هَلْ يَجوزُ الفِطْرُ لِمَنْ عَمَلُهُ شَاقٌّ ويَصعُبُ عَلَيْهِ الصِّيامُ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.
وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.
ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر
على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004
من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا
بارك الله فيكم
إدارة موقع أ.د خالد المصلح
خزانة الأسئلة / تطبيق مع الصائمين / الصيام فتاوى وأحكام / هل يجوز الفطر لمن عمله شاق ويصعب عليه الصيام؟
هل يجوز الفطر لمن عمله شاق ويصعُب عليه الصيام؟
السؤال
هَلْ يَجوزُ الفِطْرُ لِمَنْ عَمَلُهُ شَاقٌّ ويَصعُبُ عَلَيْهِ الصِّيامُ؟
هل يجوز الفطر لمن عمله شاق ويصعُب عليه الصيام؟
الجواب
الحَمدُ لِلَّهِ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّم وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَلَى سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعالَى التَّوفيقُ:
ذَكَرَ اللهُ - جَلَّ وعَلا - في كِتابِهِ الحَكيمِ قاعِدَةً كُلِّيَةً فِيما يتَّصِلُ بالشَّرائِعِ والأوامِرِ والنَّواهِي والأحْكامِ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التَّغابُنُ: 16]، وهَذا هُوَ مَناطُ التَّكْليفِ؛ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البَقَرَةُ: 286]، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطَّلاقُ: 7]، وهَذا لا خِلافَ بَيْنَ العُلَماءِ فِيهِ؛ ولذَلِكَ جَعَلَ اللهُ تَعالَى الطَّاقَةَ مُؤثِّرةً في الصِّيامِ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ، فقالَ تَعالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البَقَرَةُ: 184]، فنَصَّ عَلَى المُستَطيعينَ، وهَذا يُشعِرُ بأنَّ غَيْرَ المُستَطيعِينَ لَهُم حُكْمٌ.
ومَسْأَلَةُ الأعْمالِ الشاقَّةِ مَسْألةٌ نِسْبيَّةٌ، وليْسَ هُناكَ جامِعًا مُشتَركًا يُمكِنُ أنْ يُوصَفَ بأنَّهُ شاقٌّ، فما يَكونُ شَاقًّا عَلَى شَخْصٍ قَدْ لا يَكونُ شَاقًّا عَلَى غَيْرِهِ، لكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَكونُ عَمَلُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ، وبَعْضَ النَّاسِ يَعمَلُونَ في مَصانِعِ الحَديدِ، وبَعْضَهُم يَعمَلُونَ عِنْدَ الأفْرانِ، كُلُّ هَذا مُمكِنٌ؛ لكِنْ كُلُّ هَذا يَندرِجُ تَحْتَ أنَّهُ أمْرٌ نِسبِيٌ، فمَنْ تَعوَّدَ عَلَى شَيءٍ ليْسَ كمَنْ لم يَألَفْهُ ولم يَعتَدْهُ، وبالتَّالِي فمَسْأَلَةُ المَشَقَّةِ مَسْألَةٌ نِسبيَّةٌ، فالجَوابُ العامُّ قَدْ يَكونُ فِيهِ نَوْعٌ مِنَ التَّضليلِ، ولهَذا نَقُولُ: الأصْلُ أنَّ اللهَ تَعالَى فَرَضَ الصِّيامَ عَلَى جَميعِ المُؤمِنينَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البَقَرَةُ: 183]، ويَقولُ اللهُ - جَلَّ وعَلا -: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البَقَرَةُ: 185]، وهَذا خِطابٌ لكافَّةِ أهلِ الإيمانِ، وقَدْ عَذَرَ اللهُ تَعالَى فِئامًا فقالَ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البَقَرَةُ: 184]، وقالَ جَلَّ وعَلا: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البَقَرَةُ: 185]، فدَلَّ هَذا عَلَى أنَّ أصْحابَ الأَعْذارِ مِمَّنْ رَخَّصَ اللهُ تَعالَى لَهُم في الفِطْرِ؛ ولهَذا مَنْ كانَ عَمَلَهُ شَاقًّا مَشقَّةً خارِجَةً عَنِ المُعْتادِ، مَشقَّةً يَلْحَقُهُ بالصِّيامَ مَضَرَّةٌ أو هَلاكٌ ولا يَستَطيعُ أنْ يَستَغنِيَ عَنْ هَذا العَمَلِ، أو يُعَدِّلَ مَوَاعيدَ العَمَلِ بحَيْثُ يَتَوافَقُ مَعَ الصِّيامِ؛ فعِنْدَ ذَلِكَ يَجوزُ لَهُ الفِطْرُ بهذِهِ القُيُودِ الَّتِي ذُكِرَتْ، وقَدْ ذَكَرَ الفُقَهاءُ - رَحِمَهُمُ اللهُ - خُصُوصًا فُقَهاءُ الحَنابِلَةِ أنَّ مَنْ كانَتْ لَهُ صَنْعَةٌ شاقَّةٌ، ولا يَستَغْني عَنْها، ويَضرُّهُ الصَّوْمَ فيَجُوزُ لَهُ الفِطْرُ، وهَذا يَدُلُّ عَلَى أنَّ هَذا الواجِبَ لا يَخرُجُ عَنْ سائِرِ الواجِباتِ مِنْ حَيْثُ وُجوبُ مُراعاةِ الاستِطاعَةِ.
