فَضيلَةَ الشَّيخِ، السَّلامُ عَلَيْكُم ورَحمَةُ اللهِ وبَركاتُهُ، ما حُكمُ الاستِماعِ للغِناءِ المَصحوبِ بالمُوسيقَى؟
خزانة الأسئلة / منوع / الغناء المصحوب بموسيقى
فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم الاستماع للغناء المصحوب بالموسيقا؟
السؤال
فَضيلَةَ الشَّيخِ، السَّلامُ عَلَيْكُم ورَحمَةُ اللهِ وبَركاتُهُ، ما حُكمُ الاستِماعِ للغِناءِ المَصحوبِ بالمُوسيقَى؟
فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم الاستماع للغناء المصحوب بالموسيقا؟
الجواب
الحَمدُ لِلَّهِ وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ عَلَى نَبيِّنا مُحمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمَعينَ.
وعَلَيْكُمُ السَّلامُ ورَحمَةُ اللهِ وبَركاتُهُ.
أمَّا بَعْدُ:
فلا خِلافَ بَيْنَ أهلِ العِلمِ في تَحريمِ الغِناءِ المَذمومِ، الَّذي يُغرِي بالفَسادِ والمَعصيةِ، ويُنشِّطُ عَلَى الفُسوقِ والعِصيانِ، سَواءً أكانَ ذَلِكَ في كَلِماتِهِ أم في أدائِهِ، حَكَى الإجماعَ عَلَى ذَلِكَ القُرطُبيُّ في تَفسيرِهِ، حَيْثُ قالَ رَحِمَهُ اللهُ (14/ 47): "فهَذا النَّوعُ إذا كانَ فِيهِ شِعْرٌ يُشبَّبُ فِيهِ بذِكْرِ النِّساءِ، ووصْفِ مَحاسِنِهنَّ، وذِكْرِ الخُمورِ والمُحرَّماتِ، لا يُختَلفُ في تَحريمِهِ؛ لأنَّهُ اللَّهْوُ والغِناءُ المَذمومُ بالاتِّفاقِ" اهـ، ولا فَرْقَ في ذَلِكَ بَيْنَ أنْ يَكونَ مَعَهُ مَعازِفٌ ومُوسيقى أو لا.
وكَذَلِكَ لا خِلافَ بَيْنَ أهلِ العِلمِ في جَوازِ الغِناءِ مِنْ غَيْرِ مَعازِفٍ، وقَدْ فَعَلَهُ الصَّحابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، قالَ النَّوويُّ -رَحِمَهُ اللهُ- في شَرْحِ مُسلِمٍ (6/ 183): "والعَرَبُ تُسمِّي الإنشادَ غِناءً، وليسَ هُوَ مِنَ الغِناءِ المُختَلَفِ فِيهِ، بَلْ هُوَ مُباحٌ" اهـ، ونَقلَهُ الشَّوكانيُّ عَنِ الغَزاليِّ وابنِ طاهِرٍ.
أمَّا الغِناءُ بالمَعازِفِ وآلاتِ المُوسيقى، دُونَ سُوءٍ في القَوْلِ أو فَسادٍ، فقَدْ حَكَى غَيْرُ واحِدٍ مِنْ أهلِ العِلمِ الإجماعَ عَلَى تَحريمِ المَعازِفِ وآلاتِ المُوسيقى، مِنْهُم الطَّبريُّ وابنُ رَجَبَ، والَّذي يَظهَرُ أنَّهُ لا إجماعَ في ذَلِكَ؛ لوُجودِ المُخالِفِ، قالَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في الفَتْحِ (2/ 443) عِنْدَ كَلامِهِ عَلَى المَعازِفِ: "وقَدْ حَكَى قَوْمٌ الإجماعَ عَلَى تَحريمِها، وحَكَى بَعْضُهُم عَكْسَهُ" اهـ، لكِنِ الَّذي لا رَيْبَ فِيهِ أنَّ جَماهيرَ عُلَماءِ الأُمَّةِ قَديمًا وحَديثًا عَلى تَحريمِ المَعازِفِ، قالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ في مَجموعِ الفَتاوَى (11/ 576): "فمَذْهَبُ الأئمَّةِ الأربَعَةِ أنَّ آلاتِ اللَّهْوِ كُلَّها حَرامٌ" اهـ، وقالَ أيضًا: "ولم يَذْكُرْ أحَدٌ مِنْ أتباعِ الأئمَّةِ في آلاتِ اللَّهْوِ نِزاعًا" اهـ، وقالَ أيضًا (27/ 229): "فإنَّ جُمهورَ المُسلِمينَ عَلَى أنَّها مُحرَّمَةٌ، وبَعْضُهُم أباحَها" اهـ.
