فَضيلَةَ الشَّيخِ، السَّلامُ عَلَيْكُم ورَحْمَةُ اللهُ وبَرَكاتُهُ، ما حُكمُ القِراءَةِ في الإنْجيلِ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.
وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.
ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر
على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004
من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا
بارك الله فيكم
إدارة موقع أ.د خالد المصلح
خزانة الأسئلة / منوع / حكم القراءة في الإنجيل
فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم القراءة في الإنجيل؟
السؤال
فَضيلَةَ الشَّيخِ، السَّلامُ عَلَيْكُم ورَحْمَةُ اللهُ وبَرَكاتُهُ، ما حُكمُ القِراءَةِ في الإنْجيلِ؟
فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم القراءة في الإنجيل؟
الجواب
الحَمدُ لِلَّهِ ربِّ العالَمينَ، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ عَلَى نَبيِّنا مُحمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمَعينَ.
وعَلَيْكُمُ السَّلامُ ورَحمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ.
أمَّا بَعْدُ:
فحَكَى بَعْضُ أهلِ العِلمِ الإجماعَ عَلَى أنَّهُ لا يَجوزُ للمُؤمِنِ أنْ يَقرأَ في كُتُبِ أهلِ الكِتابِ؛ التَّوراةِ والإنجيلِ، واستَدلَّ لذَلِكَ بِما جاءَ مِنْ طُرُقٍ، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- رَأَى مَعَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- شَيئًا مِنَ التَّوراةِ فغَضِبَ وقالَ: «لَوْ أَصْبَحَ مُوسَى فِيكُمْ ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ»، وقَدْ جاءَ هَذا الخَبرُ مِنْ طُرُقٍ فِيها مَقالٌ، قالَ الحافِظُ ابنُ حَجرٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ للطُرُقِ في فَتْحِ البارِي (13/525): "وهذِهِ جَميعُ طُرُقِ هَذا الحَديثِ، وهِيَ وإنْ لم يَكنْ فِيها ما يُحتَجُّ بِهِ، لكِنْ مَجموعُها يَقتَضي أنَّ لَها أصلًا" اهـ.
وقَدْ نَصَّ جَماعَةٌ مِنْ أهلِ العِلمِ مِنْ فُقَهاءِ الحَنفيَّةِ والشافِعيَّةِ والحَنابلَةِ عَلَى المَنْعِ وعَدمِ الجَوازِ؛ استِنادًا إلى ذَلِكَ، وقَدْ ناقَشَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ ما ذُكِرَ مِنْ إجماعٍ فقالَ (13/525): "إنْ ثَبتَ الإجماعُ فلا كَلامَ فِيهِ وقَدْ قَيَّدَهُ ـأي الإجماعُ عَلَى التَّحريمِـ بالاشتِغالِ بكِتابَتِها ونَظرِها، فإنْ أرادَ مَنْ يَتَشاغَلُ بذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ فلا يَحصُلُ المَطلوبُ؛ لأنَّهُ يُفهَمُ أنَّهُ لو تَشاغَلَ بذَلِكَ مَعَ تَشاغُلِهِ بغَيْرِهِ جازَ، وإنْ أرادَ مُطلَقَ التَّشاغُلِ فهُوَ مَحلُّ النَّظرِ"، ثُمَّ انتَهَى رَحِمَهُ اللهُ إلى النَّتيجَةِ التَّاليَةِ: "والَّذي يَظهَرُ أنَّ كَراهيَةَ ذَلِكَ للتَّنزيهِ لا للتَّحريمِ، والأَوْلَى في هذِهِ المَسألَةِ التَّفرِقةُ بَيْنَ مَنْ لم يَتمكَّنْ ويصِيرُّ مِنَ الرَّاسخينَ في الإيمانِ، فلا يَجوزُ لَهُ النَّظَرُ في شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ، بخِلافِ الراسِخِ فيَجوزُ لَهُ، ولا سِيَّما عِنْدَ الاحتياجِ إلى الردِّ عَلَى المُخالِفِ، ويَدُلُّ لذَلِكَ نَقْلُ الأئمَّةِ قَديمًا وحَديثًا مِنَ التَّوراةِ، وإلزامُهُمُ اليَهودَ بالتَّصديقِ بمُحمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بما يَستَخرِجونَهُ مِنْ كِتابِهِم، ولَوْلا اعتِقادُهُمْ جَوازَ النَّظرِ فِيهِ لَما فَعَلوهُ، وتَوارَدوا عَلَيْهِ" اهـ.
