ِالحَمدُ لِلَّهِ وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنا مُحمَّدٍ وَعَلَى آَلَهِ وَصَحْبِهِ.
:أَمَّا بَعْدُ:
فإِجابةً عَنْ سُؤالِكَ نَقُولُ:
الأصْلُ في الاِشْتِراطِ في الحَجِّ ما رَواهُ البُخَارِيُّ (5089) ومُسلِمٌ (1207) مِنْ حَديثِ عَائِشةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها - قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ضُباعةَ بِنتِ الزُّبَيرِ - رَضِيَ اللهُ عَنْها - فَقَالَ لَها: «لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الحَجَّ؟» قَالَتْ: واللهِ لا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعةٌ. فَقَالَ لَها: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي». فَدَّل هَذَا الحَديثُ عَلَى أَنَّ الاشْتِراطَ في الحَجِّ والعُمْرَةِ مَشْروعٌ لِمَنْ خَشِيَ مانِعًا مِنْ مَرَضٍ ونَحْوِهِ، يَمْنَعُهُ مِنْ إتْمامِ النُّسُكِ.
وَقَدْ قَالَ بِهَذَا جَماعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلمِ مِنَ الصَّحابَةِ؛ كَعَلِيِّ بنِ أَبِي طالِبٍ وعَائِشةَ وابْنِ مَسعودِِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، ومِنَ التَّابعِينَ عَلقَمةُ والأسودُ وعطاءٌ وغيرُهُم، وبِهِ قِالَ الشَّافِعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثَوْرٍ وابْنُ حَزْمٍ.
وَمَحَلُّ مَشْروعِيةِ هَذَا الاشْتراطِ، الحاجَةُ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، ويَكونُ ذَلِكَ عِنْدَ الشُّروعِ في النُّسُكِ، ولا بُدَّ مِنَ التَّلَفُّظِ بِهِ، فلا تَكْفِي فِيْهِ النِّيَّةُ؛ لأمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضُباعةَ بالقَوْلِ؛ حَيْثُ قَالَ: «وقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي». وأمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَاجَةٌ فإنَّه لا يُشرَع في أصحِّ قَوْلِ العُلَماءِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأمُرْ بِهِ كُلَّ مَنْ أرادَ الإحْرامَ، إنَّما أَمَرَ بِهِ ضُباعةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْها لَمَّا أخْبَرتْهُ بِحالِها، ولأنَّ الأصْلَ وُجوبُ إتْمامِ الحَجِّ والعُمْرَةِ عَلَى مَنْ شَرَعَ فِيْهِما؛ لقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ (البَقَرَةُ: 196). فلا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بدَلِيلٍ، والدَّليلُ وَرَدَ في حَالٍ خَاصَّةٍ، فلَا يَكونُ لكُلِّ مُحرِمٍ.
وفائِدةُ الاشتِراطِ جَوازُ التَّحَلُّلِ مَجَّانًا دُوْنَ هَدْيٍ، وَذَلِكَ أنَّ الأصْلَ فِيْمَن أُحْصِرَ عَنْ إتْمامِ النُّسُكِ مَا ذَكَرَهُ اللهُ تَعالَى في قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾[البقرة: 196]، وكَذا لا قَضاءَ عَلَيْهِ، عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقولُ بِوُجوبِ القَضاءِ عَلَى الْمُحْصَرِ.
وَقَدْ خَالَفَ في أَصْلِ مَشْروعِيَّةِ الاشْتِراطِ في الإحْرامِ الحَنَفيَّةُ والمالِكِيَّةُ، فَقَالُوا: إنَّهُ غَيْرُ مَشْروعٍ، وإنَّهُ لَوِ اشْترَطَ الْمُحرِمُ لم يَنفَعْهُ في إِبَاحَةِ التَّحَلُّلِ. وَبِهِ قَالَ ابنُ عُمَرَ، وأجابوا عَنِ الحَديثِ الوارِدِ بأنَّهُ قَضيَّةُ عَيْنٍ، وأنَّها مَخصُوصَةٌ بضُباعةَ، واسْتَدلُّوا أيضًا بِعُمومِ قَوْلِهِ تَعالَى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ الْمَبسوطُ 4/ 107، الذَّخِيْرةُ 3/ 191، الحاوِي 4 /359، الْمُغْنِي 3/ 265.
أَخُوكُم
أ.د. خَالِدُ الْمُصلِح
24/ 11/ 1428هـ