السُّؤَالُ: مَا مَدَى صِحَّةِ حَدِيثِ «طُوبَى للغُرَبَاءِ»؟ وَمَا صِفَاتُهُم وَخِصَالُهُمْ؟
خزانة الأسئلة / حديث / ما مدى صحة حديث « طوبى للغرباء »؟ وما صفاتهم وخصالهم؟
السؤال: ما مدى صحة حديث « طوبى للغرباء »؟ وما صفاتهم وخصالهم؟
السؤال
السُّؤَالُ: مَا مَدَى صِحَّةِ حَدِيثِ «طُوبَى للغُرَبَاءِ»؟ وَمَا صِفَاتُهُم وَخِصَالُهُمْ؟
السؤال: ما مدى صحة حديث « طوبى للغرباء »؟ وما صفاتهم وخصالهم؟
الجواب
الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالِمِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ.
فَحَدِيثُ «طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»؛ هُوَ مِمَّا جَاءَ فِي صَحِيحِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: «بَدَأَ الإسلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ؛ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» صحيح الإمام مسلم, حديث رقم (145). وَقَوْلُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: «طُوبَى»: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دُعَاءً بِالفَرَحِ وَدَوَامِ الخَيرِ وَالجَنَّةِ أَوْ شَجَرَةٍ فِيْهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا؛ أَيْ: أَنَّ لَهُمْ الطَّيِّبَ فِي الدُّنْيِا وَالآخِرَةِ مِنَ الفَرَحِ وَقُرَّةِ العَينِ وَالجَنَّةِ. وُكُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ مُحْتَمَلَةٌ فِي الحَدِيثِ، وَاللهُ أَعْلَمُ شرح النووي على صحيح مسلم (2/176). .
وَالغُرْبَةُ هُنَا المَذْكُوْرَةُ فِي الحَدِيثِ لَهَا وَجْهَانِ:
الأَوَّلُ: غُرْبَةُ مَا جَاءَ بِهِ الإِسْلَامُ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى عِبَادِةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَتَرْكِ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ؛ فَقَدْ كَانَتْ عِبَادَةُ غَيرِ اللهِ تَعَالَى وَالإِشْرَاكُ بِهِ أَمْرًا فَاشِيًا فِي النَّاسِ.
وَالثَّانِي: غُرْبَةُ أَهْلِ الإِسْلَامِ بِقِلَّتِهِمْ؛ فَقَدْ بَدَأَ الإِسْلَامُ فِي آحَادٍ مِنَ النَّاسِ وَقِلَّةٍ، ثُمَّ انْتَشَرَ وَظَهَرَ، ثُمَّ سَيَلْحَقُهُ النَّقْصُ وَالاخْتَلَافُ، حَتَّى لَا يَبْقَى - أَيْضًا - إِلَّا فِي آحَادٍ وَقِلَّةٍ؛ غَرِيْبًا كَما َبَدَأَ إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (1/456).
وَعَلَى كِلَا الاحْتِمَالَينِ؛ فَإِنَّ المُمَاثَلَةَ بَينَ الحَالَينِ الأُولَى وَالأَخِيرَةِ فِي الوَجْهَينِ كِلَيهِمَا؛ فَإِنَّ الشِّرْكَ يَفْشُو فِي آخِرِ الزَّمَنِ كَمَا كَانَتْ الحَالُ فِي أَوَّلِ مَجِيءِ الإِسْلَامِ؛ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الإِسْلَامِ يَكُونُونَ فِي قِلَّةٍ فِي آخِرِ الزَّمَنِ كَمَا كَانُوا فِي قِلَّةٍ فِي أَوَّلِهِ فيض القدير (2/321).
وَفِي الجُمْلَةِ؛ فَإِنَّ أَهْلَ الإِسْلَامِ قِلَّةٌ فِي النَّاسِ بِالنَّظَرِ إِلَى مَجْمُوعِ البَشَرِيَّةِ، كَمَا قَالَ ـ تَعَالَى ـ: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ جزء من آية رقم (116) من سورة الأنعام. .
