وَعَلَيكُمُ السَّلَامُ وَرَحَمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَالجَوَابُ: أَنَّ المَسْجِدَ إِذَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ لِخَرَابِهِ، أَوْ تَحَوُّلِ النَّاسِ عَنْهُ، أَوْ غَيرِ ذَلِكَ مِنَ الأَسْبَابِ، وَتُرِكَتِ الصَّلاةُ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيعُهُ وَنَقْلُهُ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ قَولَي أَهْلِ العِلْمِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الجُمُودَ عَلَى المَسْجِدِ الأَوَّلِ، بَعْدَ خَرَابِهِ أَوْ تَعَطُّلِهِ وَتَحَوُّلِ النَّاسِ عَنْهُ تَضْيِيعٌ لِلْغَرَضِ مِنَ الوَقْفِ، وَمُنَافٍ لِمَصْلَحَةِ الوَاقِفِ، وَالأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَيثُ أَمَرَ ابنَ مَسْعُودٍ لَمَّا نُقِبَ بَيتُ المَالِ أَنْ يَنْقُلَ مَسْجِدَ الكُوفَةِ عَنْ مَكَانِهِ وَيَجْعَلَهُ قِبْلَةَ المسجد، فَتَصَرَّفَ عُمَرُ فِي نَقْلِ المَسْجِدِ، وَلَمْ يَكُنْ مُتَعَطِّلًا، بَلْ لِمَصْلَحَةِ حِفْظِ بَيْتِ المَالِ وَحِرَاسَتِهِ، فَإِذَا كَانَ نَقْلُ الوَقْفِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ عَائِدًا لِمَصْلَحَتِهِ فَجَوَازُهُ مِنْ بَابِ أَولَى. وَبِنَاءً عَلَى هَذَا فَإِنْ أَمْكَنَ بَيعُ المَسْجِدِ القَدِيمِ وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ آخَرَ بِثَمَنِهِ، فَهَذَا هُوَ الأَولَى وَالأَفْضَلُ، فَإِذَا وَجَدْتُمْ مَنْ يَشْتَرِي البِنَاءَ القَدِيمَ لِلْمَسْجِدِ الأَوَّلِ؛ فَبِيعُوهُ وَاجْعَلُوا ثَمَنَهُ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ آخَرَ بَدَلًا عَنْهُ، وَلِلْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ فِي بِنَاءِ المَسْجِدِ القَدِيمِ، لِانْتِفَاءِ حُكْمِ المَسْجِدِ عَنْهُ، فَإِنَّ عُمَرَ لمَّا أَمَرَ بِنَقْلِ مَسْجِدِ الكُوفَةِ؛ جَعَلَهُ سُوقًا لِلتُّمُورِ. وَكَانَ يُعْرَفُ بِسُوقِ التَّمَّارِينَ، فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَعْمِلَ بِنَاءَ المَسْجِدِ القَدِيْمِ فِي مَكَاتِبَ أَوْ دَكَاكِينَ أَو مَا شَاءَ، وَإِنْ أَوقَفَهُ عَلَى مَصَالِحِ المَسْجِدِ كَسَكَنٍ لِلإِمِامِ وَالمُؤَذِّنِ، فَذَلِكَ خَيرٌ.
فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ مَنْ يَشْتَرِي المَسْجِدَ القَدِيمَ، أَوْ حَالَ دُونَ ذَلِكَ حَائِلٌ؛ فَلَا أَرَى مَانِعًا مِنْ تَحْوِيلِ البِنَاءِ القَدِيمِ لِلْمَسْجِدِ سَكَنًا لِلإِمَامِ وَالمُؤَذِّنِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ الوَقْفِ مُعَطَّلًا يُفْضِي إِلَى فَوَاتِ مَنَافِعِهِ بِالكُلِّيَّةِ، وَفِي الاسْتِفَادَةِ مِنْهُ مَسْكَنًا لِلإِمَامِ وَالمُؤَذِّنِ، حِفْظٌ لَهُ مِنَ التَّعْطِيلِ، ثُمَّ إِنَّ تَحْوِيلَهُ إِلَى سَكَنٍ لِلإِمَامِ وَالمُؤَذِّنِ، هُوَ فِي الحَقِيقَةِ تَغْيِيرٌ لِصُورَةِ الوَقْفِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ قَولَي العُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ مَصْلَحَةِ المَسْجِدِ. قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ فِي "الاخْتِيَارَاتِ": "وَجَوَّزَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ تَغْيِيرَ صُورَتِهِ لِمَصْلَحَةٍ، كَجَعْلِ الدُّورِ حَوَانِيتَ"، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ مُوَافَقَةِ الوَاقِفِ أَوِ النَّاظِرِ عَلَى الوَقْفِ، سَوَاءً أَكَانَ شَخْصًا أَمْ جِهَةً، وَاللهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
أ.د خالد المصلح.
عضو الإفتاء
وأستاذ الفقه بجامعة القصيم.