وقَدِ استَدلَّ القائِلُونَ بتَحريمِ المَعازِفِ بِعِدَّةِ نُصوصٍ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ وآثارِ الصَّحابَةِ، أبرَزِها ما رَواهُ البُخاريُّ في صَحيحِهِ تَعليقًا في كِتابِ الأشرِبَةِ (5/2125) قالَ هِشامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنا صَدقةُ بنُ خالِد، حَدَّثنا عَبدُ الرَّحمنِ بنُ يَزيدَ، عَنْ عَطيَّةَ بنِ قَيْسِ الكلابيِّ، عَنْ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ غَنمِ الأشْجَعيِّ قالَ: حَدَّثَني أبو عامِرٍ، أو أبو مالكٍ الأشعَريُّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -قالَ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ». ووَجْهُ الدَّلالَةِ مِنَ الحَديثِ قَوْلُهُ: «يَستَحلُّونَ» فهُوَ يَدُلُّ عَلَى أنَّ هذِهِ المَذكوراتِ مُحرَّمَةٌ. والمُرادُ بالاستِحلالِ، الاستِرسالُ في استِعمالِ تِلْكَ الأُمورِ كما يَفْعَلُ بالحَلالِ.
وقَدْ تَكلَّمَ المُبيحونَ للمَعازِفِ في ثُبوتِ الحَديثِ ودَلالَتِهِ، حَتَّى قالَ ابنُ العَربيِّ المالِكيِّ رَحِمَهُ اللهُ- عَمَّا استَدلَّ بِهِ المانِعونَ مِنَ الأحاديثِ: "لا يَصِحُّ مِنْها شَيءٌ بحالٍ".
وقَدْ بَيَّنَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في الفَتْحِ (10/ 52) أنَّ حَديثَ البُخاريِّ السابِقِ صَحيحٌ، وأجابَ عَمَّنْ ضَعَّفَهُ.
وعَلَى كلِّ حالٍ؛ فالَّذي يَظهَرُ لي أنَّ ما ذَهبَ إلَيْهِ المانِعونَ أقرَبُ إلى الصَّوابِ، ويُستثنَى مِنْ ذَلِكَ ما جاءَ بِهِ الإذْنُ مِنَ الدُّفِّ ونَحوِهِ، في الأعيادِ والأعراسِ ونَحْوِهِما، واللهُ تَعالَى أعلَمُ.
أخوكُم
أ.د. خالِد المُصلِح
17 /2 /1427هـ
الحَمدُ لِلَّهِ وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ عَلَى نَبيِّنا مُحمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمَعينَ.
وعَلَيْكُمُ السَّلامُ ورَحمَةُ اللهِ وبَركاتُهُ.
أمَّا بَعْدُ:
فلا خِلافَ بَيْنَ أهلِ العِلمِ في تَحريمِ الغِناءِ المَذمومِ، الَّذي يُغرِي بالفَسادِ والمَعصيةِ، ويُنشِّطُ عَلَى الفُسوقِ والعِصيانِ، سَواءً أكانَ ذَلِكَ في كَلِماتِهِ أم في أدائِهِ، حَكَى الإجماعَ عَلَى ذَلِكَ القُرطُبيُّ في تَفسيرِهِ، حَيْثُ قالَ رَحِمَهُ اللهُ (14/ 47): "فهَذا النَّوعُ إذا كانَ فِيهِ شِعْرٌ يُشبَّبُ فِيهِ بذِكْرِ النِّساءِ، ووصْفِ مَحاسِنِهنَّ، وذِكْرِ الخُمورِ والمُحرَّماتِ، لا يُختَلفُ في تَحريمِهِ؛ لأنَّهُ اللَّهْوُ والغِناءُ المَذمومُ بالاتِّفاقِ" اهـ، ولا فَرْقَ في ذَلِكَ بَيْنَ أنْ يَكونَ مَعَهُ مَعازِفٌ ومُوسيقى أو لا.
وكَذَلِكَ لا خِلافَ بَيْنَ أهلِ العِلمِ في جَوازِ الغِناءِ مِنْ غَيْرِ مَعازِفٍ، وقَدْ فَعَلَهُ الصَّحابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، قالَ النَّوويُّ -رَحِمَهُ اللهُ- في شَرْحِ مُسلِمٍ (6/ 183): "والعَرَبُ تُسمِّي الإنشادَ غِناءً، وليسَ هُوَ مِنَ الغِناءِ المُختَلَفِ فِيهِ، بَلْ هُوَ مُباحٌ" اهـ، ونَقلَهُ الشَّوكانيُّ عَنِ الغَزاليِّ وابنِ طاهِرٍ.
