الحَمْدُ للهِ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحابِهِ أَجْمَعِينَ.
وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَصَلاةُ رَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ المسْجِدِ في وَقْتِ النَّهْيِ دَاخِلَةٌ فِيما ذَكَرَهُ أَهْلُ العِلْمِ في حُكْمِ الصَّلَواتِ ذَواتِ الأَسْبابِ في أَوْقاتِ النَّهْيِ، فَقَدْ رَوَى البُخارِيُّ (1176) وَمُسْلِمٌ (714) مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتادَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ»، وَهَذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلاةَ الدَّاخِلِ لِلمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ مِنَ السُّنَنِ، فَإِذا وَافَقَ دُخُولُهُ وَقْتَ نَهْيٍ فَسَيُشْكِلُ عَلَيْهِ ما جاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الصَّلاةِ في هَذا الوَقْتِ؛ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ العُلَماءُ في صَلاةِ تَحِيَّةِ المسْجِدِ في أَوْقاتِ النَّهْيِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الأَوَّلُ: أَنَّهُ لا يُصَلِّي في وَقْتِ النَّهْيِ؛ لأَنَّهُ وَقْتٌ مَنْهِيٌّ عَنِ الصَّلاةِ فِيهِ، فَيَشْمَلُ كُلَّ صَلاةٍ، وَهَذا ما ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الحَنَفِيِّةِ وَالمالِكِيَّةِ وَالحَنابِلَةِ.
الثَّانِي: أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ تَحِيَّةَ المسْجِدِ في وَقْتِ النَّهْيِ؛ لأَنَّها مِنَ الصَّلَواتِ ذَواتِ الأَسْبابِ، وَهَذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَرِوايَةٌ في مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَحُجَّةٌ هَذا القَوْلِ أَنَّ النَّهْيَ وَاردٌ عَلَى ما لا سَبَبَ لَهُ مِنَ الصَّلَواتِ؛ فَإِنَّ نَهْيَ النَّبِيَّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاةِ في أَوْقاتِ النَّهْيِ قَدْ خُصَّ مِنْهُ صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ، مِثْلُ قَضاءِ الفَوائِتِ، وَرَكْعَتَيِ الطَّوافِ، وَإِعادَةِ الصَّلاةِ مَعَ الجَماعَةِ إِذا حَضَرَها، كَما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِتَحِيَّةِ المسْجَدِ وَقْتَ خُطْبَةِ الجُمُعَةِ، فَفِي البُخارِيِّ (1170) وَمُسْلِمٍ (564) مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا جاءَ أَحَدُكُمْ وَالإِمامُ يَخْطُبُ، أَوْ قَدْ خَرَجَ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ»، وَوَقْتُ الخُطْبَةِ وَقْتُ نَهْيٍ عَنِ الصَّلاةِ، فَكَذَلِكَ سائِرُ أَوْقاتِ النَّهْيِ يُصَلَّى فِيها تَحِيَّةُ المسْجِدِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
أخوكم
أ.د.خالد المصلح
20 /9 /1427هـ