وهَذا الَّذي ذَكرَهُ رَحِمَهُ اللهُ تَفصيلٌ جَيِّدٌ، وخُلاصَتُهُ جَوازُ النَّظرِ في كُتبِ أهلِ الكِتابِ للحاجَةِ أو المَصلَحَةِ، ويُمكِنُ أنْ يُستَدلَّ لذَلِكَ بِما رَواهُ البُخاريُّ (3635) ومُسلِمٌ (1699) مِنْ طَريقِ مالِكٍ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- في قِصَّةِ رَجْمِ اليَهوديَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيا؛ فإنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- لمَّا جاءَهُ اليَهودُ بِهِما سَألَهُم فقالَ: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟» فقالوا: نَفضَحُهُم ويُجلَدونَ، فقالَ عَبدُ اللهِ بنُ سَلامٍ: كَذَبتُم، إنَّ فِيها الرَّجمَ. فأتَوا بالتَّوراةِ فنَشَروها، فوَضعَ أحدُهُم يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجمِ، فقَرَأَ ما قَبْلَها وما بَعْدَها، فقالَ عَبدُ اللهِ بنِ سَلامٍ: ارفَعْ يَدَكَ، فرَفعَ يَدَهُ فإذا فِيها آيَةُ الرَّجْمِ. فإنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أقرَّ مُطالَعَةَ التَّوراةِ وقِراءَتَها بَيْنَ يَدَيْهِ للمَصلَحَةِ، فدَلَّ هَذا عَلَى الجَوازِ، أمَّا إذا لم تكُنْ مَصلَحَةٌ ولا مَضرَّةٌ في المُطالعَةِ فإنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِما جاءَ في خَبرِ عُمَرَ مِنْ غَضَبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وقَوْلُهُ لا يَلزَمُ مِنْهُ التَّحريمُ، بَلْ قَدْ يَكونُ مِنْ فِعْلِ المَكروهِ وفِعْلِ خِلافِ الأَوْلَى، كما ذَكرَ الحافِظُ بنُ حَجرٍ في الفَتْحِ (12/526).
ويمكن أن يُستدَلَّ لذَلِكَ أيضًا بما رَواهُ البُخاريُّ (4485) مِنْ طَريقِ أبي سَلمَةَ عَنْ أبي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كانَ أهلُ الكِتابِ يَقرَؤونَ التَّوراةَ بالعِبريَّةِ، ويُفسِّرونَها بالعَربِيَّةِ لأهلِ الإسلامِ، فقالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: «لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، قُولُوا: ﴿آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [العَنكَبوتُ: 46]».
أمَّا إذا خُشيَتِ المَضرَّةُ، فلا رَيْبَ في التَّحريمِ؛ لأنَّ وَسائِلَ المُحرَّمِ مُحرَّمَةٌ. واللهُ تَعالَى أعلَمُ.
أخُوكُم
أ.د. خالِد المُصلِح
20/ 8 /1427هـ
الحَمدُ لِلَّهِ ربِّ العالَمينَ، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ عَلَى نَبيِّنا مُحمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمَعينَ.
وعَلَيْكُمُ السَّلامُ ورَحمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ.
أمَّا بَعْدُ:
فحَكَى بَعْضُ أهلِ العِلمِ الإجماعَ عَلَى أنَّهُ لا يَجوزُ للمُؤمِنِ أنْ يَقرأَ في كُتُبِ أهلِ الكِتابِ؛ التَّوراةِ والإنجيلِ، واستَدلَّ لذَلِكَ بِما جاءَ مِنْ طُرُقٍ، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- رَأَى مَعَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- شَيئًا مِنَ التَّوراةِ فغَضِبَ وقالَ: «لَوْ أَصْبَحَ مُوسَى فِيكُمْ ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ»، وقَدْ جاءَ هَذا الخَبرُ مِنْ طُرُقٍ فِيها مَقالٌ، قالَ الحافِظُ ابنُ حَجرٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ للطُرُقِ في فَتْحِ البارِي (13/525): "وهذِهِ جَميعُ طُرُقِ هَذا الحَديثِ، وهِيَ وإنْ لم يَكنْ فِيها ما يُحتَجُّ بِهِ، لكِنْ مَجموعُها يَقتَضي أنَّ لَها أصلًا" اهـ.
