وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مَقْصُودَ وِلَايَةِ النِّكَاحِ إعَانَةُ الْمَرْأَةِ مِنْ بِنْتٍ أَوْ أُخْتٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فِي اخْتِيَارِ الْكُفْءِ، الَّذِي يُرْضَى فِي دِينِهِ وَخُلُقِهِ وَأَمَانَتِهِ.
فَمَتَى تَقَدَّمَ لِلْمَرْأَةِ مَنْ تَوَافَرَتْ فِيهِ هَذِهِ الصِّفَاتُ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَلَّا يُعْضِلَهَا وَلَا يَمْنَعَهَا مِنْهُ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ: «إذَا خَطَبَ إلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» "سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ"(1084)، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ (2)179)، حَ(2695)، وَقَالَ: "صَحِيحُ الْإِسْنَادِ"، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ بِأَنَّ فِيهِ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ سُلَيْمَانَ أَخَا فَلِيحَ، قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ، وَوَثِيمَة لَا يُعْرَفُ.
وَمِثْلُهُ مَا جَاءَ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: «إذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (1085) وَقَالَ: "حَسَنٌ غَرِيبٌ"، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ (22 ح 299) حَ(762)، وَابْنُ مَردوَيه كَمَا فِي "تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ"(2،330)، وَالْبَيْهَقِيُّ (7/82) ح(13259). وَمِنْ هَذَا كُلِّهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ رَدَّ خَاطِبِ الْبِنْتِ الصُّغْرَى وَعَدَمَ تَزْوِيجِهَا إذَا تَقَدَّمَ لَهَا كُفْءٌ لِكَوْنِ الْبِنْتِ الْكُبْرَى لَمْ تَتَزَوَّجْ، مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ مِنَ الظُّلْمِ وَالْخِيَانَةِ لِلْأَمَانَةِ، وَخُرُوجٌ عَنْ مُقْتَضَى النَّصِيحَةِ الَّتِي هِيَ مَقْصُودُ الْوِلَايَةِ.
فَالْوَاجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْمَرْأَةِ إذَا بَلَغَتْ مَبْلَغَ النِّكَاحِ، وَتَقَدَّمَ لَهَا كُفْءٌ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى تَزْوِيجِهَا، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ تَأَثُّرُ الْأُخْتِ الْكُبْرَى؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي هَذَا التَّأَثُّرِ وَعَدَمِ الرِّضَا.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُذَكِّرَهَا بِأَنَّ تَقَدُّمَ أُخْتِهَا فِي النِّكَاحِ لَنْ يَمْنَعَهَا مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهَا مِنْ رِزْقٍ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدَرًا، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَخَّرَهَا لِخَيْرٍ، فَلْتَطِبْ نَفْسًا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَلْتَسْأَلِ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ.
وَيُذَكِّرُهَا أَيْضًا بِأَنَّ التَّقَدُّمَ أَوْ التَّأَخُّرَ فِي الزَّوَاجِ لَيْسَ مِعْيَارًا لِكَمَالِ صِفَاتِ الْمَرْأَةِ مِنْ عَدَمِهَا، فَكَمْ مِنْ عَالِيَةِ الصِّفَاتِ تَأَخَّرَ نِكَاحُهَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
عُضْوُ الْإِفْتَاءِ بِالْقَصِيمِ
أ. د. خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُصْلِحُ
3/3/1436 هــ