فَضِيلَةَ الشَّيْخِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركَاتُهُ، مَا حُكْمُ الاعتِمَادِ عَلَى الأَبْرَاجِ فِي مَعْرِفَةِ الصِّفَاتِ وَالحُظُوظِ؟
خزانة الأسئلة / عقيدة / حكم الاعتماد على الأبراج في معرفة الصفات والحظوظ
فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم الاعتماد على الأبراج في معرفة الصِّفات والحظوظ؟
السؤال
فَضِيلَةَ الشَّيْخِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركَاتُهُ، مَا حُكْمُ الاعتِمَادِ عَلَى الأَبْرَاجِ فِي مَعْرِفَةِ الصِّفَاتِ وَالحُظُوظِ؟
فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم الاعتماد على الأبراج في معرفة الصِّفات والحظوظ؟
الجواب
الحَمْدُ للهِ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمِّدٍ وَعَلَى آله وأصحابه أجمعين.
وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركَاتُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَالأَبْرَاجُ جَمْعُ بُرْجٍ، وَالمَقْصُودُ بِهَا هُنَا مَنَازِلُ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ، فَالشَّمْسُ تَنْزِلُها فِي اثْنَي عَشَرَ شَهْرًا، وَأَمَّا القَمَرُ فَيَنْزِلُهَا فِي الشَّهْرِ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ بِهَا السَّمَاءَ الَّتِي أَقْسَمَ بِهَا فِي سُورَةِ البُرُوجِ فَقَالَ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1]، وَهِيَ اثنَا عَشَرَ بُرْجًا، اصْطَلَحَ عَلَيْهَا النَّاسُ فِي الشَّرْقِ وَالغَرْبِ مِنْذُ قَدِيمِ الزَّمَانِ، وَهِيَ مَجْمُوعَةٌ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ:
حَمَلَ الثَّوْرُ جَوْزَةَ السَّرَطَانِ وَرَعَى اللَّيْثُ سُنْبُلَ الْمِيزَانِ
وَرَمَى عَقْرَبٌ بِقَوْسٍ لِجَدْيٍ وَمَلَأَ الدَّلْوُ بِرْكَةَ الْحِيتَانِ
وَالنَّظَرُ فِي الأَبْرَاجِ لِلتَّعُرُّفِ عَلَى صِفَاتِ النَّاسِ وَحُظُوظِهِمْ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ فِي أَنَّهُ محرَّم لَا يَجُوزُ؛ لمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهِ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ فَقَدِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ، زَادَ مَا زَادَ» رَوَاه أَحْمَدُ (2841)، وَأَبُو دَاودَ فِي الطِّبِّ/ باب في النجوم (3905)، وابن ماجه في الأدب/ باب تعلم النجوم (3726)، وصحَّحَه الألباني في الصحيحة (793).، وَهَذَا يَشْمَلُ كُلَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ سَيْرِ النُّجُومِ وَمَنَازِلِهَا، وَهِيَ البُرُوجُ، مِنَ المَعَارِفِ وَالعُلُومِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالحَوَادِثِ الأَرْضِيَّةِ أَوْ صِفَاتِ النَّاسِ.
وَيَدَلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكِ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ بُطْلَانَ اعتِقَادِ أَنَّ لِهِذِهِ الأَفْلَاكِ تَأْثِيرًا فِي حَوَادِثِ الأَرْضِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ -أَيْ: مَطَرٍ-: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا» أَيْ: بِتَأْثِيرِ النَّوْءِ، سَوَاءً كَانَ التَّأْثِيرُ هُنَا عَلَى وَجْهِ التَّسَبُّبِ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الإِيجَادِ، «فَذَاكَ كَافِرٌ بِي، مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي الاسْتِسْقَاءِ/ بَابُ قَولِ اللهِ تَعَالَى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82] (1038)، وَمُسْلِمٌ فِي الإِيمَانِ/ بَابُ بَيانِ كُفْرِ مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِالنَّوءِ(71) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَمِمَّا يَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ اعْتِقَادُ أَنَّ لِلأَبْرَاجِ تَأْثِيرًا فِي صِفَاتِ مَنْ يُوْلَدُ فِي بُرْجٍ مُعَيَّنٍ، وَيَدَلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الغَيْبِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ سورة النمل، الآية: 65.، وَكَمَا قَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ سورة الجن، الآيات: 26، 27، 28. فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يَعْلَمُ غَيْبًا مُسْتَقْبَلِيًّا وَلَوْ بَعْدَ لَحْظَةٍ فَهُوَ كَاذِبٌ مُكَذِّبٌ لِمَا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ فِي كِتَابِهِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الاسْتِنَادِ إِلَى الأَبْرَاجِ فِي مَعْرِفَةِ صِفَاتِ النَّاسِ: أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَا يُثْبِتُ صِحَّةَ دَعْوَى أَنَّ لِلأَبْرَاجِ أَثَرًا فِي صِفَاتِ النَّاسِ؛ بِأَنَّ مَنْ كَانَ مَولُودًا فِي بُرْجِ الحَمَلِ فَصِفَاتُه كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ كَانَ مِنْ بُرْجِ الأَسَدِ فَصِفَاتُهُ كَذَا وَكَذَا، فَهِيَ دَعْوَى لَيْسَ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ وَلَا بُرْهَانٌ.
لِذَلِكَ يَجْبِ عَلَى المُؤْمِنِ أَنْ يُعرِضَ عَنْ هَذَا، وَلَا يَلْتَفِتَ إِلَيْهِ وَلْيَحُذَرْهُ، فَالقَضِيَّةُ لَيْسَتْ قَضِيَّةَ عَبَثٍ أَوْ لَهْوٍ أَوْ تَسْلِيةٍ تُوقِعُهُ فِي مَكْرُوهٍ! بَلْ تُوقِعُهُ فِي خَلَلٍ إِيْمَانِيٍّ، فَالقَضِيَّةُ خَطِيرَةٌ، وَهِيَ فَاصِلٌ بَيْنَ إِيْمَانٍ وَكُفْرٍ قَدْ يَكُونَ كُفْرًا أَكْبَرَ إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ هَذِهِ البُرُوجَ هِيَ الَّتِي تُوجِدُ تِلْكَ الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ غَيْرَ اللهِ فَاعِلًا فِي الكَوْنِ فِعْلًا مُسْتَقِلًّا عَنْ إِرَادَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا شِرْكٌ أَكْبَرُ فِي الرُّبُوبِيَّةِ.
وَقَدْ يَكُونَ كُفْرًا أَصْغَرَ، وَذَلِكَ إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّها سَبَبٌ لِتِلْكَ الصِّفَاتِ فَلَا يُخْرِجُ عَنِ المِلَّةِ، لِكِنَّهُ أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَى، وَأَعْظَمُ مِنَ الرِّبَا، وَأَعْظَمُ مِنْ عُقُوقِ الوَالِدَيْنِ؛ لِأَنَّه مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ عَتَبَةٌ وَخُطْوَةٌ فِي طَرِيقِ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَذِبِ الاعْتِمَادِ عَلَى هَذِهِ الأَبْرَاجِ فِي التَّعَرُّفِ عَلَى صِفَاتِ الأَشْخَاصِ أَنَّهُ يُولَدُ فِي البُرْجِ الوَاحِدِ الخَلْقُ الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ، عَلَى اخْتِلَافِ صِفَاتِهِمْ الخَلْقِيَّةِ والخُلُقِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ، فَفِي الحَمَلِ مَثَلًا يُولَدُ الكَرِيمُ وَالبَخِيلُ، وَالصَّعْبُ وَالسَّهْلُ، وَالغَضُوبُ وَالحَلِيْمُ، فَالاعْتِمَادُ عَلَيْهَا ضَرْبٌ مِنَ الكَهَانَةِ والعِرافة، وَهِيَ كَذِبٌ ودَجَلٌ، فَلَا يَجُوزُ مُطَالِعَةُ جَدَاوِلِ الأَبْرَاجِ؛ لِمَعْرَفِةِ صِفَاتِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِيْمَا جَاءَ فِيهِ الوَعِيدُ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ زوْجٍ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» رواه مسلم في السلام/ باب تحرم الكهانة وإتيان الكهان (2230).