فإذا جازَ لَهُ الفِطْرُ فعِنْدَ ذَلِكَ قَدْ قالَ اللهُ تَعالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البَقَرَةُ: 185]، فلا شَكَّ أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ القَضَاءُ، ولكِنْ يَقضِي في الوَقْتِ الَّذِي يَستَطيعُهُ، في وَقْتِ البَرادِ، في وَقْتِ النَّهارِ القَصيرِ، لكِنْ هُنا لا بُدَّ مِنَ التَّنَبُّهِ أنَّ الحاجَةَ إلى الفِطْرِ قَدْ تَكونُ مَظْنُونَةً، وقَدْ تَكونُ مُتحَقِّقَةً، وقَدْ تَكونُ مُتَوهَّمةً، وبالتَّالِي لا يَنبَغِي للمُؤْمِنِ أنْ يُبيِّتَ الفِطْرَ مِنْ أوَّلِ الوَقْتِ، بَلْ يَنبَغِي أنْ يُبيِّتَ الصِّيامَ كما هُوَ حالُ أهلِ الإسلامِ، وكما هُوَ شأنُ المُؤمِنينَ عَامَّةً، ثُمَّ إذا طَرَأَ ما يَلحَقُهُ بِهِ مَشقَّةٌ وتَعَبٌ وعَنَتٌ فعِنْدَ ذَلِكَ لا يُكلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَها، فاتَّقُوا اللهَ ما استَطَعْتُم، وقَدْ صَدَرَتِ الفَتوَى عَنِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَميدٍ، وعَنِ الشَّيْخِ عَبْدِ العَزيزِ بنِ بازٍ - رَحِمَهُمُ اللهُ - بهَذا الخُصُوصِ في أصحابِ الأعْمالِ الشَّاقَّةِ، أنَّهُم يُصبِحُونَ صائِمِينَ، فإذا شَقَّ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ فعِنْدَ ذَلِكَ يَكونُونَ مِمَّنْ يُباحُ لهُمُ الفِطْرُ، إذا تَوافَرتْ فِيهِمُ الأوْصافُ، بأنْ يَشُقَّ عَلَيْهِم مَشقَّةً خارِجَةً عَنِ المُعتادِ، وإمَّا أنْ يَلحَقَهُم هَلاكٌ، وإمَّا أنْ يَلحَقَهُم ضَرَرٌ غَيْرُ مُعْتادٍ؛ فهُنا يُفطِرُونَ للإذْنِ في ذَلِكَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ عُمومُ قَوْلِ اللهِ تَعالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التَّغابُنُ: 16]، والَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ جَلَّ وعَلا: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البَقَرَةُ: 185].
لكِنْ لا يَنبَغِي أنْ يُقالَ عَلَى وَجْهِ العُمُومِ: إنَّ مَنْ كانَ عَمَلَهُ شَاقًّا فليْسَ عَلَيْهِ صِيامٌ، فإنَّ هَذا نَوْعٌ مِنَ الإيهامِ والتَّضليلِ في القَوْلِ، الَّذِي قَدْ يَكونُ مَدْعاةً لكَثيرٍ مِنَ النَّاسِ أنْ يَتَهاوَنوا في قَضيَّةِ الصِّيامِ لأجْلِ أنَّ عَمَلَهُم شَاقٌّ، أو لأجْلِ أنَّهُم يَشْعُرونَ بمشَقَّةِ العَمَلِ، في حِينِ أنَّهُم يَستَطيعُونَ أنْ يُدَبِّروا أُمورَهُم عَلَى وَجْهٍ يَجمَعونَ بَيْنَ مَصالِحِ الدِّينِ ومَصالِحِ الدُّنْيا.
