هَلْ أُسَلِّمُ عَلَى مَنْ هُوَ مُشتَغِلٌ بقِراءَةِ القُرآنِ، مَعَ أنِّي قَدْ أُشَوِّشُ عَلَيْهِ قِراءَتَهُ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.
وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.
ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر
على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004
من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا
بارك الله فيكم
إدارة موقع أ.د خالد المصلح
خزانة الأسئلة / منوع / السلام على مشتغِل بقراءة قرآن ونحوه
هل أسلم على مَن هو مشتغل بقراءة القرآن، مع أني قد أشوش عليه قراءته؟
السؤال
هَلْ أُسَلِّمُ عَلَى مَنْ هُوَ مُشتَغِلٌ بقِراءَةِ القُرآنِ، مَعَ أنِّي قَدْ أُشَوِّشُ عَلَيْهِ قِراءَتَهُ؟
هل أسلم على مَن هو مشتغل بقراءة القرآن، مع أني قد أشوش عليه قراءته؟
الجواب
الحَمدُ لِلَّهِ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَنْ سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعالَى التَّوفيقُ:
الأصلُ في التحيَّةِ وُجوبُ الردِّ؛ لقَوْلِهِ تَعالَى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النِّساءُ: 86]، وقَدْ جاءَ في السُّنَّةِ تَرْكُ الردِّ في بَعْضِ الأحوالِ؛ لوُجودِ عارِضٍ يَمنَعُ مِنَ الردِّ، ومِنْ ذَلِكَ ما جاءَ في البُخاريِّ (1216) ومُسلِمٍ (538) عَنْ عَلقمَةَ، عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قالَ: كُنْتُ أُسلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وهُوَ في الصَّلاةِ فيرُدُّ عَلَيَّ، فلَمَّا رَجَعْنا -أي: مِنَ الحَبشَةِ- سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وقالَ: «إِنَّ فِي الصَّلاةِ لَشُغْلًا»، فأخَذَ جَماهيرُ العُلَماءِ مِنْ هَذا أنَّ الإنْسانَ إذا كانَ مُشتغِلًا بأمرٍ كالصَّلاةِ وتِلاوَةِ القُرآنِ ونَحْوِ ذَلِكَ، فإنَّهُ يَسقُطُ عَنْهُ وُجوبُ الردِّ.
وفي هَذِهِ التَّسويَةِ بَيْنَ الصَّلاةِ وغَيْرِها نَظَرٌ؛ إذ إنَّ الصَّلاةَ نَهَى اللهُ تَعالَى فِيها عَنِ الكَلامِ، كما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالَى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البَقَرةُ: 238]. وفي البُخاريِّ (1200) ومُسلِمٍ (539) عَنْ أبي عَمْرٍ الشَّيْبانيِّ قالَ: قال لي زَيدُ بنُ أرقَمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- «إنْ كنَّا لَنتَكلَّمُ في الصَّلاةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، يُكلِّمُ أحَدُنا صاحِبَهُ بحاجتِهِ، حَتَّى نَزلَتْ ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البَقَرةُ: 238] فَأُمِرْنَا بالسُّكوتِ». كما أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- رَدَّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ في الصَّلاةِ بالإشارَةِ، كما في صَحيحِ مُسلمٍ (540) عَنْ جابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّهُ قالَ: "إنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بَعثَني لحاجَةٍ، ثُمَّ أدركْتُهُ وهُوَ يَسيرُ -وفي رِوايَةٍ: يُصلِّي- فسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فأشارَ إلَيَّ، فلمَّا فَرَغَ دَعانِي فقالَ: «إِنَّكَ سَلَّمْتَ آنِفًا وَأَنَا أُصَلِّي» وهُوَ مُوجِّهٌ حِينَئِذٍ قِبَلَ المَشرِقِ". فلَمْ يَسقُطْ حَقُّ المُسلِّمِ بالكُلَّيَةِ، كمَا أنَّهُ لم يَنْهَ عَنِ السَّلامِ عَلَى المُصلِّي، ولكِنِ اعتَذرَ عَنِ الردِّ لَفْظًا، فعَلَى هَذا يَكونُ ابتِداءُ السَّلامِ مَشروعًا مُطلقًا، وأمَّا رَدُّهُ فإنَّهُ يَجوزُ لمَنْ كانَ مُشتَغِلًا بما يُشوِّشُ عَلَيْهِ رَدُّ السَّلامِ لَفْظًا، أو لا يَستَطيعُ رَدَّهُ لَفْظًا، أنْ يُردَّهُ بالإشارَةِ، وأمَّا إذا كانَ لا يُشوِّشُ عَلَيْهِ فالردُّ لَفْظًا هُوَ الأصْلُ الَّذي يَجِبُ المُحافَظَةُ عَلَيْهِ؛ لقَوْلِهِ تَعالَى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النِّساءُ: 86]، وغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ النُّصوصِ الدالَّةِ عَلَى وُجوبِ ردِّ التَّحيَّةِ بمِثْلِها أو أحسَنَ مِنْها.
وأمَّا بخُصوصِ السَّلامِ عَلَى قارِئِ القُرآنِ فقَدْ جاءَ في مُسنَدِ أحمَدَ (16910) عَنْ عُقبَةَ بنِ عامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قالَ: كُنَّا جُلوسًا في المَسجِدِ نَقرأُ القُرآنَ، فدَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- فَسَلَّمَ عَلَيْنا فرَدَدْنا عَلَيْهِ السَّلامَ، ثُمَّ قالَ: «تَعَلَّمُوا كِتَابَ اللهِ وَاقْتَنُوهُ وَتَغَنَّوْا بِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًَا مِنَ الْمَخَاضِ مِنَ الْعُقُلِ». ففِيهِ دَلالَةٌ عَلَى السَّلامِ عَلَى قارِئِ القُرآنِ، وكَذا فِيهِ دَلالَةٌ عَلَى أنَّ قارِئَ القُرآنِ يَرُدُّ السَّلامَ، إذا كانَ مَقصودًا بالسَّلامِ. واللهُ تَعالَى أعلَمُ.
