الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمينَ، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ عَلَى نَبيِّنا مُحمدٍ وعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمَعينَ.
أمَّا بَعْدُ:
وعَلَيْكُمُ السَّلامُ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، فقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أنَّهُ كانَ يَقرَأُ في وِتْرِهِ بـ(سَبِّحْ) و(الكافِرونَ) و(الإخلاصُ) جاءَ ذَلِكَ في حَديثِ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ، وعائشَةَ، وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ أبْزَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وبهَذا قالَ جَماهيرُ العُلَماءِ دُونَ تَفريقٍ بَيْنَ كَونِهِ صَلَّى الوِتْرَ مُتَّصِلًا بتَسليمَةٍ أو مُنفَصِلًا بتَسليمَتَيْنِ، عَمَلًا بظاهِرِ السُّنَّةِ الَّتي لم تُفَرِّقْ بَيْنَ فَصْلِ الوِتْرِ ووصْلِهِ، وما قِيلَ مِنْ أنَّهُ لا تُسَنُّ قَراءةُ (سبِّحْ) و(الكافِرونَ) إذا صَلَّاها بتَسليمَتَيْنِ بُحجَّةِ أنَّهُ لا يَكونُ وِتْرًا حَينَئَذٍ، فهَذا قَوْلٌ مَعَ مُخالَفتِهِ لظاهِرِ الأحاديثِ فإنَّي لا أعلَمُ بِهِ قائِلًا مِنَ الأئمَّةِ.
كمَا أنَّ الاحتِجاجَ بأنَّهُ لا يَكونُ وِتْرًا حالَ الفَصْلِ فلا يَدخُلُ في الأحاديثِ، غَيْرُ صَحيحٍ؛ وذَلِكَ أنَّ صَلاةَ الرَّكْعَةِ تُوتِرُ لَهُ ما كانَ قَدْ صَلَّى قَبْلَها أَمَوْصُولًا كانَ ما قَبْلَها أم مَفصُولًا، وبهَذا جاءَ نَصُّ حَديثِ ابنِ عُمَرَ الَّذي فِيهِ أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ صَلاةِ اللَّيلِ؟ فقالَ: «مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خَشِيتَ الصُّبحَ فأوتِرْ بواحِدَةٍ تُوتِرْ لَكَ ما قَدْ صَلَّيتَ»، هَذا لَفْظُ البُخاريِّ ومِثْلُهُ لَفْظُ مُسلِمٍ: «تُوتِرْ لَهُ ما قَدْ صَلَّى». فتُسَمَّى الثَّلاثُ وِتْرًا صَلَّاها مُتَّصِلَةً أو مُنفَصِلَةً.
والخُلاصَةُ أنَّ مِنَ السُّنَّةِ قِراءَةُ: (سَبِّحْ) و(الكافِرونَ) و(الإخلاصُ) في الوِتْرِ مَوصولًا صَلَّي أم مَفْصولًا. ووَصيَّتِي لإخوانِي طَلَبةِ العِلمِ ومَنْ يَنْقُلُ عَنْهُم: التَّأنِّيَ والتَّثبُّتَ في نَقْدِ ما تَوالَى عَلَيْهِ عَمَلَ العُلَماءِ مُنْذُ قَرونٍ، وَفَّقَ اللهُ الجَميعَ للسَّدادِ في القَصْدِ والعَمَلِ.
كَتَبهُ
خالِد بنُ عَبدِ اللهِ المُصلِح
18/9/1636