أمَّا الغِناءُ بالمَعازِفِ وآلاتِ المُوسيقى، دُونَ سُوءٍ في القَوْلِ أو فَسادٍ، فقَدْ حَكَى غَيْرُ واحِدٍ مِنْ أهلِ العِلمِ الإجماعَ عَلَى تَحريمِ المَعازِفِ وآلاتِ المُوسيقى، مِنْهُم الطَّبريُّ وابنُ رَجَبَ، والَّذي يَظهَرُ أنَّهُ لا إجماعَ في ذَلِكَ؛ لوُجودِ المُخالِفِ، قالَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في الفَتْحِ (2/ 443) عِنْدَ كَلامِهِ عَلَى المَعازِفِ: "وقَدْ حَكَى قَوْمٌ الإجماعَ عَلَى تَحريمِها، وحَكَى بَعْضُهُم عَكْسَهُ" اهـ، لكِنِ الَّذي لا رَيْبَ فِيهِ أنَّ جَماهيرَ عُلَماءِ الأُمَّةِ قَديمًا وحَديثًا عَلى تَحريمِ المَعازِفِ، قالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ في مَجموعِ الفَتاوَى (11/ 576): "فمَذْهَبُ الأئمَّةِ الأربَعَةِ أنَّ آلاتِ اللَّهْوِ كُلَّها حَرامٌ" اهـ، وقالَ أيضًا: "ولم يَذْكُرْ أحَدٌ مِنْ أتباعِ الأئمَّةِ في آلاتِ اللَّهْوِ نِزاعًا" اهـ، وقالَ أيضًا (27/ 229): "فإنَّ جُمهورَ المُسلِمينَ عَلَى أنَّها مُحرَّمَةٌ، وبَعْضُهُم أباحَها" اهـ.
وقَدِ استَدلَّ القائِلُونَ بتَحريمِ المَعازِفِ بِعِدَّةِ نُصوصٍ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ وآثارِ الصَّحابَةِ، أبرَزِها ما رَواهُ البُخاريُّ في صَحيحِهِ تَعليقًا في كِتابِ الأشرِبَةِ (5/2125) قالَ هِشامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنا صَدقةُ بنُ خالِد، حَدَّثنا عَبدُ الرَّحمنِ بنُ يَزيدَ، عَنْ عَطيَّةَ بنِ قَيْسِ الكلابيِّ، عَنْ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ غَنمِ الأشْجَعيِّ قالَ: حَدَّثَني أبو عامِرٍ، أو أبو مالكٍ الأشعَريُّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -قالَ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ». ووَجْهُ الدَّلالَةِ مِنَ الحَديثِ قَوْلُهُ: «يَستَحلُّونَ» فهُوَ يَدُلُّ عَلَى أنَّ هذِهِ المَذكوراتِ مُحرَّمَةٌ. والمُرادُ بالاستِحلالِ، الاستِرسالُ في استِعمالِ تِلْكَ الأُمورِ كما يَفْعَلُ بالحَلالِ.
وقَدْ تَكلَّمَ المُبيحونَ للمَعازِفِ في ثُبوتِ الحَديثِ ودَلالَتِهِ، حَتَّى قالَ ابنُ العَربيِّ المالِكيِّ رَحِمَهُ اللهُ- عَمَّا استَدلَّ بِهِ المانِعونَ مِنَ الأحاديثِ: "لا يَصِحُّ مِنْها شَيءٌ بحالٍ".
وقَدْ بَيَّنَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في الفَتْحِ (10/ 52) أنَّ حَديثَ البُخاريِّ السابِقِ صَحيحٌ، وأجابَ عَمَّنْ ضَعَّفَهُ.
وعَلَى كلِّ حالٍ؛ فالَّذي يَظهَرُ لي أنَّ ما ذَهبَ إلَيْهِ المانِعونَ أقرَبُ إلى الصَّوابِ، ويُستثنَى مِنْ ذَلِكَ ما جاءَ بِهِ الإذْنُ مِنَ الدُّفِّ ونَحوِهِ، في الأعيادِ والأعراسِ ونَحْوِهِما، واللهُ تَعالَى أعلَمُ.
أخوكُم
أ.د. خالِد المُصلِح
17 /2 /1427هـ