الْغَضَبُ دَرَجَاتٌ وَمَرَاتِبُ؛ فَإِذَا كَانَتِ الْيَمِينُ فِي غَضَبٍ شَدِيدٍ يَحْمِلُ الْإِنْسَانَ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يُرِيدُهُ فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحُنْثِ فِيهَا كَفَّارَةٌ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: ((لَا طَلَاقَ وَلَا عِتَاقَ فِي إغْلَاقٍ)) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ 6(/276) وَأَبُو دَاوُد(2193)، وَابْنُ مَاجَهْ (2046) ، وَالْإِغْلَاقُ: الْغَضَبُ كَمَا فَسَّرَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو دَاوُد، وَقِيلَ: الْإِكْرَاهُ، وَالْجُنُونُ، وَأَجْمَعُ مَا قِيلَ فِي الْإِغْلَاقِ أَنَّهُ حَالٌ يُغْلَقُ فِيهَا عَلَى الْإِنْسَانِ تَفْكِيرُهُ فَيَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يُدْرِكُهُ وَمَا لَا يَقْصِدُهُ، فَالْحِلْفُ حَالَ الْغَضَبِ الشَّدِيدِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ فِي الْإِغْلَاقِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْغَضَبُ فِي بِدَايَاتِهِ لَمْ يُغْلِقْ عَلَى الْإِنْسَانِ تَفْكِيرَهُ، فَإِنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَخَالَفَهَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، فَقَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى وَعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ:((مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ)) صَحِيحُ مُسْلِمٍ (1650) ، وَالْكَفَّارَةُ بَيَّنَهَا اللَّهُ ـ تَعَالَى ـ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ﴾ سُورَةُ الْمَائِدَةِ:89 وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.