الحَمدُ لِلَّهِ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَلَى سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعالَى التَّوفيقُ:
إذا تَبَرَّعَ أحَدٌ بإخراجِ الزَّكاةِ عَنْ غَيْرِهِ فإنَّهُ يُجزِئُهُ إخراجُ الزَّكاةِ عَنِ الغَيْرِ، ولكِنْ لا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَوكيلٍ؛ لأنَّ إخراجَ الزَّكاةِ لا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةٍ، «إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ»، فإذا أخْرَجَ أحَدٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أنْ يُوكِّلَهُ، ففي هذِهِ الحالِ هُنا إشْكالٌ مِنْ حَيْثُ أنَّهُ أخرَجَهُ بلا نِيَّةٍ عمَّنْ هِيَ لَهُ، فلا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ، فإذا كانَ والِدُكَ أخْرَجَها عَنْكَ وقَدْ وكَّلْتَهُ، أو أذِنْتَ لَهُ في الإخْراجِ، أو اعتدْتَ أنْ يُخرِجَها عَنْكَ فهُنا لا بَأْسَ.
وهَلْ يُجزِئُ إخراجُها نَقْدًا؟ جَماهِيرُ العُلَماءِ عَلَى أنَّ الواجِبَ في زَكاةِ الفِطْرِ أنْ تَكُونَ صاعًا مِنْ طَعامٍ، لحَديثِ ابنِ عُمَرَ في الصَّحيحَيْنِ: «أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- فَرَضَ زَكاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعامٍ أو صَاعًا مِنْ تَمْرٍ»، وهَذا النَّصُّ يُفيدُ أنَّ الواجِبَ في الإخْراجِ هُوَ الطَّعامُ.
وجاءَ في حَديثِ أبي سَعيدٍ: «كُنَّا نُخرِجُها عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، صَاعًا مِنْ زَبيبٍ، صَاعًا مِنْ شَعيرٍ، صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، صَاعًا مِنْ بُرٍّ»، فذَكَرَ خَمْسةَ أصْنافٍ، وهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أنَّ المَطلوبَ في الإخْراجِ هُوَ أنْ يَكُونَ مِنْ غالِبِ قُوتِ البَلَدِ، لكِنْ إذا كانَتْ هُناكَ حاجَةً أو مَصْلَحةً في إخْراجِ هذِهِ الزَّكاةِ نُقُودًا ففي هذِهِ الحالِ لا حَرَجَ، وهَذا هُوَ القَوْلُ الثَّانِي في المَسألَةِ، أنَّ الأصْلَ أنْ تَخرُجَ مِنَ الطَّعامِ، لكِنْ إنْ دَعَتْ حاجَةٌ أو مَصْلَحَةٌ فيَجوزُ إخراجُها مِنَ النَّقْدِ.
ومِثالُ الحاجَةِ: بَلَدٌ لا يَقبَلُونَ الطَّعامَ فهُنا الحاجَةُ داعِيَةٌ إلى أنْ تَخرُجَ مِنَ النُّقودِ، وبَلَدٌ فِيهِ الطَّعامُ مُتوفِّرٌ ولو أعْطَيتَهُم طَعامًا قَبِلوهُ لكِنَّ مَصْلَحَتَهُم ومَنَفعَتَهُم في أنْ تَخرُجَ نُقُودًا ففي هذِهِ الحالِ إخراجُها مِنَ النُّقودِ جائِزٌ، وهَذا هُوَ اختيارُ شَيْخِ الإسْلامِ - رَحِمَهُ اللهُ - ابنِ تَيمَيَّةَ وهُوَ قَوْلٌ في مَذاهِبِ الحَنابِلَةِ.
القَوْلُ الثَّالِثُ: أنَّهُ يَجوزُ إخراجُها نَقْدًا مُطْلَقًا، سَواءٌ كانَ هُناكَ حاجَةً أو لم يَكُنْ، وهذا مَذْهَبُ الإمامِ أبِي حَنيفَةَ.
وأرجَحُ هذِهِ الأقْوالِ هُوَ ما ذَهَبَ إلَيْهِ شَيْخُ الإسْلامِ مِنْ أنَّ الأصْلَ هُوَ إخراجُها مِنَ الطَّعامِ ما لم تَدْعُ إلى ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ أو حاجَةٌ فيَجُوزُ إخراجُها مِنَ النُّقودِ.