الحَمدُ لِلَّهِ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَنْ سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعالَى التَّوفيقُ:
الأصلُ في التحيَّةِ وُجوبُ الردِّ؛ لقَوْلِهِ تَعالَى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النِّساءُ: 86]، وقَدْ جاءَ في السُّنَّةِ تَرْكُ الردِّ في بَعْضِ الأحوالِ؛ لوُجودِ عارِضٍ يَمنَعُ مِنَ الردِّ، ومِنْ ذَلِكَ ما جاءَ في البُخاريِّ (1216) ومُسلِمٍ (538) عَنْ عَلقمَةَ، عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قالَ: كُنْتُ أُسلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وهُوَ في الصَّلاةِ فيرُدُّ عَلَيَّ، فلَمَّا رَجَعْنا -أي: مِنَ الحَبشَةِ- سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وقالَ: «إِنَّ فِي الصَّلاةِ لَشُغْلًا»، فأخَذَ جَماهيرُ العُلَماءِ مِنْ هَذا أنَّ الإنْسانَ إذا كانَ مُشتغِلًا بأمرٍ كالصَّلاةِ وتِلاوَةِ القُرآنِ ونَحْوِ ذَلِكَ، فإنَّهُ يَسقُطُ عَنْهُ وُجوبُ الردِّ.
وفي هَذِهِ التَّسويَةِ بَيْنَ الصَّلاةِ وغَيْرِها نَظَرٌ؛ إذ إنَّ الصَّلاةَ نَهَى اللهُ تَعالَى فِيها عَنِ الكَلامِ، كما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالَى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البَقَرةُ: 238]. وفي البُخاريِّ (1200) ومُسلِمٍ (539) عَنْ أبي عَمْرٍ الشَّيْبانيِّ قالَ: قال لي زَيدُ بنُ أرقَمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- «إنْ كنَّا لَنتَكلَّمُ في الصَّلاةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، يُكلِّمُ أحَدُنا صاحِبَهُ بحاجتِهِ، حَتَّى نَزلَتْ ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البَقَرةُ: 238] فَأُمِرْنَا بالسُّكوتِ». كما أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- رَدَّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ في الصَّلاةِ بالإشارَةِ، كما في صَحيحِ مُسلمٍ (540) عَنْ جابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّهُ قالَ: "إنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بَعثَني لحاجَةٍ، ثُمَّ أدركْتُهُ وهُوَ يَسيرُ -وفي رِوايَةٍ: يُصلِّي- فسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فأشارَ إلَيَّ، فلمَّا فَرَغَ دَعانِي فقالَ: «إِنَّكَ سَلَّمْتَ آنِفًا وَأَنَا أُصَلِّي» وهُوَ مُوجِّهٌ حِينَئِذٍ قِبَلَ المَشرِقِ". فلَمْ يَسقُطْ حَقُّ المُسلِّمِ بالكُلَّيَةِ، كمَا أنَّهُ لم يَنْهَ عَنِ السَّلامِ عَلَى المُصلِّي، ولكِنِ اعتَذرَ عَنِ الردِّ لَفْظًا، فعَلَى هَذا يَكونُ ابتِداءُ السَّلامِ مَشروعًا مُطلقًا، وأمَّا رَدُّهُ فإنَّهُ يَجوزُ لمَنْ كانَ مُشتَغِلًا بما يُشوِّشُ عَلَيْهِ رَدُّ السَّلامِ لَفْظًا، أو لا يَستَطيعُ رَدَّهُ لَفْظًا، أنْ يُردَّهُ بالإشارَةِ، وأمَّا إذا كانَ لا يُشوِّشُ عَلَيْهِ فالردُّ لَفْظًا هُوَ الأصْلُ الَّذي يَجِبُ المُحافَظَةُ عَلَيْهِ؛ لقَوْلِهِ تَعالَى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النِّساءُ: 86]، وغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ النُّصوصِ الدالَّةِ عَلَى وُجوبِ ردِّ التَّحيَّةِ بمِثْلِها أو أحسَنَ مِنْها.
وأمَّا بخُصوصِ السَّلامِ عَلَى قارِئِ القُرآنِ فقَدْ جاءَ في مُسنَدِ أحمَدَ (16910) عَنْ عُقبَةَ بنِ عامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قالَ: كُنَّا جُلوسًا في المَسجِدِ نَقرأُ القُرآنَ، فدَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- فَسَلَّمَ عَلَيْنا فرَدَدْنا عَلَيْهِ السَّلامَ، ثُمَّ قالَ: «تَعَلَّمُوا كِتَابَ اللهِ وَاقْتَنُوهُ وَتَغَنَّوْا بِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًَا مِنَ الْمَخَاضِ مِنَ الْعُقُلِ». ففِيهِ دَلالَةٌ عَلَى السَّلامِ عَلَى قارِئِ القُرآنِ، وكَذا فِيهِ دَلالَةٌ عَلَى أنَّ قارِئَ القُرآنِ يَرُدُّ السَّلامَ، إذا كانَ مَقصودًا بالسَّلامِ. واللهُ تَعالَى أعلَمُ.