الحَمدُ لِلَّهِ، وصَلَّى اللهُ وسَلَّم وبارَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ.
أمَّا بَعْدُ:
فإجابَةً عَلَى سُؤالِكَ نَقولُ وباللهِ تَعالَى التَّوفيقُ:
ذَكَرَ اللهُ - جَلَّ وعَلا - في كِتابِهِ الحَكيمِ قاعِدَةً كُلِّيَةً فِيما يتَّصِلُ بالشَّرائِعِ والأوامِرِ والنَّواهِي والأحْكامِ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التَّغابُنُ: 16]، وهَذا هُوَ مَناطُ التَّكْليفِ؛ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البَقَرَةُ: 286]، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطَّلاقُ: 7]، وهَذا لا خِلافَ بَيْنَ العُلَماءِ فِيهِ؛ ولذَلِكَ جَعَلَ اللهُ تَعالَى الطَّاقَةَ مُؤثِّرةً في الصِّيامِ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ، فقالَ تَعالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البَقَرَةُ: 184]، فنَصَّ عَلَى المُستَطيعينَ، وهَذا يُشعِرُ بأنَّ غَيْرَ المُستَطيعِينَ لَهُم حُكْمٌ.
ومَسْأَلَةُ الأعْمالِ الشاقَّةِ مَسْألةٌ نِسْبيَّةٌ، وليْسَ هُناكَ جامِعًا مُشتَركًا يُمكِنُ أنْ يُوصَفَ بأنَّهُ شاقٌّ، فما يَكونُ شَاقًّا عَلَى شَخْصٍ قَدْ لا يَكونُ شَاقًّا عَلَى غَيْرِهِ، لكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَكونُ عَمَلُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ، وبَعْضَ النَّاسِ يَعمَلُونَ في مَصانِعِ الحَديدِ، وبَعْضَهُم يَعمَلُونَ عِنْدَ الأفْرانِ، كُلُّ هَذا مُمكِنٌ؛ لكِنْ كُلُّ هَذا يَندرِجُ تَحْتَ أنَّهُ أمْرٌ نِسبِيٌ، فمَنْ تَعوَّدَ عَلَى شَيءٍ ليْسَ كمَنْ لم يَألَفْهُ ولم يَعتَدْهُ، وبالتَّالِي فمَسْأَلَةُ المَشَقَّةِ مَسْألَةٌ نِسبيَّةٌ، فالجَوابُ العامُّ قَدْ يَكونُ فِيهِ نَوْعٌ مِنَ التَّضليلِ، ولهَذا نَقُولُ: الأصْلُ أنَّ اللهَ تَعالَى فَرَضَ الصِّيامَ عَلَى جَميعِ المُؤمِنينَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البَقَرَةُ: 183]، ويَقولُ اللهُ - جَلَّ وعَلا -: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البَقَرَةُ: 185]، وهَذا خِطابٌ لكافَّةِ أهلِ الإيمانِ، وقَدْ عَذَرَ اللهُ تَعالَى فِئامًا فقالَ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البَقَرَةُ: 184]، وقالَ جَلَّ وعَلا: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البَقَرَةُ: 185]، فدَلَّ هَذا عَلَى أنَّ أصْحابَ الأَعْذارِ مِمَّنْ رَخَّصَ اللهُ تَعالَى لَهُم في الفِطْرِ؛ ولهَذا مَنْ كانَ عَمَلَهُ شَاقًّا مَشقَّةً خارِجَةً عَنِ المُعْتادِ، مَشقَّةً يَلْحَقُهُ بالصِّيامَ مَضَرَّةٌ أو هَلاكٌ ولا يَستَطيعُ أنْ يَستَغنِيَ عَنْ هَذا العَمَلِ، أو يُعَدِّلَ مَوَاعيدَ العَمَلِ بحَيْثُ يَتَوافَقُ مَعَ الصِّيامِ؛ فعِنْدَ ذَلِكَ يَجوزُ لَهُ الفِطْرُ بهذِهِ القُيُودِ الَّتِي ذُكِرَتْ، وقَدْ ذَكَرَ الفُقَهاءُ - رَحِمَهُمُ اللهُ - خُصُوصًا فُقَهاءُ الحَنابِلَةِ أنَّ مَنْ كانَتْ لَهُ صَنْعَةٌ شاقَّةٌ، ولا يَستَغْني عَنْها، ويَضرُّهُ الصَّوْمَ فيَجُوزُ لَهُ الفِطْرُ، وهَذا يَدُلُّ عَلَى أنَّ هَذا الواجِبَ لا يَخرُجُ عَنْ سائِرِ الواجِباتِ مِنْ حَيْثُ وُجوبُ مُراعاةِ الاستِطاعَةِ.
