ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالحَنَابِلَةِ، وَغَيْرِهِمْ إِلَى جَوَازِ الإِعْلَامِ بِالمَوتِ مِنْ غَيْرِ نِدَاءٍ؛ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ؛ لِمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1168) وَمُسْلِمٌ (1580) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى المُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا". وَأَمَّا إِذَا كَانَ بِرَفْعِ صَوتٍ وَنِدَاءٍ فَكَرِهَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالحَنَابِلَةِ؛ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ (23848) وَالتِّرْمِذِيُّ (986) وَابنُ مَاجَه (1476) عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ" وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَحَسَّنَهُ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي الفَتْحِ (117/3)، وَالنَّعْيُ إِعْلَامٌ بِالمَيِّتِ بِرَفْعِ صَوتٍ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ النِّدَاءُ عَلَى المَيِّتِ فِي الأَزِقَّةِ وَالأَسْوَاقِ، إِذَا كَانَ نِدَاءً مُجَرَّدًا عَنْ ذِكْرِ المَفَاخِرِ، قَالُوا: لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَكْثِيرَ الجَمَاعَةِ مِنَ المُصَلِّينَ وَالمُسْتَغْفِرِينَ لِلْمَيِّتِ، وَلَيْسَ مِثْلَ نَعْيِ الجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُبْعَثُونَ إِلَى القَبَائِلِ يَنْعُونَ مَعَ ضَجيْجٍ وَبُكَاءٍ وَعَوِيلٍ وَنِيَاحَةٍ. وَيُقَالُ فِي الجَوَابِ عَلَى هَذَا: إِنَّ مَقْصُودَ تَكْثِيرِ الجَمَاعَةِ مِنَ المُصَلِّينَ وَالمُسْتَغْفِرِينَ لِلْمَيِّتِ، يُمْكِنُ حُصُولُهُ دُونَ النِّدَاءِ وَرَفْعِ الصُّوتِ. فَالصَّوَابُ مِنْ هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ قَولُ الجُمْهُورِ القَائِلِينَ بِكَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوتِ فِي الإِعْلَامِ بِمَوتِ المَيِّتِ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ وَرَفْعَ الصَّوْتِ بِمَوْتِ المَيِّتِ دَاخِلٌ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فِي بَعْضِ نَعْيِ الجَاهِلِيَّةِ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُرْسِلُونَ مَنْ يُعْلِنُ بِخَبَرِ مَوتِ المَيِّتِ عَلَى أَبْوَابِ الدُّورِ والأَسْوَاقِ.
أخوكم
أ.د خالد المصلح
16/ 1/ 1429هـ.