الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعُدُ:
فَهَذَا الكَلَامُ نَاشِئٌ عَنْ جَهْلٍ بِاللهِ تَعَالَى وَمَا لَهُ مِنَ الكَمَالَاتِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:74] ، فَاللهُ تَعَالَى لَهُ الكَمَالُ المُطْلَقُ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180] ، {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: من الآية: 60] ، أَيْ: الوَصْفُ الأَعْلَى، فَيَجِبُ اعْتِقَادُ ذَلِكَ، وَكُلُّ مَا يُوهِمُ نَقْصًا فِي صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْهُ، {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنعام: من الآية: 100] .
وَمَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يِتَشَكَّلُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ، فَلَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ لِله تَعَالَى، وَأَمَّا الحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْتَ فَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (3233) عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ»، قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: «فِي الْمَنَامِ».
وَلَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيثِ دَلَيْلٌ عَلَى مَا ذَكَرَ هَذَا المُحَاضِرُ مِنْ تَشَكُّلِ اللهُ تَعَالَى كَمَا زَعَمَ؛ إِذِ الحَدِيثُ يُفِيْدُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَأَى رَبَّهُ فِي المَنَامِ بِأَحْسَنِ صُورَةٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ حُسْنَ الصُّوْرَةِ لَيْسَ المُؤَثِّرُ فِيْهِ المَرْئِيَّ المَنْظُورَ فَقَطْ، فَقَد يَكُونُ المَنْظُورُ كَامِلَ الحُسْنِ وَالبَهَاءِ، وَلَا يُرَى حُسْنُهُ وَبَهَاؤُهُ، إِمَّا لِضَعْفٍ فِي حَالِ الرَّائِي، أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ مِنْ صَفَاءِ الرُّؤْيَةِ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ قَولَهُ فِي الحَدِيْثِ: «فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيسَ وَصْفًا للهِ تَعَالَى، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هَذَا المُتَكَلِّمُ لَيسَ بِصَوَابٍ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
أخوكم
أ. د.خالد المصلح
9 /11 /1428هـ