ثَانِيًا: أَمَّا صِفَاتُ الغُرَبَاءِ وَخِصَالُهُمْ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ يُمْكِنُ إِجْمَالُهَا فِيمَا يَلِي:
الأَوَّلُ: أَنَّهُمْ أَفْرَادٌ فِي قَبَائِلِهِمْ، يَخْرُجُونُ عَمَّا عَلَيهِ مَجُمُوعُ قَوْمِهِمْ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ زِيَادَةً عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ الَّذِي قَالَ فِيْهِ: «بَدَأَ الإسلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ؛ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» تقدم تخريجه. , قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لمَّا سُئِلَ: مَنِ الغُرَبَاءُ؟ قَالَ: «النُزَّاعُ مِنَ القَبَائِلِ» أخرجه الإمام أحمد (3784)، وابن ماجه (3988), والدارمي (2797), وَقَال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. كما في تحقيق المسند (5/296). ، وَالنُّزَّاعُ: جَمْعُ نَازِعٍ، وَهُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَينِ قَوْمِهِ وَيَتَفَرَّدُ؛ كَمَا كَانَ المُهَاجِرُونَ نُزَّاعًا مِنْ القَبَائِلِ يَتَفَلَّتُونَ مِنْ أَقْوَامِهِمْ وَمِنْ عَشِائِرِهِمْ، وَيُهَاجِرُونَ إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُزَّاعًا، وَهَكَذَا حَالُ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ ظُهُورِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُمْ أَهْلُ صَلَاحٍ فِي ذَوَاتِهِمْ وَأَهْلُ إِصْلَاحٍ لِغَيرِهِمْ؛ فَقَدْ جَاءَ فِيْمَا رَوَاهُ الآجُرِّيُّ ينظر: كتاب "الغرباء" لأبي بكر الآجري، ص (16). بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا سُئِلَ: مَنْ هُمُ الغُرَبَاءُ؟ قَالَ: «الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ» مسند الإمام أحمد (16690), والطبراني في المعجم الكبير (5867), والأوسط (3056) ، وَفِي رِوَايَةٍ: «الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ» أخرجه الترمذي (2630)، وَقال: حديث حسن. ؛ أَيْ: أَنَّهُمْ يَصْلُحُونَ فِي ذَوَاتِهِمْ، وَيُصْلِحُونَ غَيرَهُمْ.
الثَّالِثُ: أَنَّ عَدَدَهُمْ قَلِيلٌ بِالنَّظَرِ إِلَى غَيرِهِمْ؛ فَقَدْ جَاءَ فِيْمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرو ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّه لمَّا سُئِلَ ـ صَلى الله عليه وسلم ـ عَنِ الغُرَبَاءِ قَالَ: «ناسٌ صَالِحونَ فِي نَاسِ سَوءٍ كثيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ» مسند الإمام أحمد (7072), والمعجم الأوسط للطبراني (8986), والغرباء للآجري (22). قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. كما في تحقيق المسند (12/29) . وَهَذَا الوَصْفُ يَخْتِلُفُ بِاخْتِلافِ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ وَظُهُورِ الإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ وَعَدَمِ ذَلِكِ.
واَلخُلَاصَةُ: أَنَّ وَصْفَهُمْ بِالغُرَبَاءِ قَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إِلَى عَدَدِهِمْ، وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إِلَى عَمَلِهمِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إِلَى زَمَانِهِمْ، وَحَالِ النَّاسِ الَّذِيْنَ يَعِيشُونَ مَعَهُمْ.
وَمِمَّا يَجْدُرُ التَّنَبُّهُ لَهُ أَنَّهُ مَعَ هَذِهِ الغُرْبَةِ الَّتِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّةِ الإِسْلَامِ، مِنْ أَهْلِ الحَقِّ، مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، مِنْ أَتْبَاعِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمَا كَانَ عَلَيهِ الصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ الصَّالِحُ عَلَى مَرِّ العُصُورِ؛ فَفِي الصَّحِيْحِ مِنْ حَدِيثِ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ» صحيح البخاري (7311)، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: «لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» صحيح مسلم (1920 ) . وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ بِشَارَةٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ بِبَقَاءِ عِزِّهَا، وَحِفْظِ أُصُولِهَا عَلَى مَرِّ العُصُورِ وَكَرِّ الدُّهُورِ، إِلَّا أَنَّهُ أَيْضًا حَثٌّ لِأَهْلِ الإِسْلَامِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ هَذِهِ الفِئَةِ الَّتِي تَقُومُ بِالحَقِّ، وَتَعْمَلُ بِهِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَقُومُ بِالحَقِّ وَيَدْعُو إِلَيْهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا الفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالِمِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ.
