الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَبِخُصُوصِ اسْتِفْسَارِكُمْ عَنْ حُكْمِ لُبْسِ كَابِ التَّخَرُّجِ وَقُبَّعَتِهِ، فَأُفِيدُكُمْ بِأَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ هَذَا اللِّبَاسِ، فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى تَحْرِيمِ لُبْسِهِ، وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّ هَذَا اللِّبَاسَ مِنْ أَلْبِسَةِ الْكُفَّارِ، فَيَدْخُلُ فِي نُصُوصِ النَّهْيِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»أخرجه أبو داود (4031)، وأحمد (5114)، وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: بِأَنَّ هَذَا اللِّبَاسَ مِمَّا يَلْبَسُهُ الرُّهْبَانُ وَالْقَسَاوِسَةُ، وَبِهَذَا يَكُونُ قَدْ أَضَافَ لِهَذَا اللِّبَاسِ بُعْدًا دِينِيًّا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَلْبِسَةِ عُبَّادِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي هَذَا اللِّبَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ الْكُفَّارُ وَيَتَمَيَّزُونَ، بَلْ أَصْبَحَ هَذَا اللِّبَاسُ عُرْفًا أَكَادِيمِيًّا عَالَمِيًّا لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِجِنْسٍ وَلَا بِدِينٍ وَلَا بِبَلَدٍ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَدُّ لُبْسُهُ تَشَبُّهًا؛ لِانْتِشَارِهِ وَشُيُوعِهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلِكَوْنِهِ لَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْكَافِرُ عَنِ الْمُسْلِمِ.
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِهِ لِبَاسًا عِبَادِيًّا فَلَمْ أَجِدْ لِهَذَا الرَّبْطِ مُسْتَنَدًا وَاضِحًا مَعَ بَذْلِ الْوُسْعِ فِي الْبَحْثِ.
وَمِثْلُهُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَصْلَ هَذَا اللِّبَاسِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْجَامِعَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْأَنْدَلُسِ، فَإِنَّنِي لَمْ أَقِفْ عَلَى مَا يُثْبِتُ ذَلِكَ.
وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ اخْتِصَاصِ هَذَا اللِّبَاسِ بِالْكُفَّارِ، وَأَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِعِبَادَاتِ الْكُفَّارِ، فَإِنَّهُ لَا حَرَجَ فِي لُبْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْحِلُّ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَنْعِ.
وَمَعَ هَذَا؛ فَإِنَّنِي لَا أَرَى جَوَازَ إِلْزَامِ الطُّلَّابِ الْمُتَخَرِّجِينَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ اللِّبَاسِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْخِلَافِ، وَلِكَوْنِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَاَللَّهُ ـ تَعَالَى ـ أَعْلَمُ.
وَفَّقَ اللَّهُ الْجَمِيعَ لِمَا فِيهِ الْخَيْرُ.
عُضْوُ الْإِفْتَاءِ فِي مِنْطَقَةِ الْقَصِيمِ
أ. د خَالِدُ بْنُ عَبْدِاَللَّهِ الْمُصْلِح
12/5/1436ه