الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَرَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ(1600) مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جِنَازَةٍ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ:« اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَأَوْسِعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنْ خَطَايَاهُ كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ النَّارِ»، وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ إذَا كَانَتِ الْجِنَازَةُ أُنْثَى فَإِنَّهُ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهَا) فَيُؤَنِّثُ الضَّمَائِرَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ (وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهَا) فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ لَا يُدْعَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ زَوْجًا فِي الْجَنَّةِ لِزَوْجِهَا فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَسْؤُولُ فِي التَّبْدِيلِ تَبَدُّلَ الذَّوَاتِ، قَالَ الْحِجَّاوِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ (1/223): "وَلَا يَقُولُ: أَبْدَلَهَا اللَّهُ زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهَا، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ" اهـ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي الرِّسَالَةِ (ص57): "وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً قُلْتَ: اللَّهُمَّ إنَّهَا أَمَتْكَ، ثُمَّ تَتَمَادَى بِذِكْرِهَا عَلَى التَّأْنِيثِ، غَيْرَ أَنَّك لَا تَقُولُ: وَأَبْدِلْهَا زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ زَوْجًا فِي الْجَنَّةِ لِزَوْجِهَا فِي الدُّنْيَا، وَنِسَاءُ الْجَنَّةِ مَقْصُورَاتٌ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، لَا يَبْغِينَ بِهِمْ بَدَلًا، وَالرَّجُلُ قَدْ يَكُونُ لَهُ زَوْجَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ أَزْوَاجٌ" اهـ.
أَمَّا إنْ كَانَ الْمَسْؤُولُ تَبْدِيلَ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ يُقَالُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَارِضُ كَوْنَهَا زَوْجَتَهُ فِي الْآخِرَةِ؛ إِذِ الْمَسْؤُولُ أَنْ تَطِيبَ حَالُهُ وَتَصْلُحَ مُعَاشَرَتُهُ. وَقِيلَ: إنَّ الْمَسْؤُولَ هُوَ أَنْ يُعَوِّضَهُ اللَّهُ فِي الْحَيَاةِ الْبَرْزَخِيَّةِ مَا يُزِيلُ عَنْهُ الْوَحْشَةَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ التَّبْدِيلُ عِنْدَئِذٍ تَبْدِيلَ ذَوَاتٍ.
وَقَدْ أَطَالَ فِي مُنَاقَشَةِ ذَلِكَ وَبَحْثِهِ الْهَيْتَمِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي تُحْفَةِ الْمُحْتَاجِ(2/140) ، وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ(2/476): "وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِبْدَالِ فِي الْأَهْلِ وَالزَّوْجَةِ إبْدَالُ الْأَوْصَافِ لَا الذَّوَاتِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:(أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الطُّورُ:21]. فَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِقَوْلِ هَذَا الدُّعَاءِ بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أخوُكُم
أ.د خالِد المُصلِح
8/ 4 /1425هـ