الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِجَابَةً عَنْ سُؤَالِك نَقُولُ وَبِاَللَّهِ ـ تَعَالَى ـ التَّوْفِيقُ: لِلْعُلَمَاءِ فِي الِاشْتِرَاكِ فِي الذَّبِيحَةِ مِمَّنْ يُرِيدُ التَّقَرُّبَ مَعَ مَنْ يُرِيدُ اللَّحْمَ قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِي الذَّبْحِ، سَوَاءً أَكَانَ ذَبْحُهُمْ عَنْ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ، وَسَوَاءً أَرَادَ جَمِيعُهُمْ التَّقَرُّبَ بِالذَّبْحِ، أَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ اللَّحْمَ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ(1318) عَنْ جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلُّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ".
وَوَجْهُ الدَّلَالَةُ مِنَ الْحَدِيثِ: أَنَّ الذَّبَائِحَ فِي الْحَجِّ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ نَفْلٌ، فَلَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ اخْتِلَافُ جِهَةِ التَّقَرُّبِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْقَصْدِ لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الِاشْتِرَاكِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي الذَّبِيحَةِ مَنْ يُرِيدُ الْقُرْبَةَ مَعَ مَنْ لَا يُرِيدُهَا ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَاحِدٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ قُرْبَةً وَبَعْضُهُ غَيْرَ قُرْبَةٍ، وَبِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ. وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ إلَّا مَعَ مَنْ يُرِيدُ التَّقَرُّبَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ وَارِدٌ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَأَمَّا اخْتِلَافُ جِهَةِ الْقُرْبَةِ (وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ) فَغَيْرُ مُؤَثِّرٍ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَقْصِدُ التَّقَرُّبَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَصْدُ بَعْضِهِمُ اللَّحْمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.