الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُشْتَبِهَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَوَصْفُ مُسَاهَمَةٍ بِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ لِتَضَمُّنِهَا بَعْضَ التَّعَامُلَاتِ الْمُحَرَّمَةِ فِيهِ مُجَازَفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ أَوِ الْأَسْهُمَ لَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ إلَّا إذَا كَانَ النَّشَاطُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَدَارَتْ عَلَيْهِ الْمُسَاهَمَةُ عَمَلًا مُحَرَّمًا، أَمَّا إِذَا كَانَ الْعَمَلُ الْأَصْلِيُّ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَعْمَالِ الْمُبَاحَةِ، سَوَاءً كَانَتْ خِدْمِيَّةً، أَوْ سِلَعِيَّةً، أَوْ عَقَارِيَّةً، ثُمَّ أُضِيفَ إِلَيْهَا قُرُوضٌ رِبَوِيَّةٌ أَوْ سَنَدَاتٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَدْ تُعَكِّرُ هَذِهِ الدَّوَاخِلُ عَلَى الْعَمَلِ إذَا كَانَتْ نِسْبَتُهَا مُرْتَفِعَةً، أَمَّا إِذَا كَانَتِ النِّسْبَةُ قَلِيلَةً تَابِعَةً فَلَا تَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ حُكْمِهَا الْأَصْلِيِّ. وَنَحْنُ نَدْعُو الْجَمِيعَ إِلَى تَطْهِيرِ الْمُعَامَلَاتِ مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ، لَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ يُسَاهِمُ بِأَمْوَالِ أُنَاسٍ قَدْ ائْتَمَنُوهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي فِكَاكِ نَفْسِهِ، وَفِي فِكَاكِ الْآخَرِينَ مِنَ الشَّوَائِبِ وَالشُّبُهَاتِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُطَهِّرَ مَالَهُ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ مِنِ اشْتِبَاهٍ.
أَمَّا مَنْ دَخَلَ مُسَاهَمَةً عَلَى أَنَّهَا سَلِيمَةٌ وَنَظِيفَةٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ تَحْرِيمُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا حَصَّلَهُ مِنَ الْمَكَاسِبِ السَّابِقَةِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ عَقْدًا يَظُنُّ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَلَا يَعْلَمُ تَحْرِيمَهُ فَإِنَّهُ يَسْتَبِيحُ كُلَّ مَا كَسَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الرِّبَا: (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ)+ [الْمَائِدَةِ:95] ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُؤَاخِذْ النَّاسَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الرِّبَا، وَعَفَا عَنْهُمْ، وَلَكِنْ إذَا جَاءَ الْعِلْمُ فَيَجِبُ الِانْتِهَاءُ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ مُحَرَّمَةٌ كُلِّيًّا. أَمَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ فِيهَا شَائِبَةٌ فَأَرَى أَنَّ عَلَى مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَّقِيَ الشُّبُهَاتِ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهَا؛ لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ»، يَعْنِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، «وَلِعِرْضِهِ» يَعْنِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْقِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَتَجَنَّبَ مِنْهَا بَيْعًا أَوْ تَبَرُّعًا أَوْ مَا إِلَى ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّخَلُّصِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَسْتَمِرَّ فَلَا أَجْزِمُ بِالتَّحْرِيمِ، لَكِنْ إنْ كَانَتِ النِّسْبَةُ قَلِيلَةً فَلْيُطَهِّرْ مَا يُقَابِلُ هَذِهِ النِّسْبَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أخوكم
أ. د.خالد المصلح
5 / 3 / 1434هـ