هَذِهِ عُقُوبَةُ مَنْ يَسْأَلُ فَقَطْ، أَمَّا مَنْ يُصَدِّقُ فَقَدْ قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» رواه أحمد (9532) عن أبي هريرة رضي الله عنه. .
وَجَدِيرٌ بِالتَّنْبِيهِ أنَّ الإِتْيَانَ يَشْمَلُ كُلَّ صُوَرِ الإِقْبَالِ عَلَى هَؤُلَاءِ الدَّجَّالِينَ بِكُلِّ وَسَائِلِ الاتِّصَالِ القَدِيْمَةِ وَالحَدِيثَةِ، فَلَيْسَ الوَعِيدُ مَقْصُورًا عَلَى حَضُورِ البَدَنِ، بَلْ هَذَا صُوْرَةٌ مِنْ صُوَرِ الإِتْيَانِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ الأَبْرَاجِ فِي الصُّحُفِ وَالمَجَلَّاتِ، وَمَواقِعِ الإِنْتَرْنِت، وَالمُرَاسَلَةُ عَبْرَ البَرِيْدِ الإِلِكْترُونِي، وَالَّذِيْنَ يَتَّصِلُونَ عَلَى بَرَامِجِ الدَّجَّالِيْنَ المُنَجِّمِينَ هُمْ فِي الحَقِيقَةِ قَدْ أَتَوا الكَاهِنَ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الأَمْرَ خَطِيرٌ.
وَلِذَلِكَ فَأَنَا أُحَذِّرُ إِخْوَانِي مِنَ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الأَبْرَاجِ، فَهِيَ كَذِبٌ وَتَزْوِيرٌ، وَلَيْسَ لَها مُسْتَنَدٌ عِلْمِيٌّ وَلَا وَاقِعِيٌّ، إِنَّما هِيَ ضَرْبٌ مِنَ التَّخْمِينِ وَالكَذِبِ وَالتَّدْجِيلِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
أخوكم
أ.د خالد المصلح
10 / 3 / 1435هـ
الحَمْدُ للهِ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمِّدٍ وَعَلَى آله وأصحابه أجمعين.
وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركَاتُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَالأَبْرَاجُ جَمْعُ بُرْجٍ، وَالمَقْصُودُ بِهَا هُنَا مَنَازِلُ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ، فَالشَّمْسُ تَنْزِلُها فِي اثْنَي عَشَرَ شَهْرًا، وَأَمَّا القَمَرُ فَيَنْزِلُهَا فِي الشَّهْرِ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ بِهَا السَّمَاءَ الَّتِي أَقْسَمَ بِهَا فِي سُورَةِ البُرُوجِ فَقَالَ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} +++[البروج: 1]---، وَهِيَ اثنَا عَشَرَ بُرْجًا، اصْطَلَحَ عَلَيْهَا النَّاسُ فِي الشَّرْقِ وَالغَرْبِ مِنْذُ قَدِيمِ الزَّمَانِ، وَهِيَ مَجْمُوعَةٌ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ:
حَمَلَ الثَّوْرُ جَوْزَةَ السَّرَطَانِ وَرَعَى اللَّيْثُ سُنْبُلَ الْمِيزَانِ
وَرَمَى عَقْرَبٌ بِقَوْسٍ لِجَدْيٍ وَمَلَأَ الدَّلْوُ بِرْكَةَ الْحِيتَانِ
وَالنَّظَرُ فِي الأَبْرَاجِ لِلتَّعُرُّفِ عَلَى صِفَاتِ النَّاسِ وَحُظُوظِهِمْ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ فِي أَنَّهُ محرَّم لَا يَجُوزُ؛ لمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهِ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ فَقَدِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ، زَادَ مَا زَادَ» +++ رَوَاه أَحْمَدُ (2841)، وَأَبُو دَاودَ فِي الطِّبِّ/ باب في النجوم (3905)، وابن ماجه في الأدب/ باب تعلم النجوم (3726)، وصحَّحَه الألباني في الصحيحة (793).---، وَهَذَا يَشْمَلُ كُلَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ سَيْرِ النُّجُومِ وَمَنَازِلِهَا، وَهِيَ البُرُوجُ، مِنَ المَعَارِفِ وَالعُلُومِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالحَوَادِثِ الأَرْضِيَّةِ أَوْ صِفَاتِ النَّاسِ.
وَيَدَلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكِ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ بُطْلَانَ اعتِقَادِ أَنَّ لِهِذِهِ الأَفْلَاكِ تَأْثِيرًا فِي حَوَادِثِ الأَرْضِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ -أَيْ: مَطَرٍ-: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا» أَيْ: بِتَأْثِيرِ النَّوْءِ، سَوَاءً كَانَ التَّأْثِيرُ هُنَا عَلَى وَجْهِ التَّسَبُّبِ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الإِيجَادِ، «فَذَاكَ كَافِرٌ بِي، مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» +++ رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي الاسْتِسْقَاءِ/ بَابُ قَولِ اللهِ تَعَالَى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82] (1038)، وَمُسْلِمٌ فِي الإِيمَانِ/ بَابُ بَيانِ كُفْرِ مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِالنَّوءِ(71) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. ---
وَمِمَّا يَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ اعْتِقَادُ أَنَّ لِلأَبْرَاجِ تَأْثِيرًا فِي صِفَاتِ مَنْ يُوْلَدُ فِي بُرْجٍ مُعَيَّنٍ، وَيَدَلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الغَيْبِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾+++ سورة النمل، الآية: 65.---، وَكَمَا قَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾+++ سورة الجن، الآيات: 26، 27، 28.--- فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يَعْلَمُ غَيْبًا مُسْتَقْبَلِيًّا وَلَوْ بَعْدَ لَحْظَةٍ فَهُوَ كَاذِبٌ مُكَذِّبٌ لِمَا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ فِي كِتَابِهِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الاسْتِنَادِ إِلَى الأَبْرَاجِ فِي مَعْرِفَةِ صِفَاتِ النَّاسِ: أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَا يُثْبِتُ صِحَّةَ دَعْوَى أَنَّ لِلأَبْرَاجِ أَثَرًا فِي صِفَاتِ النَّاسِ؛ بِأَنَّ مَنْ كَانَ مَولُودًا فِي بُرْجِ الحَمَلِ فَصِفَاتُه كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ كَانَ مِنْ بُرْجِ الأَسَدِ فَصِفَاتُهُ كَذَا وَكَذَا، فَهِيَ دَعْوَى لَيْسَ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ وَلَا بُرْهَانٌ.
لِذَلِكَ يَجْبِ عَلَى المُؤْمِنِ أَنْ يُعرِضَ عَنْ هَذَا، وَلَا يَلْتَفِتَ إِلَيْهِ وَلْيَحُذَرْهُ، فَالقَضِيَّةُ لَيْسَتْ قَضِيَّةَ عَبَثٍ أَوْ لَهْوٍ أَوْ تَسْلِيةٍ تُوقِعُهُ فِي مَكْرُوهٍ! بَلْ تُوقِعُهُ فِي خَلَلٍ إِيْمَانِيٍّ، فَالقَضِيَّةُ خَطِيرَةٌ، وَهِيَ فَاصِلٌ بَيْنَ إِيْمَانٍ وَكُفْرٍ قَدْ يَكُونَ كُفْرًا أَكْبَرَ إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ هَذِهِ البُرُوجَ هِيَ الَّتِي تُوجِدُ تِلْكَ الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ غَيْرَ اللهِ فَاعِلًا فِي الكَوْنِ فِعْلًا مُسْتَقِلًّا عَنْ إِرَادَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا شِرْكٌ أَكْبَرُ فِي الرُّبُوبِيَّةِ.