فَحَدِيثُ «طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»؛ هُوَ مِمَّا جَاءَ فِي صَحِيحِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: «بَدَأَ الإسلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ؛ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» +++صحيح الإمام مسلم, حديث رقم (145). --- وَقَوْلُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: «طُوبَى»: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دُعَاءً بِالفَرَحِ وَدَوَامِ الخَيرِ وَالجَنَّةِ أَوْ شَجَرَةٍ فِيْهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا؛ أَيْ: أَنَّ لَهُمْ الطَّيِّبَ فِي الدُّنْيِا وَالآخِرَةِ مِنَ الفَرَحِ وَقُرَّةِ العَينِ وَالجَنَّةِ. وُكُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ مُحْتَمَلَةٌ فِي الحَدِيثِ، وَاللهُ أَعْلَمُ +++شرح النووي على صحيح مسلم (2/176).--- .
وَالغُرْبَةُ هُنَا المَذْكُوْرَةُ فِي الحَدِيثِ لَهَا وَجْهَانِ:
الأَوَّلُ: غُرْبَةُ مَا جَاءَ بِهِ الإِسْلَامُ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى عِبَادِةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَتَرْكِ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ؛ فَقَدْ كَانَتْ عِبَادَةُ غَيرِ اللهِ تَعَالَى وَالإِشْرَاكُ بِهِ أَمْرًا فَاشِيًا فِي النَّاسِ.
وَالثَّانِي: غُرْبَةُ أَهْلِ الإِسْلَامِ بِقِلَّتِهِمْ؛ فَقَدْ بَدَأَ الإِسْلَامُ فِي آحَادٍ مِنَ النَّاسِ وَقِلَّةٍ، ثُمَّ انْتَشَرَ وَظَهَرَ، ثُمَّ سَيَلْحَقُهُ النَّقْصُ وَالاخْتَلَافُ، حَتَّى لَا يَبْقَى - أَيْضًا - إِلَّا فِي آحَادٍ وَقِلَّةٍ؛ غَرِيْبًا كَما َبَدَأَ +++إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (1/456). ---
وَعَلَى كِلَا الاحْتِمَالَينِ؛ فَإِنَّ المُمَاثَلَةَ بَينَ الحَالَينِ الأُولَى وَالأَخِيرَةِ فِي الوَجْهَينِ كِلَيهِمَا؛ فَإِنَّ الشِّرْكَ يَفْشُو فِي آخِرِ الزَّمَنِ كَمَا كَانَتْ الحَالُ فِي أَوَّلِ مَجِيءِ الإِسْلَامِ؛ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الإِسْلَامِ يَكُونُونَ فِي قِلَّةٍ فِي آخِرِ الزَّمَنِ كَمَا كَانُوا فِي قِلَّةٍ فِي أَوَّلِهِ +++فيض القدير (2/321). ---
وَفِي الجُمْلَةِ؛ فَإِنَّ أَهْلَ الإِسْلَامِ قِلَّةٌ فِي النَّاسِ بِالنَّظَرِ إِلَى مَجْمُوعِ البَشَرِيَّةِ، كَمَا قَالَ ـ تَعَالَى ـ: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ +++جزء من آية رقم (116) من سورة الأنعام. --- .
