الواجِباتُ في الشَّريعَةِ في حالِ عَدَمِ القُدْرَةِ قِسْمانِ:
الأوَّلُ: ما يَسقُطُ إلى بَدَلٍ، وذَلِكَ كالوُضوءِ والغُسْلِ، فإنَّهُ في حالِ العَجْزِ وعَدَمِ القُدرَةِ عَلَى استِعمالِ الماءِ يَجِبُ التَّيمُّمُ، قالَ اللهُ تَعالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} النِّساءُ:43 .
الثَّانِي: ما يَسقُطُ لغَيْرِ بَدَلٍ، ومِثالُهُ مَنْ عَجَزَ عَنِ الماءِ والتَّيَمُّمِ، فيُصلِّي بلا وُضوءٍ ولا تَيمُّمٍ.
وما سألتَ عَنْهُ مِنْ إطعامِ الكَبيرِ العاجِزِ عَنِ الصَّوْمِ، فالكَبيرُ العاجِزُ عَنِ الصَّوْمِ مُخاطَبٌ بوُجوبِ الصَّوْمِ، وداخِلٌ في عُمومِ قَوْلِهِ تَعالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} البَقَرةُ:185 ، ولكِنْ لمَّا عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ لكِبَرِهِ، جازَ لَهُ الفِطْرُ، ولا قَضاءَ عَلَيْهِ، وأمَّا وُجوبُ الإطعامِ ففِيْهِ للعُلَماءِ قَوْلانِ:
القَوْلُ الأَوْلُ: أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الإطعامُ، وإلَيْهِ ذهَبَ جُمهورُ العُلَماءِ، واستَدلُّوا عَلَى ذَلِكَ بقَوْلِهِ تَعالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} البَقَرةُ:184 ، حَيْثُ جَعَلَ اللهُ تَعالَى الإطعامَ بَدَلَ الصِّيامِ، وفي البُخاريِّ (4505) عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - أنَّهُ قالَ في هذِهِ الآيَةِ: (ليسَتْ بمَنْسوخَةٍ، هُوَ الشَّيخُ الكَبيرُ، والمرأَةُ الكَبيرَةُ، لا يَستَطيعانِ أنْ يَصُوما، فيُطعِمانِ مَكانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكينًا)، وهَذَا مِنْ دَقيقِ فِقْهِ ابنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، حَيْثُ إنَّ اللهَ تَعالَى لمَّا فَرَضَ الإطعامَ بَدَلًا عَنِ الصِّيامِ في أوَّلِ التَّشريعِ، ثُمَّ نَسَخَهُ بوُجوبِ الصَّوْمِ عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ، بَقِيَ البَدَلُ في حَقِّ العاجِزِ. كما يمُكِنُ أنْ يُستفادَ أنَّ الإطعامَ بَدَلٌ عَنِ الصِّيامِ مِنْ جُملَةٍ مِنَ الكفَّاراتِ، كالظِّهارِ، وكفَّارةِ المُجامِعِ في نَهارِ رَمضَانَ، فقَدْ جُعِلَ فِيهِما إطعامُ سِتِّينَ مِسكينًا بَدَلًا عَنْ صِيامِ شَهرَيْنِ مُتتابعَيْنِ.
القَوْلُ الثَّانِي: أنَّ الإطعامَ لا يَجِبُ عَلَيْهِ، وهَذَا مَذهَبُ مالكٍ والظَّاهريَّةِ، وقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافعيَّةِ اختارَهُ ابنُ المُنذِرِ.
والأقرَبُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ الجُمهورُ مِنْ وُجوبِ الإطعامِ، واللهُ أعلَمُ.
كَتَبَهُ أخُوكُم
أ.د خالِد المُصلِح
1/ 9/ 1429هـ.