الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ عَلَى نَبيِّنا مُحمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمَعينَ.
وعَلَيْكُمُ السَّلامُ ورَحمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ.
أمَّا بَعْدُ:
فلا شَكَّ أنَّ هَذَا المَرَضَ يُبيحُ الفِطْرَ، والأفضَلُ ألَّا تَشُقَّ عَلَى نَفسِكَ بالصَّوْمِ، فإنْ كانَ يُمكِنُكَ القَضاءُ فاقْضِ ما أفطَرْتَ، وإلا فأطعِمْ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسكينًا.
وأمَّا بخُصوصِ حَقْنِ الدَّمِ، سَواءٌ في هَذَا النَّوعِ مِنَ الأمراضِ أو غَيْرِها، فالَّذِي عَلَيْهِ أكثَرُ العُلَماءِ المُعاصِرينَ أنَّهُ يُفَطِّرُ؛ لكَونِ الدَّمِ الدَّاخِلِ للبَدَنِ يَحصُلُ بِهِ ما يَحصُلُ بالطَّعامِ والشَّرابِ مِنْ تَقويَةِ البَدَنَ وحِفظِهِ.
وذَهَبَ طائِفَةٌ مِنْ أهلِ العِلمِ إلى أنَّ حَقْنَ الدَّمِ لا يُفَطِّرُ؛ لكَونِهِ ليْسَ أَكْلًا ولا شُربًا، ولا هُوَ في مَعنَى الأَكْلِ والشُّرْبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فتَقويَةُ البَدَنِ وتَغذيَتُهُ هِيَ إحْدَى المَقاصِدُ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ، فحُصولُها للصَّائِمِ بغَيْرِ الأكْلِ و الشُّربِ لا يَحصُلُ بِهِ الفِطْرُ، ويُمكِنُ أنْ يُستَدَلَّ لذَلِكَ بِما في البُخاريِّ (1922) ومُسلِمٍ (1102) مِنْ حَديثِ عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - في قِصَّةِ وِصالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ونَهيِهِ أصحابَهُ عَنِ الوِصالِ، قالُوا لَهُ: «فإنَّكَ تُواصِلُ» فقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «لسْتُ كهَيْئتِكُم، إنِّي أظَلُّ أُطعَمُ وأُسقَى»، ومَعلومٌ أنَّ هَذَا الطَّعامَ والشَّرابَ ليْسَ أكْلًا ولا شُربًا يَحصُلُ بِهِ الفِطْرُ، وإنَما هُوَ ما أمَدَّ اللهُ تَعالَى بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - مِنَ القُوَّةِ الحاصِلَةِ مِنَ الاشتِغالِ بالعِبادَةِ، والَّتِي استَغْنَى بِها عَنِ الطَّعامِ والشَّرابِ، فيُمكِنُ أنْ يُقالَ: إنَّ حُصولَ القُوَّةِ للبَدَنِ واستِغناءَهُ عَنِ الطَّعامِ والشَّرابِ مِنْ غَيْرِ أكْلٍ ولا شُرْبٍ ليْسَ مُفَطِّرًا.
ثُمَّ إنَّ الأصْلَ عَدَمُ الفِطْرِ بشَيءٍ مِنَ الأَشياءِ إلَّا بدَليلٍ، وليْسَ هُناكَ دَليلًا ولا قِياسًا جَليًّا يُمكِنُ بِهِ إثباتُ الفِطْرِ بحَقْنِ الدَّمِ للصَّائِمِ، وبِناءً عَلَيْهِ فأقرَبُ القَوْلَيْنِ للصَّوابِ هُوَ عَدَمُ الفَطْرِ بحَقْنِ الدَّمِ، واللهُ تَعالَى أعلَمُ.
أخُوكُم
أ.د.خالِد المُصلِح
20 / 9 /1428 هـ