وقَدْ نَصَّ جَماعَةٌ مِنْ أهلِ العِلمِ مِنْ فُقَهاءِ الحَنفيَّةِ والشافِعيَّةِ والحَنابلَةِ عَلَى المَنْعِ وعَدمِ الجَوازِ؛ استِنادًا إلى ذَلِكَ، وقَدْ ناقَشَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ ما ذُكِرَ مِنْ إجماعٍ فقالَ (13/525): "إنْ ثَبتَ الإجماعُ فلا كَلامَ فِيهِ وقَدْ قَيَّدَهُ ـأي الإجماعُ عَلَى التَّحريمِـ بالاشتِغالِ بكِتابَتِها ونَظرِها، فإنْ أرادَ مَنْ يَتَشاغَلُ بذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ فلا يَحصُلُ المَطلوبُ؛ لأنَّهُ يُفهَمُ أنَّهُ لو تَشاغَلَ بذَلِكَ مَعَ تَشاغُلِهِ بغَيْرِهِ جازَ، وإنْ أرادَ مُطلَقَ التَّشاغُلِ فهُوَ مَحلُّ النَّظرِ"، ثُمَّ انتَهَى رَحِمَهُ اللهُ إلى النَّتيجَةِ التَّاليَةِ: "والَّذي يَظهَرُ أنَّ كَراهيَةَ ذَلِكَ للتَّنزيهِ لا للتَّحريمِ، والأَوْلَى في هذِهِ المَسألَةِ التَّفرِقةُ بَيْنَ مَنْ لم يَتمكَّنْ ويصِيرُّ مِنَ الرَّاسخينَ في الإيمانِ، فلا يَجوزُ لَهُ النَّظَرُ في شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ، بخِلافِ الراسِخِ فيَجوزُ لَهُ، ولا سِيَّما عِنْدَ الاحتياجِ إلى الردِّ عَلَى المُخالِفِ، ويَدُلُّ لذَلِكَ نَقْلُ الأئمَّةِ قَديمًا وحَديثًا مِنَ التَّوراةِ، وإلزامُهُمُ اليَهودَ بالتَّصديقِ بمُحمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بما يَستَخرِجونَهُ مِنْ كِتابِهِم، ولَوْلا اعتِقادُهُمْ جَوازَ النَّظرِ فِيهِ لَما فَعَلوهُ، وتَوارَدوا عَلَيْهِ" اهـ.
وهَذا الَّذي ذَكرَهُ رَحِمَهُ اللهُ تَفصيلٌ جَيِّدٌ، وخُلاصَتُهُ جَوازُ النَّظرِ في كُتبِ أهلِ الكِتابِ للحاجَةِ أو المَصلَحَةِ، ويُمكِنُ أنْ يُستَدلَّ لذَلِكَ بِما رَواهُ البُخاريُّ (3635) ومُسلِمٌ (1699) مِنْ طَريقِ مالِكٍ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- في قِصَّةِ رَجْمِ اليَهوديَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيا؛ فإنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- لمَّا جاءَهُ اليَهودُ بِهِما سَألَهُم فقالَ: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟» فقالوا: نَفضَحُهُم ويُجلَدونَ، فقالَ عَبدُ اللهِ بنُ سَلامٍ: كَذَبتُم، إنَّ فِيها الرَّجمَ. فأتَوا بالتَّوراةِ فنَشَروها، فوَضعَ أحدُهُم يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجمِ، فقَرَأَ ما قَبْلَها وما بَعْدَها، فقالَ عَبدُ اللهِ بنِ سَلامٍ: ارفَعْ يَدَكَ، فرَفعَ يَدَهُ فإذا فِيها آيَةُ الرَّجْمِ. فإنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أقرَّ مُطالَعَةَ التَّوراةِ وقِراءَتَها بَيْنَ يَدَيْهِ للمَصلَحَةِ، فدَلَّ هَذا عَلَى الجَوازِ، أمَّا إذا لم تكُنْ مَصلَحَةٌ ولا مَضرَّةٌ في المُطالعَةِ فإنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِما جاءَ في خَبرِ عُمَرَ مِنْ غَضَبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وقَوْلُهُ لا يَلزَمُ مِنْهُ التَّحريمُ، بَلْ قَدْ يَكونُ مِنْ فِعْلِ المَكروهِ وفِعْلِ خِلافِ الأَوْلَى، كما ذَكرَ الحافِظُ بنُ حَجرٍ في الفَتْحِ (12/526).
ويمكن أن يُستدَلَّ لذَلِكَ أيضًا بما رَواهُ البُخاريُّ (4485) مِنْ طَريقِ أبي سَلمَةَ عَنْ أبي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كانَ أهلُ الكِتابِ يَقرَؤونَ التَّوراةَ بالعِبريَّةِ، ويُفسِّرونَها بالعَربِيَّةِ لأهلِ الإسلامِ، فقالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: «لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، قُولُوا: ﴿آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [العَنكَبوتُ: 46]».
أمَّا إذا خُشيَتِ المَضرَّةُ، فلا رَيْبَ في التَّحريمِ؛ لأنَّ وَسائِلَ المُحرَّمِ مُحرَّمَةٌ. واللهُ تَعالَى أعلَمُ.
أخُوكُم
أ.د. خالِد المُصلِح
20/ 8 /1427هـ