فإذا جازَ لَهُ الفِطْرُ فعِنْدَ ذَلِكَ قَدْ قالَ اللهُ تَعالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البَقَرَةُ: 185]، فلا شَكَّ أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ القَضَاءُ، ولكِنْ يَقضِي في الوَقْتِ الَّذِي يَستَطيعُهُ، في وَقْتِ البَرادِ، في وَقْتِ النَّهارِ القَصيرِ، لكِنْ هُنا لا بُدَّ مِنَ التَّنَبُّهِ أنَّ الحاجَةَ إلى الفِطْرِ قَدْ تَكونُ مَظْنُونَةً، وقَدْ تَكونُ مُتحَقِّقَةً، وقَدْ تَكونُ مُتَوهَّمةً، وبالتَّالِي لا يَنبَغِي للمُؤْمِنِ أنْ يُبيِّتَ الفِطْرَ مِنْ أوَّلِ الوَقْتِ، بَلْ يَنبَغِي أنْ يُبيِّتَ الصِّيامَ كما هُوَ حالُ أهلِ الإسلامِ، وكما هُوَ شأنُ المُؤمِنينَ عَامَّةً، ثُمَّ إذا طَرَأَ ما يَلحَقُهُ بِهِ مَشقَّةٌ وتَعَبٌ وعَنَتٌ فعِنْدَ ذَلِكَ لا يُكلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَها، فاتَّقُوا اللهَ ما استَطَعْتُم، وقَدْ صَدَرَتِ الفَتوَى عَنِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَميدٍ، وعَنِ الشَّيْخِ عَبْدِ العَزيزِ بنِ بازٍ - رَحِمَهُمُ اللهُ - بهَذا الخُصُوصِ في أصحابِ الأعْمالِ الشَّاقَّةِ، أنَّهُم يُصبِحُونَ صائِمِينَ، فإذا شَقَّ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ فعِنْدَ ذَلِكَ يَكونُونَ مِمَّنْ يُباحُ لهُمُ الفِطْرُ، إذا تَوافَرتْ فِيهِمُ الأوْصافُ، بأنْ يَشُقَّ عَلَيْهِم مَشقَّةً خارِجَةً عَنِ المُعتادِ، وإمَّا أنْ يَلحَقَهُم هَلاكٌ، وإمَّا أنْ يَلحَقَهُم ضَرَرٌ غَيْرُ مُعْتادٍ؛ فهُنا يُفطِرُونَ للإذْنِ في ذَلِكَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ عُمومُ قَوْلِ اللهِ تَعالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التَّغابُنُ: 16]، والَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ جَلَّ وعَلا: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البَقَرَةُ: 185].
لكِنْ لا يَنبَغِي أنْ يُقالَ عَلَى وَجْهِ العُمُومِ: إنَّ مَنْ كانَ عَمَلَهُ شَاقًّا فليْسَ عَلَيْهِ صِيامٌ، فإنَّ هَذا نَوْعٌ مِنَ الإيهامِ والتَّضليلِ في القَوْلِ، الَّذِي قَدْ يَكونُ مَدْعاةً لكَثيرٍ مِنَ النَّاسِ أنْ يَتَهاوَنوا في قَضيَّةِ الصِّيامِ لأجْلِ أنَّ عَمَلَهُم شَاقٌّ، أو لأجْلِ أنَّهُم يَشْعُرونَ بمشَقَّةِ العَمَلِ، في حِينِ أنَّهُم يَستَطيعُونَ أنْ يُدَبِّروا أُمورَهُم عَلَى وَجْهٍ يَجمَعونَ بَيْنَ مَصالِحِ الدِّينِ ومَصالِحِ الدُّنْيا.