وَقَدْ يَكُونَ كُفْرًا أَصْغَرَ، وَذَلِكَ إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّها سَبَبٌ لِتِلْكَ الصِّفَاتِ فَلَا يُخْرِجُ عَنِ المِلَّةِ، لِكِنَّهُ أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَى، وَأَعْظَمُ مِنَ الرِّبَا، وَأَعْظَمُ مِنْ عُقُوقِ الوَالِدَيْنِ؛ لِأَنَّه مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ عَتَبَةٌ وَخُطْوَةٌ فِي طَرِيقِ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَذِبِ الاعْتِمَادِ عَلَى هَذِهِ الأَبْرَاجِ فِي التَّعَرُّفِ عَلَى صِفَاتِ الأَشْخَاصِ أَنَّهُ يُولَدُ فِي البُرْجِ الوَاحِدِ الخَلْقُ الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ، عَلَى اخْتِلَافِ صِفَاتِهِمْ الخَلْقِيَّةِ والخُلُقِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ، فَفِي الحَمَلِ مَثَلًا يُولَدُ الكَرِيمُ وَالبَخِيلُ، وَالصَّعْبُ وَالسَّهْلُ، وَالغَضُوبُ وَالحَلِيْمُ، فَالاعْتِمَادُ عَلَيْهَا ضَرْبٌ مِنَ الكَهَانَةِ والعِرافة، وَهِيَ كَذِبٌ ودَجَلٌ، فَلَا يَجُوزُ مُطَالِعَةُ جَدَاوِلِ الأَبْرَاجِ؛ لِمَعْرَفِةِ صِفَاتِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِيْمَا جَاءَ فِيهِ الوَعِيدُ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ زوْجٍ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»+++ رواه مسلم في السلام/ باب تحرم الكهانة وإتيان الكهان (2230).---
هَذِهِ عُقُوبَةُ مَنْ يَسْأَلُ فَقَطْ، أَمَّا مَنْ يُصَدِّقُ فَقَدْ قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» +++ رواه أحمد (9532) عن أبي هريرة رضي الله عنه.--- .
وَجَدِيرٌ بِالتَّنْبِيهِ أنَّ الإِتْيَانَ يَشْمَلُ كُلَّ صُوَرِ الإِقْبَالِ عَلَى هَؤُلَاءِ الدَّجَّالِينَ بِكُلِّ وَسَائِلِ الاتِّصَالِ القَدِيْمَةِ وَالحَدِيثَةِ، فَلَيْسَ الوَعِيدُ مَقْصُورًا عَلَى حَضُورِ البَدَنِ، بَلْ هَذَا صُوْرَةٌ مِنْ صُوَرِ الإِتْيَانِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ الأَبْرَاجِ فِي الصُّحُفِ وَالمَجَلَّاتِ، وَمَواقِعِ الإِنْتَرْنِت، وَالمُرَاسَلَةُ عَبْرَ البَرِيْدِ الإِلِكْترُونِي، وَالَّذِيْنَ يَتَّصِلُونَ عَلَى بَرَامِجِ الدَّجَّالِيْنَ المُنَجِّمِينَ هُمْ فِي الحَقِيقَةِ قَدْ أَتَوا الكَاهِنَ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الأَمْرَ خَطِيرٌ.
وَلِذَلِكَ فَأَنَا أُحَذِّرُ إِخْوَانِي مِنَ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الأَبْرَاجِ، فَهِيَ كَذِبٌ وَتَزْوِيرٌ، وَلَيْسَ لَها مُسْتَنَدٌ عِلْمِيٌّ وَلَا وَاقِعِيٌّ، إِنَّما هِيَ ضَرْبٌ مِنَ التَّخْمِينِ وَالكَذِبِ وَالتَّدْجِيلِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
أخوكم
أ.د خالد المصلح
10 / 3 / 1435هـ