ثَانِيًا: أَمَّا صِفَاتُ الغُرَبَاءِ وَخِصَالُهُمْ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ يُمْكِنُ إِجْمَالُهَا فِيمَا يَلِي:
الأَوَّلُ: أَنَّهُمْ أَفْرَادٌ فِي قَبَائِلِهِمْ، يَخْرُجُونُ عَمَّا عَلَيهِ مَجُمُوعُ قَوْمِهِمْ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ زِيَادَةً عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ الَّذِي قَالَ فِيْهِ: «بَدَأَ الإسلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ؛ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» +++ تقدم تخريجه. --- , قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لمَّا سُئِلَ: مَنِ الغُرَبَاءُ؟ قَالَ: «النُزَّاعُ مِنَ القَبَائِلِ» +++أخرجه الإمام أحمد (3784)، وابن ماجه (3988), والدارمي (2797), وَقَال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. كما في تحقيق المسند (5/296). --- ، وَالنُّزَّاعُ: جَمْعُ نَازِعٍ، وَهُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَينِ قَوْمِهِ وَيَتَفَرَّدُ؛ كَمَا كَانَ المُهَاجِرُونَ نُزَّاعًا مِنْ القَبَائِلِ يَتَفَلَّتُونَ مِنْ أَقْوَامِهِمْ وَمِنْ عَشِائِرِهِمْ، وَيُهَاجِرُونَ إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُزَّاعًا، وَهَكَذَا حَالُ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ ظُهُورِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُمْ أَهْلُ صَلَاحٍ فِي ذَوَاتِهِمْ وَأَهْلُ إِصْلَاحٍ لِغَيرِهِمْ؛ فَقَدْ جَاءَ فِيْمَا رَوَاهُ الآجُرِّيُّ +++ينظر: كتاب "الغرباء" لأبي بكر الآجري، ص (16). --- بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا سُئِلَ: مَنْ هُمُ الغُرَبَاءُ؟ قَالَ: «الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ» +++مسند الإمام أحمد (16690), والطبراني في المعجم الكبير (5867), والأوسط (3056)--- ، وَفِي رِوَايَةٍ: «الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ» +++أخرجه الترمذي (2630)، وَقال: حديث حسن. --- ؛ أَيْ: أَنَّهُمْ يَصْلُحُونَ فِي ذَوَاتِهِمْ، وَيُصْلِحُونَ غَيرَهُمْ.
الثَّالِثُ: أَنَّ عَدَدَهُمْ قَلِيلٌ بِالنَّظَرِ إِلَى غَيرِهِمْ؛ فَقَدْ جَاءَ فِيْمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرو ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّه لمَّا سُئِلَ ـ صَلى الله عليه وسلم ـ عَنِ الغُرَبَاءِ قَالَ: «ناسٌ صَالِحونَ فِي نَاسِ سَوءٍ كثيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ» +++مسند الإمام أحمد (7072), والمعجم الأوسط للطبراني (8986), والغرباء للآجري (22). قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. كما في تحقيق المسند (12/29)--- . وَهَذَا الوَصْفُ يَخْتِلُفُ بِاخْتِلافِ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ وَظُهُورِ الإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ وَعَدَمِ ذَلِكِ.
واَلخُلَاصَةُ: أَنَّ وَصْفَهُمْ بِالغُرَبَاءِ قَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إِلَى عَدَدِهِمْ، وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إِلَى عَمَلِهمِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إِلَى زَمَانِهِمْ، وَحَالِ النَّاسِ الَّذِيْنَ يَعِيشُونَ مَعَهُمْ.
وَمِمَّا يَجْدُرُ التَّنَبُّهُ لَهُ أَنَّهُ مَعَ هَذِهِ الغُرْبَةِ الَّتِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّةِ الإِسْلَامِ، مِنْ أَهْلِ الحَقِّ، مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، مِنْ أَتْبَاعِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمَا كَانَ عَلَيهِ الصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ الصَّالِحُ عَلَى مَرِّ العُصُورِ؛ فَفِي الصَّحِيْحِ مِنْ حَدِيثِ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ» +++صحيح البخاري (7311)---، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: «لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» +++صحيح مسلم (1920 )--- . وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ بِشَارَةٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ بِبَقَاءِ عِزِّهَا، وَحِفْظِ أُصُولِهَا عَلَى مَرِّ العُصُورِ وَكَرِّ الدُّهُورِ، إِلَّا أَنَّهُ أَيْضًا حَثٌّ لِأَهْلِ الإِسْلَامِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ هَذِهِ الفِئَةِ الَّتِي تَقُومُ بِالحَقِّ، وَتَعْمَلُ بِهِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَقُومُ بِالحَقِّ وَيَدْعُو إِلَيْهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا الفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.