِعِ سُوقِ الأَسْهُمِ، لكِن فِيما يَتعلَّقُ بالتَّحذيرِ قَدْ يَكونُ تَحيُّرٌ هُنَا أو هُناكَ، وكلِماتٌ قَدْ تُنَبِّئُ بنَوعٍ مِنَ الحَذَرِ، لكِنْ أيضًا الحِسُّ العامُّ والفَهْمُ العامُّ الَّذِي يَصِلُ النَّاسَ هُوَ التَّغريرُ لا التَّحذيرُ، ولذَلِكَ يَنبَغِي أنْ تُمارِسَ هذِهِ الجِهاتُ دَوْرَها.
ويَنبِغي للنَّاسِ أنْ يَعُوا وأنْ يَستبصِرُوا وأنْ يَكتفُوا، فنَقولُ للَّذِي يُغامِرُ ويَبيعُ بَيْتَهُ ويَستأجِرُ، ثُمَّ يأتِي ويَبكِي: يداكَ أَوْكَتَا وفُوكَ نافِخٌ، أنتَ تَتحمَّلُ المَسؤوليَّةَ ولا تُلْقِ المَسؤوليَّةَ عَلَى الآخَرينَ، وهُم يَتحمَّلونَ مَسؤوليَّةً لكِنْ لا يَعنِي هَذَا أنَّ تُخلِي نفَسَكَ مِن المَسؤوليَّةِ.
وهُناكَ أحدُ ضَحايا هذِهِ الأسهُمِ، وهُوَ رَجلٌ كَبيرٌ في السنِّ، وكان لَديْهِ تَقريبًا مِليونَا رِيالٍ، والآنَ لَيْسَ لَدَيْهِ شَيءٌ، ويَسْكُنُ مَعَ ابنِهِ، ونَسألُ اللهَ أنْ يُخلِفَ عَلَيْهِ خَيرًا.